إعلان

التحققات الممكنة

التحققات الممكنة

د. هشام عطية عبد المقصود
09:00 م الجمعة 23 مارس 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

كثيرة هي الأشياء الصعبة والممكنة تماماً في الحياة، هي تحديداً التي يحملها سجل التاريخ منجزاً فذاً للمجتمعات والبشر الذين تفاعلوا معها بإبداع، وحققوا من خلالها منجزاً عاماً، سيبدو ذلك واضحاً تماماً وأنت تسترجع حركة التاريخ عبر فصوله وأبوابه وحكايات التحقق، ثم مسيرة الشخصيات داخله، ستوقن بأن ما ظنه البعض باباً من المستحيل، قد رآه آخرون منفذاً ممكناً، وسعوا في اتجاهه منجزين، ليحققوا ما أصبح ناصعاً في مسيرة الأمم والأفراد، وهكذا تشكلت المفصليات في تاريخ الكون، وارتبطت بها الأسماء، دلالة على أن الفعل البشري لا حدود له حين يمتلك عزماً صلباً، وهدفاً واضحاً، وقدرة عمل تتعدى متاريس الكسل والسكون.

ستقول الرواية التاريخية شيئاً مهماً عن أن لذلك صلة وارتباطاً لا ينفك بتحلي البعض بالمثابرة والدأب، ثم القدرة على حفز الهمم حين يحل التعب، أو يتسلل كسل ما، وإدارة ذات المعطيات– التي كثيراً ما كانت متاحة لآخرين– باختلاف وتميز ونتاج مضاعف، ولتكون معهم وعبرهم تطويراً وتحديثاً وآفاقاً غير مسبوقة، حتى لتبدو تخطياً واجتيازاً لما كان يعتقد في زمن ما أنه صعب، أو بعيد، أو مستحيل.

وقد أراد بعض المؤرخين قصر التحولات الكبيرة في المجتمعات على ما يسمى الطاقة الجمعية، وأهملوا أن هناك قدرة فذة للأفراد والشخصيات منحهم إياها جهدهم ودأبهم وفطرتهم، وأهملوا أيضاً أن هناك خصوصية لبعض المجتمعات نتيجة الثقافة والتقاليد، وأيضاً حجم التطور التاريخي والمؤسسي بها لتحتاج معها وبشكل مهم ومؤثر لدور هذه الشخصيات، وبما تتحلى به من قدرة على أن توحد مسيرة العمل وتحدد التوجه، وتبادر وتقود، قُدر لهم أن يخوضوا غمار ما سكن وأسن من العادات والثقافات والممارسات غير هيابين ولا متراجعين، متحملين عبء وجهد ترويض الإرادات المتعارضة، وتفكيك ثقافة التكاسل والتراخي والنميمة، وتجاوز مصدات التحققات، فينتجون حدائق المنجزات.

قد تطلق الأدبيات الأكاديمية على ذلك تعظيم إدارة الموارد والإمكانات، وأسميه شيئاً أبسط كثيراً هو العزم والهمة والقدرة الفائقة التي تتوافر للبعض، والتي تعطيهم إرادة التغيير والفعل، ثم طاقة الخيال العظيم الذي يرى معطيات ما متاحة، وتبدو عادية إمكاناتٍ وآفاقاً منجزة.

ربما يجدر بنا أن نعمل ونعظم الأثر المجتمعي لذلك، ونمد أثره فيكون شاملاً، بأن تتشكل هيئة تعنى ببناء وتوفير مناخ التطوير والمنجز من أطر مؤسسية وإدارية وموارد، وتطلق مبادرات لإتاحة الفرص للإبداع في كل المناحي، تؤكد على فتح نوافذ الطاقات واكتشافها، مبادرة تهتم مع عملية التأهيل للشباب وإكمال فرص التدريب لهم ببناء مسارات موازية تتمثل في استراتيجيات تطوير للهيئات والمؤسسات العامة، في إطار خطة عمل قومية شاملة، تكون البداية بأن تمنح هذه المؤسسات فرصاً زمنية قصيرة ومدروسة ليس فقط لتقدم ورقاً مكدساً يستغرق في وصف الحال والمعطيات والمشكلات التي تراكمت عبر السنوات وتعددت، بل لتقدم مسارات للتعامل مع هذه المعطيات ذاتها، بإعادة هيكلة طرق إدارتها التاريخية، وتوفير كوادر قادرة على النفاذ من تكدس صعوباتها ورقاً وتكراراً، تقترح وتبادر بسيناريوهات إنتاج وتحول جديدة لا تستغرق في متاهة وصف المشكلات، بل تتحلى بقدرة أن تضيء كهوف عتمة الحل أو صعوبته أو تأجيله.

ولن يكون ذلك مجرد تصور نظري بسيط وسهل للتعامل مع قضايا ومشكلات صعبة، فأحياناً ما تكون الحلول اليسيرة لقربها خارج نطاق التناول، مع أولوية أن يرتبط بذلك أن تكون النواتج الجزئية المتحققة عبر هذه السيناريوهات البديلة المنتجة وسيلة تقييم دورية، سيمنح ذلك عبر الوقت دافعاً للمنجز، والتحقق سيكون عاماً وشاملاً وكاشفاً أيضاً، وسيكون حاسماً في بناء التحول المهم في فترة زمنية مناسبة، وبما يشكل تحدياً تاريخياً لفكرة المقدرات والإمكانيات والإشكاليات التي عاشت زمناً حائلاً دون تخطى دوائر تكرارها، وكسر رتابة تواترها ليصنع مُضَافاً طيباً وأملاً.

إعلان