إعلان

السينما البديلة.. القطعة الناقصة!

السينما البديلة.. القطعة الناقصة!

د. ياسر ثابت
09:00 م الثلاثاء 27 فبراير 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تميل فئة كبيرة من الشباب العربي إلى ما يُعرف بالسينما البديلة التي تحاول جاهدة أن تقدّم سرديّات سينمائيّة مختلفة للواقع والتاريخ، وتسلط الضوء على تجارب إنسانيّة متنوّعة، ومن ثمَّ توثيقها، للتعريف بمعاناة هذه الشرائح الاجتماعيّة المنسيّة والغوص عميقـًا في قضاياها.

ينبني تصوّر هذه المدرسة على التمرّد ضدّ السينما التجاريّة، فأغلب العاملين في هذا القطاع تحكمهم عقليّة البيع والشراء، لأنّه قطاع يحكمه الاحتكار والاعتبارات التجاريّة، ومن لا يستند فيه إلى شركة إنتاج ضخمة لن يستطيع إخراج فيلم سينمائي أو وثائقي إلى النّور، مهما كانت إمكانيّاته ومواهبه وقيمة العمل الّذي يرغب في إنجازه.

ولذلك تمرّد عديد من المخرجين الشبّان من العالم العربي على هذه العقليّة، وسعوْا إلى إنتاج أفلام بأقلّ تكاليف ممكنة. واجهوا صعوبات جمّة أثناء صراعهم لترويجها في قاعات العرض التجاريّة، وهذا ما اضطرّ أغلبهم إلى فتح قاعات خاصّة بهذه النوعيّة من الأفلام لاقت نجاحًا لدى جماهير الشباب العرب الّذين وجدوا فيها صورتهم وقضاياهم. وبعد أن انتفضوا ضد الظلم والقمع والإقصاء سياسيًّا، ها هم بدأوا في الانتفاض الآن ثقافيًّا.

في كتابه "السينمات البديلة: مكونات.. تمايزات.. وآفاق" (كتاب الفيلم، 2017)، يقدم د. مالك خوري معلومات موثقة برشاقة عن المحطات التي مر بها مفهوم السينما البديلة وصولًا إلى اليوم، مع رصد الحركات والاتجاهات التي أسهمت بطريقةٍ أو بأخرى في تحديد دور أُطر الإنتاج، والتوزيع، والتسويق، والعرض السينمائي، سواء عن التزام ووعي متكامل أو عن ممارسة عملية.

إن فهم سياق صعود أو هبوط، أو استمرار الحركات السينمائية "البديلة" يساعد في استيعاب مكامن قوتها وضعفها بشكل عام، وكيف يرتبط هذا السياق بالواقع التاريخي الأوسع، خاصة بالارتباط، مع ما يحدث في العالم سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا وثقافيًا.

بطبيعة الحال، لا يمكننا أن نُغفل العلامات المُضيئة في تاريخ السينما العربيّة البديلة، مثل فيلم "وقائع سنوات الجمر" للجزائري محمّد الأخضر حامينا، الّذي فاز بالسعفة الذهبيّة في مهرجان كان سنة 1975. ويروي هذا الأثر الفنّي الشهير قصّة النضال الجزائري وانتهاكات حقوق الإنسان الّتي ارتكبها المستعمر الفرنسي في فترة احتلاله للبلاد.

كما لا يفوتنا أن نذكر أيضًا فيلم "السفراء" للتونسي ناصر القطاري، الّذي عالج مشكلات العمّال العرب في أوروبا. هذا إضافة إلى أسماء عديدة عبّدت الطريق أمام السينما البديلة، أو سينما المؤلّف مثل المخرج السينمائي السوري محمّد ملص، والمصري توفيق صالح في فيلميه "المخدوعون" و"رجال تحت الشمس"، واللبناني مارون البغدادي، وصولًا إلى الموريتاني عبدالرحمن سيساكو.

ونذكر في هذا السياق أسماء بعض الرواد في الدعوة إلى حركات السينما العربية البديلة، خلال فترة أواخر ستينيات القرن الماضي وفي السبعينيات، من أمثال قاسم حول، وصلاح ذهني، وسمير ذكري، ونبيل المالح، وعمر أميرلاي، وقيس الزبيدي، وفيصل الياسري، وخالد الصديق، وبرهان علوية، ورأفت الميهي، وغالب شعث، وأحمد متولي، وعادل منير، وفايز غالي، وفؤاد التهامي، وعلي عبدالخالق، وأحمد قاسم، ومحمد راضي، ونبيهة لطفي، وداوود عبدالسيد، وخيري بشارة، وهاشم النحاس، ومحمد كامل القليوبي، ويسري نصرالله، وصبحي شفيق، وصلاح التهامي، وعبدالقادر التلمساني، وحسام علي، وشادي عبدالسلام، وسمير عوف، وصلاح مرعي، وأنسي أبوسيف، وسعيد مرزوق، وعطيات الأبنودي، ومدكور ثابت، وممدوح شكري وغيرهم.

ولا يفوتنا الحديث عن العديد من تجارب السينما المصرية البديلة، مثل تجربة المخرج سيد عيسى الاستثنائية في الإخراج والإنتاج المستقل.

ربما جاز القول إن المهرجان الأول لسينما الشباب، الذي عُقِد في دمشق عام 1972، شكَّل استجابة لنداءات من أجل إطلاق حركة سينمائية عربية بديلة، كانت قد عبَّرت عن نفسها من قبل في مصر بعدة أفلام، قام بإنتاجها "جماعة السينما الجديدة" منذ عام 1968. وكان للعمل الذي بدأته مجموعة السينما العربية الجديدة، دور مفصلي في تحديد معالم سينما بديلة، تستلهم الواقع العربي كأساس سياسي ونظري لها؛ إذ إن هذه المجموعة التي دعت بوضوح إلى محاربة السينما القديمة الخاضعة، وإلى تطوير نوع من السينما الوثائقية والواقعية المهتمة بالواقع المحلي، وبقضايا التحرر الوطني وقضايا المرأة، طرحت أيضـًا معالم لتوجهات، شكّلت إلى حدٍ كبير تقاطعـًا مع الطروحات، التي كانت أيضـًا تظهر في دول أمريكا اللاتينية في الفترة نفسها.

يشير د. مالك خوري في كتابه إلى أنه على الرغم من استمرار هيمنة السينما التجارية، التي أضحت في تسعينيات القرن العشرين تقترن بظهور أسلوب "إنتاج المقاولات"، فإن هذه الظاهرة تمخضت أيضـًا عن بعض المظاهر المغايرة، مثل "الموجة الجديدة" في مصر، حسب الناقد الراحل سمير فريد، التي شهدت إطلاق العديد من الأفلام المهمة، التي لا تنضوي تحت لواء السينما السائدة، مثل "كابوريا" و"آيس كريم في جليم" (خيري بشارة – 1990 و1992) و"البحث عن سيد مرزوق" (داوود عبدالسيد)، و"المواطن مصري" (صلاح أبوسيف- 1991)، و"آي آي" (سعيد مرزوق)، و"مرسيدس" (يسري نصر الله- 1993)، و"ليلة ساخنة" (عاطف الطيب)، و"نزوة" (علي بدرخان- 1996)، و"مبروك وبلبل" (ساندرا نشأت- 1998).

وهنا لا بدَّ من الإشارة إلى أفلام مهمة ومميزة شكلًا ومضمونًا، مثل أفلام يوسف شاهين الثلاثة "المهاجر"، و"المصير" و"الآخر"، وكذلك فيلم محمد فاضل "ناصر 56" (1996)، و"ليه يا بنفسج؟" و"عرق البلح" لرضوان الكاشف (1992 و1998)، و"ثلاثة على الطريق" و"البحر بيضحك ليه" لمحمد كامل القليوبي (1993 و1995) و"يا دنيا يا غرامي" و"البطل" لمجدي أحمد علي (1995 و1998).

يبقى القول إنه لا يمكن للسينما البديلة أن تنجح وحدها. المسألة خارج قدرة المخرج. أنت بحاجة إلى المنتج البديل ثم الموزّع البديل وصاحب قاعة العرض البديل.

إعلان