إعلان

انفراد| من مدينة الفيروس الغامض.. مصريون يروون حكايات الرعب في "ووهان" الصينية

09:35 ص الأحد 26 يناير 2020

جزء من الطلاب المصريين بجامعات ووهان

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب- أحمد جمعة:

لم تتوقع الدكتورة عزة عبد الوهاب يومًا أن يتغيّر حالها على هذا النحو في الصين وهي التي عاشت في مدينة ووهان لنحو 5 سنوات كاملة، في رحلتها لنيل درجة الدكتوراه في اللغة الصينية من جامعتها الكبرى، قبل أن يتبدل الحال بتلك المدينة الهادئة لتكون محط أنظار العالم، ليس إعجابًا في هذا الوقت لكن خوفًا.

مع إشراقات الشمس الأولى في 2020، بدأ القلق يتسرب إلى مواطني ووهان، مع إعلان مسؤولي المدينة اكتشاف حالة مُصابة بفيروس جديد بإحدى أسواق السمك، لكن الأمور مضت في دورانها قبل أن ينتشر الفيروس خلال الأيام القليلة الماضية، ليخلف مئات المُصابين (1300 حتى الآن)، ويوقع 41 حالة وفاة، وَفق ما أعلنت لجنة الصحة الوطنية بالصين، حتى يوم السبت.

ومع ذلك، لم يعد ما يدعو إلى الاطمئنان في ووهان، فقبل 3 أيام أمرت السلطات الصينية بتطبيق الحجر الصحي داخل المدينة، ومنع الخروج والدخول إليها؛ لحين السيطرة على الموقف، لتبدأ الأيام الصعبة على الجميع، صينيين وأجانب على حد سواء؛ ومنهم مصريون وصل عددهم إلى نحو 315 شخصًا، وَفق حصر السفارة المصرية ببكين، أغلبهم طلاب وباحثون.

83020001_174934067195119_155030542515961856_n

ترصد الدكتورة عزة عبد الوهاب التحوّل المفاجئ لمدينة ووهان الصينية خلال الأيام الماضية، بقولها: "إن الأمور كانت تسير بشكل عادي للغاية مع حلول عيد رأس السنة الصينية، والذي يكون فترة إجازات ويسافر الطلاب من الجامعات إلى أهلهم، وتُغلق أغلب المحلات، ويكون هناك تكدس في وسائل المواصلات قبيل العيد؛ ليسود الهدوء المدينة"، ووسط هذا كله بدأت تنتشر الإصابات بالفيروس المجهول قبل توصيفه بـ"كورونا المستجد".

لكن قبل 7 أيام من الآن، تحوّلت الأوضاع إلى قلق واسع، ازدادت الإصابات بشكل كبير، مع سقوط وفيات، ورأى الناس مشاهد لم تكن في الحسبان، وسط إجراءات وقائية تُثير الفزع: "لما الموضوع انتشر حاكم المقاطعة اتخذ قرار منع السفر وحظر الدخول"، وبدأت المدينة تطبيق الحجر الصحي بشكل كامل في العاشرة صباح الخميس الماضي.

تقول عزة: "المواصلات بجميع أنواعها؛ عامة وطائرات وقطارات، توقفت عن العمل، وأغلقت المحلات وأماكن الترفيه، وأصبحت المدينة معزولة بالكامل عن باقي المدن الصينية؛ لمحاولة السيطرة على الفيروس، وألزموا المواطنين منازلهم، ومنعوا سير الأوتوبيس داخل الجامعة".

التزم الباحثون والطلاب المصريون بالقرار. ظلوا في أماكن إقامتهم داخل جامعاتهم التي توفر إقامة شبه كاملة للطلاب والوافدين داخلها، وتتيح كل المتطلبات؛ بحيث لا يكونون في حاجة إلى الخروج كثيرًا، تضيف عزة: "أغلب الطلاب موجودون في الجامعة، والتي هنا تكون عبارة عن مدينة بها سكن ومحلات ومطاعم وكافيهات".

صورة 2

الوضع أصبح "مُريبًا" في نظر عزة؛ لعدة أسباب: أن هذه القرارات المفاجئة "حصلت خلال 48 ساعة فقط"، وما تبعها من قرار يبدأ تطبيقه خلال ساعات بفرض حظر التجوال في الشوارع ومنع سير الدراجات النارية والبخارية "قالوا اللي عاوز ينزل يشتري حاجات وأكل يكون النهارده آخر يوم)".

ما يزعج الدكتورة عزة عبدالوهاب هو قلق الأهل والأصدقاء في مصر؛ فهي في حيرة من أمرها، بين محاولة طمأنتهم طوال الوقت بسلامتها واستقرار حالها، وما يخوفها بالفعل جراء هذا الوباء الآخذ في الانتشار.

تقول عزة عبد الوهاب: "مستحيل نصف مدى المعاناة، نحاول تهدئة الناس هنا أو في مصر؛ لأن نادرًا ما يوجد أحد يجيد التحدث بالصينية من الطلبة، وهناك حالة من الرعب بسبب انتشار الفيروس وزيادة عدد الإصابات؛ لدرجة وفاة أطباء، ودفع الجيش الصيني بطائرات حربية بها أطباء من الجيش وممرضات، وسط تدافع الناس في الأيام الماضية على المستشفيات؛ لأخذ المصل".

صورة 3

الخميس الماضي، أعلنت منظمة الصحة العالمية، أن السلالة الجديدة من فيروس كورونا تمثل حالة طوارئ صحية في الصين؛ لكنها أحجمت عن إعلان حالة طوارئ صحية عالمية، وسط انتشار الإصابة في عدد من البلاد؛ بينها فرنسا وأمريكا وماليزيا وأستراليا واليابان.

يوجد مع عزة في الجامعة نحو 16 باحثًا وطالبًا مصريًّا من بين أكثر من 300 طالب داخل ووهان الصينية وحدها، حسب قولها، وهي التي تتولى مسؤولية التواصل بين الطلاب المصريين والجامعة للعام الخامس على التوالي.

مفيش حياة يومية

لا يغادر الدكتور مصطفى أبو العز، سكنه الجامعي في "ووهان"، إلا في مرات نادرة، إما لشراء أساسيات المعيشة وإما للحصول على أدوية، وفي كل الأحوال يأخذ احتياطاته في أثناء الدقائق المعدودة التي يسيرها، قبل أن يعود مجددًا لعزلته الجبرية، خوفًا من الإصابة بالفيروس المجهول.

سافر أبو العز إلى الصين في سبتمبر الماضي، حيث يُحضر دكتوراه في مجال الكيمياء الصيدلية الطبية داخل جامعة يووهان، والتي أثارت إعجابه منذ الأيام الأولى التي حط فيها رحاله: "ووهان مدينة اقتصادية وحضارية كبيرة"، قبل أن ينتشر بها كورونا.

بطبيعة تخصصه نشط أبو العز بين زملائه المصريين والأجانب للتعريف بالفيروس وطرق الوقاية منه؛ خصوصًا في مجموعات الدردشة على تطبيقات التواصل الاجتماعي، وبالتزامن اتخذت الجامعات كثيرًا من الاحتياطات؛ لحماية طلابها وباحثيها من الفيروس وتوفير الكمامات الطبية.

من جانبها، تواصلت السفارة المصرية في الصين، مع المصريين المقيمين في ووهان؛ للاستفسار عن أوضاعهم وبث رسائل طمأنة لهم.

يقول أبوالعز: "السفارة أجرت حصرًا شاملًا لنا في كل بياناتنا؛ الاسم ورقم الجواز والتليفون والعنوان بالتفصيل، كما تم إنشاء مجموعة على تطبيق (ويتشات) لتبادل المعلومات والاستفسارات بشكل دائم".

"لا توجد حياة يومية"، حسب ما يقول الباحث المصري، فالأوضاع تغيرت كثيرًا، مضيفًا: "أغلب المصريين هنا وفروا الأكل والشرب والاحتياجات الطبية منذ قرار تطبيق الحجر الطبي"، لكنه يؤمن رغم هذا بقدرة الصين على تجاوز هذه الأزمة.

قال أبو العز إنه سيشارك مع فريق بحث في اكتشاف علاج للفيروس، بالتعاون مع أقسام الميكروبيولوجي، وأقسام كليات الصيدلة والطب في جامعة ووهان وجامعة (HUST)، تحت إشراف أستاذه عميد الصيدلة في كلية التونجي الطبية، ومدير معمل النانو.

صورة 4

وعلى نفس المنوال، تسير الأمور مع الباحث المصري محمد جمال، الذي حصل على منحة لنَيْل الدكتوراه في مجال إدارة الأعمال من جامعة "هواتشونج" بمدينة ووهان، تاركًا خلفه في المنصورة تسجيل الدكتوراه الخاصة به.

يتخوف جمال من مصير الأيام المقبلة في الصين بشكل عام، قائلًا: "قاعد في السكن مش باخرج، طبعًا اشتريت حاجات تكفيني لأسبوعين بالعافية؛ لغاية ما المحلات تفتح تاني، بس أنا مش ضامن أخرج بره البيت".

ينتظر جمال مثل باقي المصريين أن تجد الحكومة الصينية حلًّا لهذه الأزمة؛ حتى يستكمل دراسته، قائلًا: "مش عارف الوضع ده هيستمر لإمتى، مفيش أي أخبار حاليًّا"، خصوصًا أن العيد لم يكن عيدًا كما سمع قبل أن تطئ قدماه المدينة في سبتمبر الماضي.

وفي كل الأحوال، يأمل العشرات من المصريين مثل الدكتورة عزة عبد الوهاب، أن يعودوا إلى مصر في أسرع وقت، ولسان حالهم يقول: "نفسنا نروّح".

فيديو قد يعجبك: