مائة عام على مولده| كيف كانت تجربة السادات الأولى مع السينما؟

كتب- محمد نصار:

قادمًا من قرية مغمورة بمحافظة المنوفية، كان الرئيس محمد أنور السادات -في صباه- تائهًا في القاهرة، الوجوه بالنسبة له غريبة لا تقارن بتلك التي تركها خلفه في القرية ليكمل تعليمه، لم يعتد مبانيها وشوارعها ودور السينما الموجودة بها.

مسرح كبير به شاشة عرض وحولها تصطف مقاعد الجمهور متحلقة في شبه دائرة تفصلها خطوط بسيطة لتسهيل حركة التنقل داخل قاعة السينما التي دخلها السادات للمرة الأولى في حياته، حسبما حملت مذكراته "البحث عن الذات".

يحكي السادات في مذكراته، عن محاولته التعرف على الأشياء، فيقول: "أول مرة دخلت فيها السينما في حياتي.. كان يومًا عصيبًا.. شاهدت قطار سكة حديد قادمًا من أقصى الشاشة ومندفعًا بسرعة مذهلة نحوي".

من هول الصدمة وحداثة التجربة انقلب هذا القطار من مجرد صورة في فيلم سرعان ما تتلاشى ويمحوها مشهد جديد، إلى كابوس يزعج السادات ويدفعه للهرب باحثًا عن طوق نجاة: ماذا أفعل؟ أغمضت عيني ورجعت بجسدي إلى الوراء، ولكن صوت القطار ما زال يدوي في أذني.. ففيم الانتظار؟

ترك السادات مقعده في السينما مسرعًا وراح يخترق الصفوف مهرولًا في طلب النجاة مما يعتقد أنه سيُهلكه، وبينما كان يحاول الهرب لاحظ أن الجميع في مقاعدهم: لفت نظري أن الناس كلها قابعة في مقاعدها وكأن شيئًا لم يحدث.

حتى الآن لم يدرك أن كل ما يراه في هذه الشاشة مجرد مشاهد تمثيلية، ولم يستطع عقله الذي صدق عينه معتبرًا أن هذا قطار حقيقي وسيلاحقه حتى يُهلكه أن يصدق الحقيقة الموجودة حوله وأنه لا يوجد ما يدعو للخوف فالجميع في أماكنهم لا يهرعون بينما هو يفعل: هذا شأنهم قلت في نفسي.

حينما بلغ السادات بالكاد نهاية الصف محاولًا الهرب، وقف لينظر على الشاشة ولم يجد القطار: لم أجد القطار ووجدت بدلًا منه رجلًا وامرأة يتناولان الطعام في مقهى صغير، فاخترقت الصف مرة أخرى وعدت إلى مقعدي، أرقب أحداث الفيلم في هدوء كما يفعل الآخرون.

كانت هذه التجربة مبهرة للصبي القادم من الريف حديثًا لدرجة جعلته يعيدها مرة أخرى: كم انبهرت ذلك اليوم بما رأيت.. وكان من نتيجة انبهاري أن حجزت تذكرة الحفلة التالية من الساعة الثالثة إلى السادسة، وجلست في مقعدي لأشاهد القطار العجيب مرة أخرى.