هل يشعل حصار فنزويلا أسعار النفط أم يظل التأثير محدودا؟ خبراء يجيبون
كتب : أحمد الخطيب
أسعار-النفط-
يرى خبراء الطاقة والاقتصاد، أن التصعيد الأمريكي الأخير ضد صادرات النفط الفنزويلي لن يؤدي إلى اضطراب واسع في سوق النفط العالمية، مؤكدين أن تأثيره يظل محدودًا ولا يرقى إلى مستوى الصدمة السعرية، في ظل وفرة المعروض وقدرة كبار المنتجين على تعويض أي نقص محتمل.
وأجمع خبراء تحدثوا لـ"مصراوي"، أن المتضرر الحقيقي من هذه الإجراءات هو الاقتصاد الفنزويلي نفسه، وليس السوق العالمي.
وخلال الأيام الماضية، كثفت الولايات المتحدة إجراءاتها لتضييق الخناق على صادرات النفط الفنزويلي، بعد ملاحقة ومصادرة ناقلة نفط ثالثة تدعى (بيلا 1) في المياه الدولية قبالة السواحل الفنزويلية، وسط تقارير تتحدث عن صلات محتملة بإيران وحزب الله.
وتأتي هذه الخطوات ضمن سياسة أمريكية تستهدف عزل حكومة الرئيس نيكولاس مادورو وحرمانها من أحد أهم مصادر الدخل.
وتعتمد شركة النفط الفنزويلية (PDVSA) في تصدير الجزء الأكبر من شحناتها على السوق الصينية، عبر وسطاء وناقلات تعرف بـ(أسطول الظل)، وهي سفن قديمة ذات ملكية غير واضحة، تستخدم لنقل النفط الخاضع للعقوبات من دول مثل فنزويلا وإيران وروسيا.
أوبك بلس اللاعب الحاسم
في هذا السياق، أكد الدكتور حسام عرفات، أستاذ هندسة البترول والتعدين، أن مصادرة ناقلات النفط الفنزويلية لن يكون لها تأثير ملموس على أسعار النفط العالمية، موضحًا أن أقصى ما قد ينتج عنها هو ارتفاع محدود لا يتجاوز 25 سنتًا في سعر البرميل، وهو مستوى لا يمثل تهديدًا حقيقيًا لتوازن السوق.
وشدد عرفات على أن العامل المؤثر الحقيقي في أسعار النفط يتمثل في سياسات الإنتاج التي تقودها منظمة أوبك وتحالف أوبك بلس، موضحًا أنه في حال خفض الإنتاج ينخفض المعروض وترتفع الأسعار، أما في الوقت الحالي فتتجه النية نحو زيادة الإنتاج، وهو ما يقلل من احتمالات حدوث قفزات سعرية.
وأضاف أن مصادرة ناقلات النفط تأتي ضمن سياسات دولية معتادة ذات تأثير محدود، ولا تنعكس بصورة مباشرة أو جوهرية على السوق العالمية.
وعلى الصعيد المحلي، أوضح عرفات أن مصر تعتمد على آلية التسعير التلقائي إلى جانب سياسات التحوط، حيث يتم احتساب سعر البرميل بناءً على أعلى متوسط سعري خلال العام السابق، والذي تراوح بين 60 و65 دولارًا، في حين تشير التوقعات إلى أن متوسط السعر خلال العام المقبل قد يدور حول 55 دولارًا، وهو ما يضع الحسابات في نطاق آمن حتى في حال حدوث ارتفاعات طفيفة.
وأشار إلى أن التأثير الحقيقي يظهر في أسعار الشراء الآجل وليس في الأسعار الفورية، موضحًا أن تكلفة التحوط والشراء الآجل يتحملها المستهلك النهائي، مضافًا إليها فروق سعر الصرف.
ولفت إلى أن الدول الأكثر تضررًا من هذه السياسات هي فنزويلا وروسيا وإيران، حيث تضطر إلى تقليص أو إغلاق جزء من إنتاجها نتيجة صعوبة التصدير.
الأسواق تترقب… والأسعار تتراجع
ورغم التصعيد الأمريكي ضد ناقلات النفط المرتبطة بفنزويلا، شهدت أسعار النفط تراجعًا خلال تعاملات اليوم الثلاثاء، في ظل حالة من الترقب تسود الأسواق العالمية لقرارات أمريكية مرتقبة بشأن الخام الفنزويلي، ما يعكس هشاشة سوق الطاقة أمام التوترات الجيوسياسية وتقلبات السياسات الاقتصادية.
ورغم كفاية الإمدادات العالمية على المدى القريب، فإن استمرار الاضطرابات في بعض مناطق التوتر، وعلى رأسها البحر الأسود، أو فرض قيود إضافية على صادرات فنزويلا، قد يؤدي إلى تقلص الفائض العالمي وارتفاع مستويات القلق لدى المستثمرين.
وتشير التقديرات إلى أن سوق النفط يدخل مرحلة عالية الحساسية تجاه أي تطورات سياسية أو أمنية، ما يجعل استقرار الأسعار مرهونًا بقدرة القوى الكبرى والمنتجين الرئيسيين على إدارة الأزمات وتجنب خطوات تصعيدية قد تخل بالتوازن الدقيق للسوق العالمية.
وعلى صعيد الأسعار، تراجع خام برنت إلى نحو 57.86 دولارًا للبرميل، منخفضًا بنحو 1.04 دولار، فيما هبط خام غرب تكساس الوسيط إلى قرابة 56.94 دولارًا للبرميل بخسائر بلغت نحو 0.91 دولار.
وكانت الأسعار قد أنهت جلسة أمس الاثنين عند 58.90 دولارًا لبرنت و57.85 دولارًا لغرب تكساس، بحسب بيانات بلومبرج.
لماذا لا يتأثر السوق العالمي؟
من جانبه، يرى أحمد معطي، الخبير الاقتصادي، أن الأسواق قامت بتسعير هذه المخاطر مسبقًا، مشيرًا إلى أن التصريحات الأمريكية بشأن فنزويلا ليست جديدة وبدأت منذ شهور، ما دفع الدول إلى اتخاذ احتياطاتها بالفعل عبر زيادة المخزونات.
وأوضح معطي أن مخزونات الصين وصلت إلى مستويات قياسية تجاوزت مليار برميل، بالتوازي مع ارتفاع المخزونات في الولايات المتحدة وعدد من الدول الكبرى، ما قلل من حساسية السوق تجاه أي نقص محتمل.
وأضاف أن توقيت التصعيد الأمريكي جاء مدروسًا، خاصة مع وصول الإنتاج الأمريكي إلى مستويات قياسية تتراوح بين 13 و13.8 مليون برميل يوميًا.
ورغم امتلاك فنزويلا أكبر احتياطي نفطي في العالم، تراجع إنتاجها من نحو 1.1 مليون برميل يوميًا إلى 860 ألفًا، مع توقعات بانخفاضه إلى ما بين 300 و500 ألف برميل فقط في ظل الحصار. واعتبر معطي أن هذا النقص يمثل تحديًا «محدودًا جدًا» للسوق العالمية، ويمكن تعويضه بسهولة عبر أوبك أو المنتجين الآخرين أو الولايات المتحدة، لا سيما في وقت يشهد تباطؤًا في الطلب العالمي.
وأكد أن فنزويلا هي الخاسر الأكبر، مع توقعات بارتفاع معدلات التضخم إلى نحو 400%، وفقدان إيرادات تتجاوز 8 مليارات دولار سنويًا، علمًا بأن النفط يمثل أكثر من نصف مواردها المالية، دون وجود بدائل صناعية أو تجارية حقيقية.
الأهداف الأمريكية والرسالة إلى الصين
وكشف معطي أن أحد أهداف الولايات المتحدة من هذا التصعيد هو الإبقاء على سعر برميل النفط فوق مستوى 60 دولارًا، لضمان استمرارية وكفاءة أنشطة البحث والتنقيب في الجنوب الأمريكي وولاية تكساس، مشيرًا إلى أنه لولا هذا الحصار ربما كان السعر قد هبط إلى نحو 50 دولارًا بفعل زيادة المعروض العالمي.
وأشار إلى أن أسطول الظل بات واقعًا في سوق النفط، حيث إن ناقلة واحدة من كل خمس ناقلات حول العالم تعمل ضمن هذا النظام، موزعة بنسبة 50% لروسيا، و30% لإيران، و20% لفنزويلا.
ويرى معطي أن المستهدف الحقيقي من الحصار ليس فنزويلا بقدر ما هو الصين، التي تستورد نحو 80% من النفط الفنزويلي بخصم يصل إلى 15 دولارًا للبرميل. وتوقف هذه الإمدادات سيجبر بكين على البحث عن بدائل أعلى تكلفة، ما قد ينعكس على معدلات نموها الاقتصادي.
وتوقع معطي، استمرار وجود سعرين للنفط خلال الفترة المقبلة، أحدهما رسمي والآخر غير معلن، بفارق يتراوح بين 15 و20 دولارًا للبرميل، مرجحًا أن صناعة النفط الفنزويلية لن تصمد طويلًا أمام هذا النزيف المالي، وسط شكوك حول قدرة قوى كبرى مثل الصين على تعويض هذا العجز.
اقرأ أيضًا:
ماذا تستفيد مصر من صفقة الغاز الإسرائيلي؟.. خبراء يكشفون
بريطانيا تستثني حقل ظهر المصري من العقوبات المفروضة على روسيا