إعلان

فساد وأوضاع مضطربة.. لماذا يعيش لبنان أسوأ الأزمات المالية في العصر الحديث؟

12:56 م الثلاثاء 05 أبريل 2022

تردي الوضع الاقتصادي يؤجج الغضب الشعبي في لبنان

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-ياسمين سليم:

رغم نفي حاكم مصرف لبنان المركزي إفلاس البنك ومعه الدولة بأكملها أمس، إلا أن هذا لا يمحي أن لبنان يعيش أزمة مالية طاحنة وصفها البنك الدولي بأنها أسوأ الأزمات المالية في العصر الحديث.

وتضاربت الأنباء أمس مع إعلان نائب رئيس الوزراء سعد الشامي، في حوار مع تلفزيون الجديد إن الدولة مفلسة وكذلك المصرف المركزي، وبعد ساعات من إذاعة الحوار جاء نفي رياض سلامة، حاكم مصرف لبنان المركزي.

وقال سلامة في بيان إن البنك ما زال مستمرًا في أداء دوره الموكل له بموجب القانون رغم خسائر القطاع المالي.

وخلال السنوات الماضية تعرض لبنان لأزمات متفاقمة بدأت باضطراب مالي منذ أواخر 2019 عندما انهار النظام المالي تحت وطأة الديون العامة الضخمة تلتها جائحة كورونا ثم أخيرًا انفجار مرفأ بيروت في أغسطس 2020.

وتقول وكالة رويترز إن الانهيار المالي في لبنان ناجم عن عقود من الفساد والسياسات السيئة التي أدت إلى فقد العملة أكثر من 90% من قيمتها ووقوع غالبية السكان في براثن الفقر، كما منعت البنوك معظم المدخرين من الوصول إلى حسابات بالعملات الصعبة، في وقت تشير الاتهامات إلى النخبة اللبنانية.

ماذا يحدث؟

يصف البنك الدولي ما يحدث في لبنان حاليًا بأنها واحدة من أشد عشر أزمات أو ربما أشد ثلاث أزمات في العالم منذ خمسينات القرن التاسع عشر.

وقال البنك في تقرير حديث أصدره عن لبنان بعنوان "الإنكار الكبير" أن الكساد المتعمد في لبنان هو من تدبير قيادات النخبة في البلاد التي تسيطر منذ وقت طويل على مقاليد الدولة وتستأثر بمنافعها الاقتصادية ووضعت يدها على ريعها الاقتصادي.

وتشير تقديرات البنك إلى أن إجمالي الناتج المحلي الحقيقي هبط بنسبة 10.5% في 2021 في أعقاب انكماش نسبته 21.4% في 2020.

وفي الواقع انخفض إجمالي الناتج المحلي للبنان من قرابة 52 مليار دولار أمريكي في 2019 إلى مستوى متوقع قدره 21.8 مليار دولار أميركي في 2021، مسجِّلا انكماشاً نسبته 58.1%، وهو أشد انكماش في قائمة تضم 193 بلدا.

ويعاني لبنان من نظام تعدد أسعار الصرف إذ يوجد سعر صرف رسمي في البنك المركزي، وسعر صرف معمولًا به في المؤسسات الرسمية وسعر صرف في السوق الموازي- السوق السوداء- ويرتفع هذا السعر بقيمة كبيرة جدًا عن الأسعار الرسمية.

وخلال العام الماضي استمر التدهور الحاد لقيمة الليرة اللبنانية، إذ هوى سعر الصرف للسحب النقدي مقابل الدولار الأمريكي ومتوسط سعر الصرف الذي يحتسبه البنك الدولي بنسبة 211% و219% (على أساس سنوي) على الترتيب، خلال الأحد عشر شهراّ الأولى من العام متجاوزًا عتبة 22 ألف ليرة لبنانية للدولار الواحد.

ومع بداية العام الجاري تجاوز سعر الصرف في السوق الموازية عتبة 33 ألف ليرة لبنانية للدولار الواحد، بينما يبلغ سعر الصرف الرسمي نحو 1507.5 ليرة للبنانية للدولار.

وأدى انتقال آثار تغيرات أسعار الصرف على الأسعار إلى قفزة كبيرة للتضخم الذي يقدر أن معدله بلغ في المتوسط 145% في 2021-ليسجل ثالث أعلى معدل على مستوى العالم بعد فنزويلا والسودان.

وتسببت هذه الضغوط التضخمية في ارتفاع معدلات الفقر وأثرت بشدة على الفقراء والطبقة المتوسطة أكثر من غيرهم، ورفعت مستويات البطالة.

وفي وسط كل هذه الأزمات يعاني القطاع المالي بشدة، وقدرت مسودة خطة حكومية للإنقاذ المالي في وقت سابق هذا العام وجود فجوة بحوالي 70 مليار دولار في القطاع المالي، بحسب وكالة رويترز.

وتوقف القطاع المصرفي عن الإقراض ولم يعد يجتذب الودائع، واعتمد في المقابل نظام دفع للمودعين مجزأ يميّز بين الودائع الدولارية القديمة (قبل أكتوبر 2019) وحد أدنى من التدفقات الجديدة من "الدولارات الجديدة".

وتخضع الودائع الدولارية القديمة لإجراءات صارمة تؤدي إلى تراجع مستويات التمويل بالدين بسبب السحوبات النقدية من الحسابات الدولارية التي تتم بالليرة اللبنانية باستخدام سعر الصرف الرسمي (حتى 85% على الودائع بالدولار).

وفي وقت يعاني لبنان من كل هذه الأزمات تقود 3 دول أوروبية تحقيقًا مشتركًا حول تورط مزعوم لحاكم مصرف لبنان المركزي، رياض سلامة، الذي يتواجد في منصبه منذ 30 عامًا، في قضية غسيل أموال تتجاوز قيمتها 330 مليون دولار.

وقال مسؤولون في الاتحاد الأوروبي، إن السلطات في فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ جمدت أصولًا قيمتها الإجمالية 120 مليون يورو (132 مليون دولار) في 25 مارس في تحقيق مع خمسة مشتبه بهم، حسبما نقلت بلومبرج نهاية الشهر الماضي.

ونفى سلامة هذه المزاعم، وقال إنها جزء من حملة إعلامية لتشويه صورته، مصرحاً أنه جمع ثروته خلال مسيرته المهنية السابقة كمصرفي استثماري في "ميريل لينش".

مناقشات لا تنتهي

في ظل هذه الأوضاع المالية غير المستقرة دخلت الحكومات اللبنانية المتعاقبة في مناقشات مع صندوق النقد الدولي لإقرار برنامج للإصلاح الاقتصادي، لكن هذه المناقشات لم تنته أبدًا بسبب رفض بعض الأطراف اللبنانية الموافقة عليه تارة، أو عدم التوصل لحل مناسب تارة.

ويقول الصندوق إن لبنان يواجه أزمة غير مسبوقة ومعقدة تتطلب برنامجًا شاملًا للإصلاح الاقتصادي والمالي.

ويصر الصندوق على أنه لن يقدم أي دعم مالي ما لم توافق الحكومة اللبنانية على مباشرة إصلاحات ضرورية.

ويتفق هذا مع ما يراه البنك الدولي إذ يقول إن لبنان يحتاج بشكل عاجل إلى اعتماد وتنفيذ خطة إصلاحية موثوقة وشاملة وعادلة من أجل تفادي الانهيار الكامل للشبكة الاجتماعية والاقتصادية.

ويتطلب هذا وضع إطار سياسة نقدية جديدة يعبد الثقة والاستقرار إلى سعر الصرف، بجانب برنامج إعادة لهيكلة الدين، وإعادة هيكلة شاملة للقطاع المالي من أجل استعادة ملاءة القطاع المصرفي.

فيديو قد يعجبك: