إعلان

التضخم والتمويل الخارجي.. ما التحديات التي تواجه اقتصاد مصر بعد حرب أوكرانيا؟

03:57 م الثلاثاء 26 أبريل 2022

أمام إحدى شركات الصرافة

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث


كتب- مصطفى عيد وشيماء حفظي:

يواجه العالم أزمة اقتصادية كبيرة وموجة تضخمية عنيفة بدأت في التأثير فعليا على اقتصادات الدول خلال الشهرين الأخيرين، وذلك بعد اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، وهو ما تأتي تداعياته في ظل عالم لم يتعافَ بعد بشكل كامل من جائحة كورونا، إلى جانب استمرار أزمات سلاسل التوريد وغيرها من تداعيات الجائحة الأخرى.

والاقتصاد المصري ليس بمعزل عن العالم بل إن وضعه الحالي جعله ضمن أكثر الدول تأثرا بالأزمة مع الاعتماد بشكل كبير على استيراد جزء كبير من السلع الأساسية التي قفزت أسعارها بسبب تداعيات الحرب، إلى جانب تأثر القطاع الخارجي بشكل ملحوظ بالأزمة خاصة في ظل ما يمثله طرفا الحرب من أهمية لقطاع السياحة في مصر.

وبدأت آثار الأزمة تظهر على مصر في الفترة الأخيرة، رغم مساهمة نتائج إجراءات الإصلاح الاقتصادي السابقة في تحمل بعض منها، حيث تراجع الاحتياطي النقدي وتأثر قطاع السياحة، وكانت مصر إحدى الأسواق الناشئة التي شهدت خروجا ملحوظا لاستثمارات الأجانب في أدوات الدين مع تطورات الأوضاع ومخاوف المستثمرين.

وحصلت مصر على مساعدات مالية من بعض الدول الخليجية من أجل المساهمة في تجاوز الأزمة، حيث أودعت السعودية 5 مليارات دولار في البنك المركزي المصري، إلى جانب اتفاق على استثمار 10 مليارات أخرى، بالإضافة إلى ضخ استثمارات إماراتية بنحو 2 مليار دولار عن طريق شراء حصص في بعض الشركات، والاتفاق مع قطر على ضخ استثمارات بقيمة 5 مليارات دولار.

كما أعلنت الحكومة بدء التفاوض على برنامج تعاون جديد مع صندوق النقد الدولي من المتوقع أن يتضمن جانبا تمويليا، ويجري التواصل حاليا بين خبراء الصندوق والحكومة من أجل الاتفاق على شكل هذا البرنامج.

وخلال لقائه مع كريستالينا جورجييفا مدير عام صندوق النقد الدولي منذ يومين، أعرب الدكتور محمد معيط، وزير المالية، عن تطلع مصر لاستمرار دعم صندوق النقد الدولي للاقتصاد المصري؛ لعبور الأزمة العالمية الراهنة، بحسب بيان سابق من وزارة المالية.

وقال الوزير إن برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي بدأ في عام 2016 واستمر 3 سنوات بالتعاون مع صندوق النقد ساعد مصر كثيرًا في التعامل المرن مع الصدمات الداخلية والخارجية، وجعلها أكثر قدرة على مواجهة التحديات الاقتصادية، وتخفيف حدتها.

ما التحديات التي يواجهها الاقتصاد المصري بسبب أزمة أوكرانيا؟

تعد الموجة التضخمية التي تشهدها مصر والعالم حاليا والمتوقع استمرارها الشهور المقبلة أحد أبرز التحديات وتداعيات هذه الأزمة العالمية الحالية والتي تؤدي معالجتها لحدوث تأثيرات في نواحٍ أخرى.

وقالت إسراء أحمد محللة الاقتصاد الكلي بشركة الأهلي فاروس لتداول الأوراق المالية، لمصراوي: "العقبات الأكبر حاليا تتمثل في المعطيات العالمية التي تحيط بالاقتصاد المصري، من التضخم المرتفع والزيادة المطردة في أسعار السلع الأساسية، وما ينطوي عليه ذلك من سياسات تشديد نقدي تتخذها البنوك المركزية حول العالم وهو ما له أثره بالطبع على السيولة الدولارية وخروج الأموال الساخنة".

وأضافت إسراء أحمد: "تزداد تلك التحديات صعوبة إذا وضعت في إطار الحرب في أوكرانيا التي زادت من ارتفاع أسعار السلع ذات الأهمية الخاصة لمصر حيث تستورد الطاقة والغذاء بشكل أساسي، في نفس الوقت الذي أثرت بشدة على دخل الصادرات الخدمية لمصر (السياحة)".

وارتفعت معدلات التضخم في مصر لأعلى مستوياتها في نحو 3 سنوات عند 12.1% لإجمالي الجمهورية و10.5% للمدن في مارس الماضي، كما سجلت مستويات قياسية في آخر 3 أو 4 عقود في بعض الدول الأخرى.

وجاء ذلك بعد قفزة أسعار البترول وتجاوزها مستوى 100 دولار وارتفاع أسعار عدد من السلع الأساسية الأخرى مثل القمح والحبوب والمعادن وغيرها.

ورفع الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) أسعار الفائدة 0.25% من مستوى الصفر لأول مرة منذ عام 2018 في مارس الماضي، ومن المنتظر حدوث رفعات أخرى بنفس النسبة أو نسب أعلى خلال العام الجاري لمواجهة التضخم الذي وصل إلى أعلى مستوياته في نحو 40 عاما في الولايات المتحدة عند 8.5%.

وفي مصر رفع البنك المركزي أسعار الفائدة 1% خلال اجتماع استثنائي في 21 مارس الماضي لتصل إلى 9.25% للإيداع، و10.25% للإقراض، وطرح بنكا الأهلي المصري ومصر شهادة ادخار مرتفعة العائد بنسبة 18% في نفس اليوم، وهو ما تزامن مع انخفاض كبير لسعر الصرف مقابل الدولار وصل إلى نحو 16%.

وانخفض احتياطي النقد الأجنبي لمصر لأول مرة في 22 شهراً، بنحو 3.9 مليار دولار خلال شهر مارس الماضي، ليصل بنهاية الشهر إلى 37.082 مليار دولار.

وقال البنك المركزي، في بيان سابق له، إنه استخدم جزءاً من احتياطي النقد الأجنبي لتغطية احتياجات السوق المصري من النقد الأجنبي وتغطية تخارج استثمارات الأجانب والمحافظ الدولية، وكذلك لضمان استيراد سلع استراتيجية، بالإضافة إلى سداد الالتزامات الدولية الخاصة بالمديونية الخارجية للدولة.

وتعد دولتا روسيا وأوكرانيا من أكثر الدول التي يفد منها السياح إلى مصر، وبالتالي يؤثر اندلاع الحرب على أعداد الوفود القادمة منها إلى مصر.

وقبل اندلاع الحرب، قال عاملون ومستثمرون في مجال السياحة، لمصراوي، إن حجوزات السياح الروس والأوكرانيين إلى مصر تراجعت خلال شهر فبراير الماضي بحوالي 30%، مع تصاعد التوترات السياسية بين البلدين خلال الفترة الماضية.

وقالت إسراء أحمد: "نرى التحدي الأكبر في تفاقم تلك الأزمات في توقيت خروج الاقتصاد المصري بحساب جارٍ منهك من آثار جائحة كورونا، مما زاد من آثار المعطيات العالمية غير المواتية. كل تلك العوامل تؤدي لحالة مرتفعة من عدم اليقين خاصة مع معدلات تضخم مستورد مرتفعة وارتفاع تكاليف الإنتاج".

وأعلن البنك المركزي، في تقرير بشأن أداء ميزان المدفوعات خلال النصف الأول من السنة المالية الحالية صدر منذ أيام، أن العجز في حساب المعاملات الجارية ارتفع إلى 7.8 مليار دولار خلال النصف الأول من العام المالي الجاري مقابل 7.6 مليار دولار من نفس الفترة من العام المالي السابق.

وأوضح أن ذلك يعود إلى ارتفاع عجز الميزان التجاري غير البترولي بنسبة 24.2% خلال نفس الفترة ليصل إلى 23.8 مليار دولار مقابل نحو 19.1 مليار دولار في نفس الفترة من العام السابق، إلى جانب ارتفاع عجز ميزان الاستثمار إلى نحو 7.1 مليار دولار مقابل نحو 5.4 مليار دولار.

ويتضمن حساب المعاملات الجارية المعاملات الاقتصادية السلعية والخدمية والدخل وتحويلات المصريين العاملين بالخارج والمنح الحكومية والخاصة، وهو جزء من ميزان المدفوعات المتعلق بتعاملات مصر مع العالم الخارجي.

ولم تظهر بعد أرقام ميزان المدفوعات المتعلق بالربع الثالث من العام المالي الجاري والتي سيظهر فيها التأثيرات الأولى لحرب أوكرانيا على الوضع الخارجي لمصر.

وقالت منى بدير كبيرة الاقتصاديين بشركة برايم لتداول الأوراق المالية، في مذكرة بحثية حديثة، إن تأثير الحرب في أوروبا بدأ في الانعكاس على الوضع الخارجي لمصر من خلال 3 قنوات: العجز التجاري، وعائدات السياحة، وفجوة التمويل الخارجي.

وأضافت أن العجز التجاري غير الهيدروكربوني سيظل المصدر الرئيسي للضعف، حيث يتعرض لمزيد من التدهور على الرغم من إجراءات البنك المركزي المصري للحد من الواردات، وهو ما يعود إلى ارتفاع فواتير الاستيراد وخطر اضطرابات الإمدادات العالمية طويلة الأمد التي تؤثر على السلع العالمية، وخاصة واردات السلع الغذائية.

وتابعت: "تقديرنا أن العجز التجاري سيتسارع أكثر في العام المالي الجاري إلى 11.6% من الناتج المحلي الإجمالي مرتفعا من 9% من الناتج المحلي الذي توقعناه سابقا".

وخفضت برايم توقعاتها لعائدات السياحة على خلفية التدفقات السياحية الأبطأ المتوقعة من روسيا وأوكرانيا لتصل إلى 10.6 مليار دولار بنهاية العام المالي 2022، وفقا للمذكرة البحثية.

وقالت منى بدير إنه من المتوقع أن تصل احتياجات التمويل الخارجي لمصر إلى 21.3 مليار دولار في النصف الثاني من العام المالي 2022.

وأضافت أن التصعيد السريع للتوترات الجيوسياسية في أوروبا الشرقية إلى جانب التحول الجذري في الظروف النقدية العالمية يهدد قدرة البلاد على الوصول إلى الأموال لتمويل احتياجاتها الخارجية.

وذكرت: "وبالتالي فإن قرار مارس برفع أسعار الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس وتخفيف القبضة على الجنيه المصري كان ضروريا لاحتواء الضغوط الخارجية وحماية الاحتياطيات الخارجية لمصر في حالة حدوث أزمة مستمرة وطويلة الأمد".

وقالت منى بدير: "نعتقد أن دعم صندوق النقد الدولي والتدفقات المالية الخليجية ستخفف مخاوف المستثمرين بشأن فجوة التمويل الخارجي في مصر. وعلى الرغم من ذلك ستظل الظروف التشديدية العالمية مصدر قلق كبير، مما يجعل الموقف النقدي للبنك المركزي المصري أكثر تشددا مما كان متوقعا في البداية".

كيف يمكن مواجهة هذه التحديات؟

قال مدحت نافع، الخبير الاقتصادي، لمصراوي، إن هناك بالفعل تحديات اقتصادية جسيمة ومواجهتها لن تكون ممكنة إلا بالتوجه نحو الإنتاج وتعميق الصناعة المحلية وزيادة الرقعة الزراعية مما يخلق فرص عمل مستدامة مع استمرار والتوسع في برامج الحماية الموجهة للمهمشين.

وعملت الحكومة على اتخاذ حزمة من الإجراءات الاجتماعية بقيمة وصلت إلى نحو 130 مليار جنيه بدأت في تنفيذها الشهر الجاري، من بينها زيادة المعاشات 13%، وضم 450 ألف أسرة جديدة لبرنامج تكافل وكرامة، وزيادة العلاوة الدورية والخاصة والحافز الإضافي الشهري لموظفي الحكومة، ورفع حد الإعفاء الضريبي بنسبة 25% إلى 30 ألف جنيه سنويا.

وأضاف مدحت نافع أن من بين إجراءات مواجهة الأزمة أيضا توطين الصناعة وتعميقها وكل ما يتعلق بإجراءات في الاقتصاد الحقيقي تتطلب التحول الهيكلي من التوجه الريعي إلى مزيد من القيمة المضافة، وتخفيض الاعتماد على الاستيراد، وإعادة ترتيب الأولويات في الإنفاق العام لخدمة هذا التوجه.

فيديو قد يعجبك: