إعلان

"الإدارية العليا": الزواج العرفي للقاصرات اغتصاب لحق الطفولة واعتداء صارخ على كرامة الطفل

01:21 م الأحد 05 يناير 2020

زواج القاصرات

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب- محمود الشوربجي:

حسمت المحكمة الإدارية العليا، قضية تزويج الأطفال التي تحدث في قرى مصر، واستنت مبدأ قانونيًا جديداً بفصل إمام وخطيب مسجد بالغربية كان يزوج الأطفال القصر عرفياً بإحدى قرى الريف بمحافظة الغربية، وهي الظاهرة التي أدت على مدار سنوات إلى كثير من الكوارث الأسرية وتكون الضحية الطفلة وأولادها الأطفال، وقد بادرت وزارة الأوقاف إلى إحالته للنيابة الإدارية تمهيدًا لمحاكمته تأديبيًا.

وأكدت المحكمة أن ظاهرة الزواج العرفي للقاصرات اغتصاب لحق الطفولة، واعتداء صارخ على كرامة الطفل وأن الزواج العرفي للأطفال يتعارض مع الدور الحمائي للمرأة.

كما أكدت على أن لإمامة المسجد منزلة عظيمة في تبصير وسطية الإسلام لصلاح الوطن والمواطن، لا تزويج الأطفال القصر، وألقت المحكمة العبء الأكبر على وسائل الإعلام للتعاون مع رجال الدين للتوعية بمخاطر الظاهرة وآثارها النفسيّة السلبية على الأطفال.

وأضافت على أن مصر سارعت بتنفيذ الميثاق الإفريقي بحظر زواج وخطبة الأطفال قناعة منها بريادتها للقارة الإفريقية، كما أكدت على حسم جدلية سن الزواج بتأييد موقف المشرع المصري بتحديد سن الزواج بـ 18 سنة، بتأصيل فقهي يتفق مع مبادئ الشريعة الإسلامية تحقيقا للمصلحة المعتبرة واتساقا مع فقه الواقع.

قالت المحكمة في حيثيات حكمها أن وزارة الأوقاف هي من بادرت وقامت بتقديم بلاغ إلى النيابة الإدارية بشأن التحقيق فيما ورد بشكوى والدة الطفلة ضد الطاعن فرج مصطفى فرج صقر إمام وخطيب مسجد الأربعين بقرية ميت حبيب مركز سمنود، لتزويجه ابنتها الطفلة "أ ف أ" على الطفل "ر ح ع" رغم كونهما قُصر، وأنه يقوم بزواج البنات الصغيرات اللاتي لم يبلغن السن القانونية للزواج العرفي بحجة أن هذا حلال شرعاً، وأنه يقوم بكتابة إيصالات أمانة على الزوج لحين إتمام البنت السن القانونية للزواج، وأن ابنتها حامل في الشهر السابع وحينما بلغت ابنتها السن القانونية للزواج رفض زوجها إتمام الزواج بصفة رسمية، ورفض إمام المسجد منحها إيصالات الأمانة قائلا لها أن الزوج لا يرغب بالزواج، وشهد ضده الكثير من أبناء القرية بأنه كان يساومهم علي نص العفش من أجل أن يكتب الكتاب .

وأشارت المحكمة إلى أن المشرع المصري كان حريصًا على حظر توثيق عقد زواج لمن لم يبلغ من الجنسين ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة في أكثر من نص تشريعي ولائحي، وألزم المشرع المأذون في هذه الحالة أن ينبه من يلقن صيغه العقد إلى ما قد يوجد من الموانع فإن لم يقبل امتنع المأذون عن توثيق العقد، وأخطر المحكمة فوراً بذلك, كما أن الميثاق الإفريقي لحقوق ورفاهية الطفل الصادر عام 1990 والذي انضمت إليه جمهورية مصر العربية وصدقت عليه – وصار جزءاً من نسيجها التشريعي حظر زواج الأطفال وخطبة الفيتات والأولاد في سن الطفولة, وألزم الدول الأعضاء باتخاذ الإجراءات – بما في ذلك التشريعات – لتحديد الحد الأدنى لسن الزواج ليكون 18 سنة، والقيام بتسجيل كافة الزيجات في سجل رسمي إجباري.

وكانت مصر من أولى الدول التي سارعت بتنفيذ الميثاق الإفريقي قناعة منها بريادتها وانتمائها إلى القارة الإفريقية وفقا لما نصت عليه المادة الأولى من الدستور الساري, فضلا عن كونها جزء من الأمة العربية والعالم الإسلامي واعتزازها بامتدادها الاَسيوي.

ولفتت المحكمة إلى أنه من مقامها هذا تلفت المجتمع إلى أن ظاهرة الزواج العرفي القاصرات هي ظاهرة اجتماعية لها كثير من الآثار السلبية على الأسرة والمجتمع، حيث أن الفتاة في هذه المرحلة العمرية وهي مرحلة الطفولة تكون غير مهيأة من الناحية النفسية والعقلية والثقافية والجسدية لتقوم بمسئولية إدارة بيت ورعاية زوج وتربية أطفال، فتتحمل عبئاً لا قدرة لها عليه، ولا تستوعب دورها به مطلقاً، فمثل هذا الزواج يعد اغتصاباً للحق في الطفولة، واعتداءً صارخاً على كرامة الطفل، فهو من باب فقر الأخلاق، بل يمثل جريمة مكتملة الأركان في حق الأطفال القاصرات.

وأوضحت المحكمة أن الزواج العرفي للأطفال القُصر يتعارض مع الدور الحمائى للمرأة, ويبنى زواجها على جرف هار ينهار بها وبأسرتها حال مواجهتها أنواء الحياة, ويزيد الأمر صعوبة حال حملها فتعرض حياتها وجنينها لمخاطر صحية قد تودي بها أو بطفلها أو بهما معاً إلى الهلاك، ثم هي وزوجها القاصر من بعد ليسا على دراية بتربية هذا الطفل ورعايته وهما اللذان في حاجة إلى تربية ورعاية, فضلًا عن ذلك فإن لزواج القصر آثاره الاجتماعية الخطيرة كالتسريب من التعليم وتفشي الأمية وتدني الصحة الإنجابية بما ينعكس أثره على ذرية هذا الزوج, ويمتد هذا الأثر ليؤثر على سلامة المجتمع في جوانبه الأسرية والصحية والتعليمية وهي آثار تترك ندوبها على وجه المجتمع سنين عددًا ويغدو إصلاحها من الصعوبة بمكان.

ونبهت المحكمة إلى خطورة ظاهرة زواج الأطفال القصر عرفيًا, وأنه يجب مواجهتها ويقع على وسائل الإعلام التي تخاطب الشأن العام عبء كبير بالتعاون مع رجال الدين في التوعية السليمة لبيان مخاطرها والآثار النفسيّة السلبية لزواج الأطفال القصر بالحرمان العاطفي من حنان الوالدين، والحرمان من التمتع بمرحلة الطفولة التي إنمرّت بسلام، تكبر الطفلة لتصبح إنسانة سويّة في مجتمعها، لذا فإن حرمانها من الاستمتاع بهذه السن يؤدي إلى اضطرابات الشخصيّة واضطرابات في العلاقات الجنسيّة بين الزوجين، بفعل عدم إدراك الطفلة لطبيعة العلاقة، مما ينتج عنه عدم نجاح هذه العلاقة.

وأيدت المحكمة موقف المشرع المصري في تحديد سن الزواج بثمانية عشرة سنة، وأنه لا يعد مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية وليس فيه شبهة مخالفة الدستور، بل يتفق مع مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع وهي مبادئ وسطية مستنيرة، تخاطب الناس في كافة المجتمعات بحسب أعرافها وأوضاعها.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان