إعلان

في ذكرى اغتياله: "مالكوم إكس" المناضل الأمريكي الأسود الذي غير الإسلام حياته مرتين

07:02 م الأحد 21 فبراير 2021

مالكوم إكس

كتبت – آمال سامي:

"انني كنت أسفل سافلين في قاع المجتمع الأمريكي عندما اهتديت إلى الله وإلى الإسلام تغير مجرى حياتي"، مالكوم إكس، أو الحاج مالك الشباز، الداعية الإسلامي والمدافع عن حقوق السود في أمريكا في القرن الماضي، والذي يوافق اليوم، الحادي والعشرون من فبراير ذكرى وفاته، كانت بداية مالكوم إكس المولود في 19 مايو 1925 بداية تشي بما كان لوضع السود في المجتمع الأمريكي في تلك الفترة حيث عانى مالكوم في بداية حياته من الاضطهاد العرقي كغيره من السود، فقتل والده الذي كان قسيسا معمدانيا وناشطًا سياسيًا في الجمعية العالمية لتقدم الزنوج على يد بعض المتطرفين البيض.

"كان عندي دائمًا شعور غريب بأنني أيضًا سأموت مقتولًا فاستعددت لذلك ما وسعني الإستعداد" يعلق مالكوم إكس في سيرته الذاتية على حادثة اغتيال أبيه دون أن يعلم أنه سيلقى المصير ذاته بالفعل بعد عدة سنوات. لم يكن اغتيال والد مالكوم إكس الحادث الوحيد العنصري في العائلة، فما جعل أبوه ينضم للمنظمة التي تدافع عن حقوق السود هو قتل البيض لثلاثة من اخوته الستة، وإعدام آخر دون محاكمة.

وإثر اغتيال والده تدهورت حالة الأسرة ماديًا ومعنويًا أيضًا وتعلم حينها مالكوم السرقة والسطو، ومع تردي الأوضاع المادية وتدخل مسئولو المساعدات الاجتماعية في حياة الأسرة، دخلت أمه مصحة عقلية وعمره 13 عامًا وانتقل بعدها للعيش هو واخوته في دور رعاية متفرقة.

كانت حياة مالكوم إكس بعد ذلك حياة أسود يحترف فنون الإجرام، فتاجر في المخدرات وشارك في عمليات سرقة وسطو، ولعب القمار، حتى تم القبض عليه في قضية سطو عام 1946 وانتقل لسجن تشالز تاون.

قصة مالكوم إكس مع حركة "أمة الإسلام"

جاءت النقطة الفاصلة في حياة مالكوم بعد ذلك بعامين، عندما تم نقله إلى سجن كونكورد حيث اعتنق هناك الإسلام بعد أن كتب إليه أخوه "فليبريت" الذي اعتنق الإسلام على يد محمد إيلجا زعيم حركة "أمة الإسلام" ذلك الحين. وعلى الرغم من ثورة مالكوم في البداية على إسلام أخيه، إلا أنه بعد توالي رسائل إخوته الذين أسلموا واحدًا تلو الآخر على يد محمد إيلجا أسلم هو الآخر.

لم تكن دعوة محمد إيلجا الإسلامية صحيحة مائة بالمائة، بل كانت محاطة بكثير من الأشياء المختلقة والكاذبة، والتي تخالف تعاليم الإسلام الصحيحة. عرف ذلك مالكوم إكس ذلك بعد سنوات حين زار مكة حين كان يحكي لهم كيف أن الشيطان هو الرجل الأبيض وأن الله هو إله السود وحدهم، وغيرها من القصص المحرفة والموضوعة. يعلق مالكوم إكس على إحدى هذه الحكايا في مذكراته قائلًا: "فيما بعد عرفت أن هذه الحكاية وأمثالها تثير غضب المسلمين في الشرق، وقد قلت لهم عندما زرت مكة إن الخطأ خطأهم لأنهم لا يفعلون كل ما يجب للتعريف بالإسلام الحقيقي في الغرب فيتركون الباب مفتوحًا أمام المشعوذين والمضللين".

كانت جماعة "أمة الإسلام" التي أصبح مالكوم إكس أحد أهم زعمائها ودعاتها بعد خروجه من السجن، تنادي بأفكار عنصرية عديدة، منها أن الإسلام دين السود والمسيحية هي دين البيض، لكن على الرغم من ذلك كانت بعض قيم الإسلام الصحيحة موجودة بهذه الحركة.

بعد خروج مالكوم إكس من السجن عام 1952، بدأ يراسل إيلجا محمد ويدعو أصدقاءه السابقين الذين عرفهم في مرحلة ما قبل السجن والممارسات غير القانونية التي كان يحترفها إلى الإسلام. وبعد عدة أشهر التحق مالكوم بجماعة أمة الإسلام ودعا الشباب إليها وأصبح إماما في مسجد دترويت وتفرغ تمامًا للدعوة. ومع مرور الوقت ارتقى مالكوم إكس سلم الصعود في المنظمة حتى أصبح الداعية الأول لها وذراع محمد إيلجا الأيمن.

ذاع سيطه في وسائل الإعلام الأمريكية باعتباره متحدثًا باسم الحركة، واستطاع أن يجذب إليها الكثير من الأتباع في سنوات قليلة، ناضل فيها من أجل حقوق السود، خاصة المسلمين. لكن كانت شهرته تلك سببًا في إثارة غيرة العديد من زملاءه وأيضًا أثارت حفيظة محمد إيلجا ضده على الرغم من إخلاصه له الذي ظهرت حدته بعد رواج شائعات تقول أن إيلجا أقام علاقات غير شرعية بعدة نساء في حركته وحملن منه حملًا غير شرعي، وهو ما حاول مالكوم تكذيبه لأنه كان صادمًا بشدة له، فقد كان إيلجا قدوته و"نبي" في نظره كغيره من اتباع الحركة.

نهاية علاقة مالكوم إكس بـ "أمة الإسلام"

كان حماس مالكوم إكس لإخراج "أمة الإسلام" و"إيلجا" من هذا الفخ قد بلغ أنه قد صاغ خطابًا دينيًا يبرر به خطايا إيلجا وعرضه عليه كطريقة فاعلة لعلاج الأمر وهو اعتبار ما فعله إيلجا خطئًا بشريًا قد فعله غيره من الأنبياء، واخرج من الإنجيل والقرآن كل ما يمكنه ان يستدل به على ذلك، باعتبار ان "الزنى" الذي تورط به إيلجا علامة من علامات "إكمال النبوة" الذي مر به غيره من الأنبياء وفق ما ذكر مالكوم في مذكراته.

ويبدو أن القدر حال دون أن يتورط مالكوم في تبرير أفعال أباه الروحي الشنعاء وإيجاد تحليلًا دينيًا لها، فعلى الرغم من إخلاصه له إلا أن إيلجا كان يخشى أن يخطف منه الأضواء، وأيضًا قيادة الجماعة. وقد واكب تلك الأحداث مقتل كيندي، الرئيس الأمريكي المحبوب، وكان إيلجا قد أصدر أوامره بعدم التعليق على تلك الحادثة، وهو ما خالفه مالكوم إكس حين سأله أحد الصحفيين عن رأيه فأجابه دون أن يفكر: "إن البيض قد نالوا جزاءهم وإن الكراهية البيضاء لا يمكن حصرها في قتل سود عزل، إنها عندما يسمح لها بالانتشار دون رادع ترد في نحر مروجيها وتضرب رئيس الدولة بذات نفسه" وهو التصريح الذي أنهى علاقة مالكوم إكس بأمة الإسلام.

ولم تكن فقط تلك نهاية العلاقة، بل بداية عداوة أيضًا، حيث بعد أيام من منعه من الحديث للصحافة وإلقاء الخطبة في مسجده، بلغه أن أحد أعوانه المباشرين يقول عنه: "لو عرفتم ما فعله لخرجتم وقتلتموه بأنفسكم".

رحلة حج مالكوم إكس وتغيرات جذرية في أفكاره

بعد خروجه من الجماعة سعى مالكوم إكس إلى تأسيس منظمة منشقة عن "أمة الإسلام" وأسماها "مؤسسة المسجد الإسلامي" في عام 1964 أي قبل اغتياله بعام واحد. وهو العام ذاته الذي قام فيه برحلة الحج والتي غيرت كثيرًا من أفكاره.

كانت اخته "إيلا" التي ساهم في إسلامها، هي من دعته بشكل مباشر إلى القيام بفريضة الحج، حيث كانت في ذلك الحين تعمل بجد لتدخر ما يكفيها لتقوم بها. وفي تلك الرحلة يتعرف مالكوم إكس على عدد كبير من رجال الشرق الذين أثروا بشكل كبير في رحلته وتحوله الفكري الأخير، من التطرف إلى الدين القويم. وكان أول هؤلاء الدكتور محمود يوسف الشواربي، وهو عالم مسلم تخرج في جامعة القاهرة وحصل على الدكتوراه من جامعة لندن، وكان يحاضر عن الإسلام في أمريكا وشغل منصب مدير جامعة الجمعيات الإسلامية بأمريكا وكندا، وكان هو من يعطي المسلمين في أمريكا تأشيرات الحج، وقد أهداه أيضًا كتاب عبد الرحمن عزام "الرسالة الخالدة" الذي أرسله مؤلفه معه ليهديه إلى مالكوم إكس الذي قرأه في رحلته إلى مكة ليلتقي مالكوم بـ عزام بعد ذلك هناك، في جدة. وبعد لقاءه لعبد الرحمن عزام، أعاد مالكوم النظر في تقييمه للـ "الرجل الأبيض" حيث يقول: "عندما نقول رجل أبيض في أمريكا نعني مواقف خااصة ومعاملة خاصة للإنسان الأسود، ولكل من ليس بأبيض، لكنني في العالم الإسلامي وجدت رجالًا بيضًا أكثر تلقائية في إخائهم من أي شخص آخر".

"ودخلنا مكة فإذا هي قديمة قدم الزمان..وسرت وأنا أحمل نعلي خلف المطوف ثم رأيت الكعبة، بيت ضخم من الحجر الأسود في قلب الحرام تحدق به الألوف المؤلفة من الحجاج نساء ورجالًا في كل الأحجام والأشكال والألوان". كانت "الأخوة" ووحدة البشر المنتمي لكل لون وجنس هي أبرز ما لفت نظر مالكوم بشدة في مكة. وهناك وعلى عرفات، جلس مالكوم يتحدث مع مجموعة من المسلمين عن العنصرية في أمريكا وشرها.

"كنت حتى ذلك الحين قد صغت في ذهني رسالة حول إنعدام الإحساس باللون في العالم الإسلامي الراجع إلى التدين والإنسانية، وهما الصفتان اللتان كان أثرهما علي يزداد يومًا بعد يوم ويغير تفكيري.. ففي حياتي لم أشهد أصدق من هذا الإخاء بين أناس من كل الألوان والأجناس، أذهلوني بما رأيت منهم من لطف" يقول مالكوم.

وفي تلك الرحلة التقى مالكوم بعديد من رجال الدين منهم مفتي القدس وعمدة مكة وغيرهم، وكذلك التقى بالملك فيصل الذي أخبره أن ما يتبعه المسلمون السود في أمريكا ليس هو الإسلام الصحيح، وقال له مالكوم بدوره أنه جاء إلى الحج ليعرف الإسلام الصحيح. وأضاف الملك فيصل: "أن التعلل بعدم المعرفة ليس عذرًا كما أنه لا ينبغي للمسلم الحق أن يسمح لغيره بتضليله". ومن مكة، انطلق مالكوم إكس لزيارة عدد من الدول العربية والأفريقية وهي لبنان ونيجيريا وغانا والسنغال والمغرب والجزائر، وعندما عاد إلى أمريكا كان أفقه الفكري قد اتسع حسب وصفه نفسه في مذكراته، وحاول أن يشرح في رسائل طويلة نظرته الجديدة إلى صراع الإنسان الأسود ومشاكله في أمريكا، وكان يحاول أن يفسر موقفه الجديد من البيض: "إنني لا أتحامل على البيض الطيبين، الصادقين، ذوي النوايا الحسنة، وقد علمت أنهم موجودون، وأن هناك بيضًا غير عنصريين. أنا أتحامل على العنصري الأبيض وأحاربه، وأؤمن إيمانا راسخا بأن للزنوج الحق في أن يحاربوه بكل وسيلة ممكنة".

وبعد فترة، زار مالكوم إكس مرة أخرى الشرق الأوسط وأفريقيا، التقى خلالها بالرئيس المصري جمال عبد الناصر وغيره من الرؤساء الأفارقة، ورجال الدين العرب والأفارقة والآسيويين، مسلمين وغير مسلمين ومن هؤلاء شيخ الأزهر والشيخ حسنين مخلوف الذين كان يشغل منصب مفتي مصر حينها.

مالكوم إكس أثناء لقاءه مع الملك فيصل

بعد عودة مالكوم إكس من الحج، أصبح أكثر نشاطًا وقوة، واختلافًا في خطابه عن جماعة أمة الإسلام التي أخذت في الانحدار، وكانت مؤسسة المسجد الإسلامي التي أطلقها بعد انفصاله عن حركة أمة الإسلام تدعو إلى المساواة بين الأفراد وعدم التمييز بينهم على أساس اللون، وتدعو كذلك إلى الإسلام الصحيح الي يقضي بتعاليمه وحدها على العنصرية، وهو ما دفع حركة أمة الإسلام لاغتياله وازاحته من على الساحة. ففي 14 فبراير تم احراق منزله لكنه نجا هو وأسرته من النيران، لكن في 21 من نفس الشهر، وأثناء إلقاءه محاضرة في قاعة مؤتمرات نيويورك، أطلق أحد رجال منظمة أمة الإسلام عليه النيران ليلقى مصرعه في حينها.

وبعكس ما كان يرغب اعداء مالكوم إكس، كانت وفاته نصرًا جديدًا للإسلام المعتدل في أمريكا، حيث ترك كثيرون جماعة أمة الإسلام بعد قيامها باغتياله، وتغيرت كثير من أفكار الجماعة نفسها خاصة بعد وفاة محمد إيلجا وتولي ابنه "والاس" الذي كان صديقًا لمالكوم إكس قيادتها وتغير اسمها إلى "البلاليين" نسبة لـ بلال بن رباح رضي الله عنه. ولكن الحركة عادت بعد ذلك إلى منهجها القديم على يد "لويس فرخان محمد" عام 1981 لينفصل عنها والاس ويؤسس جمعية خاصة به.

بعد اغتيال مالكوم اكس بشهر واحد، أقر الرئيس الأمريكي جونسون قانونا يعطي للسود الحق في التصويت وينهي استخدام كلمة "نجرو" التي كانت تطلق على السود في أمريكا.

فيديو قد يعجبك: