إعلان

جمعة يشرح الحكمة "معصية أورثت ذلًا خير من طاعة أورثت عزًا"

03:00 ص الخميس 12 ديسمبر 2019

الدكتور علي جمعة

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

(مصراوي):

طرح الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء، سؤالاً يقول: ما معنى قول ابن عطاء الله في «الحكم»: «معصية أورثت ذلا وافتقارا خير من طاعة أورثت عزا واستكبارا» وهل هي موافقة لأصول الشرع والدين، أما أن فيها امتداح للمعصية والعياذ بالله؟

يقول جمعة في إجابته عن السؤال إن حكم سيدي ابن عطاء الله السكندري -رضي الله عنه- من أنفع ما كتب في حقائق التوحيد، ووصف طريق سلوك العبد إلى ربه، أما بشأن الطاعة والمعصية، فقد أمر الله سبحانه وتعالى بطاعته، وجعل الطاعة سببًا في الفوز برضاه وجنته، وسببًا في مرافقة الأنبياء عليهم السلام والصديقين والشهداء.

واستشهد فضيلة المفتي السابق بقول الله تعالى: {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ}. وقوله سبحانه: {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا}. وقوله تعالى: {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}.

وأضاف جمعة، عبر صفحته الشخصية على فيسبوك، أن ربنا عز وجل نهى عن المعصية، وجعلها سببًا في الوقوع في غضبه وسخطه، وفي التعرض للعذاب في الآخرة، وجعلها علامة على الضلال المبين، وجعل ربنا سبحانه وتعالى القلب هو الأساس وعليه التعويل في القرب إليه سبحانه وتعالى، مستشهدًا بقوله تعالى: {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى القُلُوبُ الَتِى فِى الصُّدُورِ}. وقوله سبحانه وتعالى: {وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِى صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِى قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور}. وقول ﷺ : «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم».

وأكد فضيلة المفتي السابق أن معاصي القلب أكثر خطورة من معاصي الجوارح، كما أن معاصي الجوارح مُظْهِرة لأمراض في القلب يجب علاجها، لذا فبسلامة القلب تسلم الجوارح. وقد تحدث الطاعة الظاهرة من الجوارح معاصي شديدة الخطورة في القلب إذا لم يتنبه الإنسان، في حين أن المعصية قد يعقبها طاعات نافعة إذا فطن الإنسان وأناب إلى ربه.

وأوضح جمعة أن قول ابن عطاء الله السكندري: «معصية أورثت ذلا وافتقارا خير من طاعة أورثت عزا واستكبارا» حكمة عظيمة، وفائدة جليلة، لا تفهم على الوجه الصحيح الأكمل إلا بضمها للحكمة السابقة لها، حيث قال سيدي ابن عطاء الله السكندري في الحكمة السابقة: «ربما فتح لك باب الطاعة وما فتح لك باب القبول، وربما قضى عليك بالذنب فكان سببا في الوصول». يقول الشيخ ابن عباد النفزي الرندي في شرح هذه الحكمة: «وذلك أن الطاعة قد تقارنها آفات قادحة في الإخلاص فيها كالإعجاب بها، والاعتماد عليها، واحتقار من لم يفعلها، وذلك مانع من قبولها. والذنب قد يقارنه الالتجاء إلى الله والاعتذار إليه واحتقار نفسه، وتعظيم من لم يفعله فيكون ذلك سببا في مغفرة الله له، ووصوله إليه فينبغي أن لا ينظر العبد إلى صور الأشياء بل إلى حقائقها».

ويقول عضو هيئة كبار العلماء: ثم أكد سيدي ابن عطاء الله رحمه الله هذا المعنى بهذه الحكمة التي هي محل السؤال: «معصية أورثت ذلا وافتقارا خير من طاعة أورثت عزا واستكبارا» يقول الشارح الرندي رحمه الله: «ولا شك أن الذل والافتقار من أوصاف العبودية، فالتحقق بهما مقتض للوصول إلى حضرة الرب. والعز والاستكبار من أوصاف الربوبية فالتحقق بهما مقتض للخذلان وعدم القبول. قال أبو مدين –قدس الله سره- انكسار العاصي خير من صولة المطيع».

وخلص جمعة إلى التأكيد أن حكمة الإمام ابن عطاء الله السكندري رضي الله عنه موافقة لأصول الدين، ومقاصد الشرع الشريف، ودقائق السلوك القويم، فهي حكمة لا يتعارض معناها مع هذا كله، بل تعضده وتؤكده، وليس بها ثناء على المعصية وذم للطاعة من قريب أو بعيد، وإنما هي تنبه على مراقبة القلب، وتجنب الإعجاب بعد الطاعة، كما تنبه على الإخبات والتوبة بعد الوقوع في الذنب، نسأل الله السلامة من ذلك كله، والله تعالى أعلى وأعلم.

فيديو قد يعجبك: