إعلان

طارق أبوهشيمة لمصراوي: المؤشر العالمي للفتوى خطوة لتصحيح الخطاب الديني

09:00 ص الثلاثاء 06 نوفمبر 2018

حوار - سماح محمد:

طارق أبو هشيمة رئيس وحدة الدراسات الاستراتيجية بدار الإفتاء المصرية:

- "المؤشر العالمي للفتوى" سيُصبح مرجعًا إفتائيًّا ودليلًا إرشاديًّا لمعظم التخصصات

- داعش اعتمدت على ما يسمى "فقه الدم" في تنفيذ حادث المنيا

- "الولاء والبراء" قاعدة أساسية عند داعش لتبرير قتل المختلفين معهم عقديًّا

- نسبة نساء تنظيم داعش 13% من إجمالي المقاتلين الأجانب الملتحقين بالتنظيم مؤخرًا.

- داعش تستخدم "سلاح الفتوى" لإضفاء شرعية دينية تلزم النساء بالمشاركة في المعارك والجهاد

باعتبار الفتوى إحدى أهم آليات ومنتجات الخطاب الديني، وما تلعبه من دور مهم في صناعة وتحريك الكثير من الأحداث في كافة أرجاء العالم، أطلقت الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم المؤشر العالمي للفتوى (GFI) بإشراف من دار الإفتاء المصرية كإحدى المبادرات المهمة التي أطلقتها في مؤتمر الأمانة الرابع لكي يرصد ويحلل 700 ألف فتوى في 33 دولة عربية وأجنبية وتنظيمات إرهابية على مدار عام كامل؛ وذلك للوقوف على الداء العضال الذي أصاب الكثير من الفتاوى، وبخاصة فتاوى الجماعات المتطرفة التي يطوعها قادتها لتنفيذ أجنداتهم وأيديولوجياتهم.

ويعد المؤشر العالمي للفتوى خطوة عملية من خطوات دار الإفتاء المصرية لتصحيح الخطاب الديني، فقد دأبت دار الإفتاء وفضيلة مفتي الجمهورية الأستاذ الدكتور شوقي علام وفضيلة الدكتور إبراهيم نجم مستشار المفتى والأمين العام لدور وهيئات الإفتاء في العالم على اتخاذ الطريق العملي في علاج القضايا، ومحاولة تشخيص المرض وعلاجه في آن واحد.

للتعرف على المؤشر وما يقدمه من خدمة للعملية الإفتائية وتصحيح مسارها في العالم التقينا بالأستاذ طارق أبو هشيمة رئيس وحدة الدراسات الاستراتيجية بدار الإفتاء للحديث حول هذا الأمر، وكان الحوار التالي:

- بدايةً نود أن نلقي الضوء على أسباب التفكير في إصدار مثل هذا العمل؟

ما شهدته الساحة الإفتائية في الآونة الأخيرة من زخم بالفتاوى والمفتين، وصناعتها للكثير من الأحداث، أدى إلى التفكير في إصدار مثل هذا العمل الوليد؛ وذلك دأب الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء بالعالم وضرورة تقديم معالجات تفك الاشتباك بين جدلية الصراع بين الفتوى والأحداث والبيئات المحيطة بها، ليكون هذا المؤشر أهم وأحدث آليات التجديد في الفتوى ومنه تجديد الخطاب الديني الذي دعا إليه الرئيس السيسي مرارًا، وأرى أن هذا المؤشر سيكون أهم مرشد لصُناع القرار الإفتائي في إنتاج خطاب إفتائي رشيد.

ولكي نصل إلى ذلك كان لا بد من حصر الفتاوى من كافة أرجاء المعمورة والوقوف عليها وتحليلها وتحليل آليات إنتاجها، ومن ثم معالجتها المعالجة الشرعية السليمة، وقد رصد المؤشر التسلسل الزمني للفتوى خلال فترة التقرير، وتوصل إلى أن الفتاوى الموسمية لعبت الدور الأبرز في ارتفاع نسب الفتاوى في بعض الفترات، مثل أشهر رمضان وشوال وذي الحجة.

- ذكرتم مصطلح "صناعة الفتوى للأحداث" غير مرة، ما المقصود بذلك؟

بالفعل، هناك فتاوى تصنع أحداثًا وأحداث تصنع فتاوى، فنجد أن هناك أحداثا كانت سببًا في خروج العديد من الفتاوى مثل التعامل بالعملات الرقمية كالبتكوين أو ألعاب كالحوت الأزرق أو حتى مشاكل العشوائيات في الجانب الاجتماعي، ومطالبات المساواة في الإرث في بعض الدول، فيما أحدثت فتاوى أخرى جدلًا وصنعت أحداثًا أرهقت الأمة، ولا زالت، وأخذت من قوتها وعزيمتها، وصدّرت صورًا شائهة عنها، بل كانت في بعض الأحيان سببًا في سفك الدماء وانتهاك الأعراض وزعزعة الأوطان؛ مثل فتاوى التنظيمات الإرهابية التي تبيح كل هذه الموبقات.

- ماذا عن فتاوى الدم التي يعتمد عليها المتطرفون والتي كانت من نتائجها الحادث الإرهابي الأخير في المنيا قبل أيام .. كيف يراها المؤشر؟

لا شك أن الفتوى تُعد أهم سلاح للتنظيمات الإرهابية تُشهره في وجه المخالفين لهم، ليس في الرأي فقط بل في العقيدة أيضًا، فهؤلاء الناس المتطرفون يرون دائمًا أن الحل الوحيد لهذا المخالف هو القتل، مما يبرر قتلهم للمسلمين والمسيحيين على السواء.

وقد تعاملنا في المؤشر مع هذه الفتاوى حيث قمنا برصدها وتحليلها خاصة خلال هذا العام 2018، وهو ما أظهر أن 60% من الفتاوى الصادرة بحق إخوتنا المسيحيين على مستوى العالم صدرت من قبل جهات وشخصيات غير رسمية، وكان 95% من جملة هذه الفتاوى في أغلبها مضطربة نظرًا لأنها صدرت عن جهات لا تمتلك منهجًا علميًّا منضبطًا، وأن القائمين عليها غير مؤهلين ولا متسلحين بالعلم الشرعي.

وفيما يخص فتاوى تنظيم داعش الإرهابي فقد أكد المؤشر أن 30% من جملة فتاوى داعش صدرت بحق المسيحيين، وأن 100% من جملة أحكام هذه الفتاوى تحض على العنف ضد المسيحيين؛ حيث دأب التنظيم على إصدار الفتاوى المفخخة والتي تحض على قتالهم، كان من أبرزها فتوى اعتبارهم ليسوا أهل ذمة؛ وبالتالي يجب قتالهم وهدم كنائسهم وعدم ترميمها، وعدم توليهم مناصب داخل الدولة، وتكفير الحاكم الذي لا ينفذ هذه الأمور.

وللأسف تنظيم داعش الإرهابي استغل هذه الفتاوى المنحرفة والمتطرفة لتبرر الجريمة النكراء التي أعلن التنظيم مسئوليته عن ارتكابها مؤخرًا بالمنيا، ويبرز عقيدة هذا التنظيم الملوثة بدماء الأبرياء، وأن منظري التنظيم قد أسَّسوا لما يُسمى فقه الدماء، فأبو عبد الله المهاجر في كتابه "مسائل في فقه الجهاد" قال: "إن قطع الرءوس بوحشية أمر مقصود بل محبب إلى الله ورسوله".

- وهل قمتم بتفنيد هذه الفتاوى المنحرفة ضمن أعمال وتوصيات المؤشر؟

بكل تأكيد .. فالمؤشر لا يقتصر عمله على الرصد والتحليل فحسب، بل يقدم تفنيدًا وتوصيات يمكن الاعتماد عليها على أرض الواقع، وبخصوص تلك الفتاوى فقد فنَّد المؤشر القواعد الفقيهة التي يعتمد عليها المتشددون في إصدار فتاوى غير منضبطة ومفخخة، والتي كان من أبرزها قاعدة "الولاء والبراء" وهي القاعدة الأساسية في المنهجية التكفيرية، وقاعدة "تقسيم الناس إلى فسطاطين الحق والباطل" وهي القاعدة التي نهى بها البعض عن التعامل بأي شكل من الأشكال مع غير المسلمين.

وفي ذلك الإطار، أوصى المؤشر بتوسيع دائرة الانضباط الفقهي، وإنشاء نوافذ إعلامية بصورة أكبر للحديث عن الآيات القرآنية الخاصة بالجزية والتعامل مع غير المسلمين، وتبيان بعض الإشكاليات الفقهية التي تثير اللغط والمفاهيم الكلاسيكية الخاطئة مثل: المفهوم الصحيح للجهاد، وفكرة التعايش بين المجتمع المسلم وغيره، ومراعاة الحال والمآل في ضبط التعامل مع الآخر، فضلاً عن تنقية كتب التراث من مثل تلك الفتاوى والأحكام التي يتخذها البعض ذريعة لبعض الأفعال الإرهابية.

- لاحظنا مؤخرًا تنامي دور المرأة بشكل كبير داخل التنظيمات الإرهابية حتى أنها أصبحت تقوم بعمليات انتحارية بدعوى الجهاد مثلما حدث في تونس الأسبوع الماضي .. هل رصدتم ذلك؟

نعم .. فتنظيم داعش الإرهابي ومثيله من التنظيمات المتطرفة يعملون على توظيف الفتاوى في جذب واستغلال النساء في حوادث إرهابية، وبمتابعة ذلك وجدنا أن 60% من نسبة الفتاوى الخاصة بالمرأة داخل تنظيم داعش توجب مشاركتها في المعارك والقتال تحت اسم الجهاد، وهو ما يدل على ارتفاع وتيرة استغلال التنظيمات الإرهابية للعنصر النسائي في العمليات الانتحارية والتفجيرية، خاصة بعد تراجع الشباب والرجال في صفوف التنظيم، حيث بلغت نسبة نساء تنظيم داعش 13% من إجمالي المقاتلين الأجانب الملتحقين بالتنظيم مؤخرًا.

والمؤشر العالمي للفتوى بدار الإفتاء أكد على استغلال التنظيمات الإرهابية لـ"سلاح الفتوى" لإضفاء شرعية دينية تلزم النساء بالمشاركة في المعارك والجهاد، وذلك من خلال تفسيرات خاطئة لمفهوم الجهاد في الإسلام، حيث برهن المؤشر على ذلك بظهور المرأة في الإصدارات المرئية التي أصدرها "داعش" على مدار العام بنسبة 30%، بعد أن كانت تعمل في صمت خلف الكواليس، وكان أبرز تلك الإصدارات: "من الداخل 7"، و"غزوة الثأر للعفيفات" خلال عام 2018.

- ولكن ذلك لم يكن دأب هذه التنظيمات المتطرفة من قبل .. فماذا حدث لتتغير أفكارهم؟

صحيح .. فالتنظيمات الإرهابية تغير الأحكام الشرعية التي تستخدمها في فتاويها وفقًا لمصالحها وأهدافها، لا سيما تنظيم داعش، حيث جاءت 90% من فتاوى التنظيم لخدمة عملياته الإرهابية.

وشكَّل الحكم "واجب" 60% من فتاوى داعش حول مشاركة المرأة في الجهاد والمعارك خلال العام 2018، بعد أن كانت تتنوع بين "الوجوب والجواز والتحريم" خلال الأعوام السابقة.

ولعل من أسباب ذلك أيضًا تراجع المقاتلين وقلة أعدادهم في العام 2000؛ مما دعا التنظيم إلى إصدار فتاوى تبيح المشاركة بعد أن قرر بعض الأزواج حث نسائهم على القيام بأعمال انتحارية، ولقد أجاز زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي في 2015م للمرأة - من خلال فتوى - تدريب النساء للمشاركة مع أزواجهن في المعارك في حال نقص أعداد المقاتلين، ومع التحاق أعداد جدد من المقاتلين للتنظيم في العام 2016 تراجعت الأحكام من الجواز والإلزام إلى كراهية المشاركة.

وبدءًا من العام 2017 بدأت تعود فتاوى وجوب مشاركة المرأة من جديد مع تراجع المنتمين للتنظيم وزيادة أعداد القتلى في صفوف التنظيم؛ إثر الضربات التي لاحقته، واستشهد التنظيم في هذا الصدد بنساء في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وفي أكتوبر من العام ذاته أصبح قتال النساء "واجبًا وليس اختياريًّا".

وتأكيدًا على تطويع وتحول الفتاوى لخدمة التنظيم وأهدافه؛ نشرت وكالة أعماق التابعة لداعش أوائل 2018 شريط فيديو أظهر بالفعل نساء يتدربن على حمل السلاح وإطلاق النيران.

- وكيف يقنع داعش النساء بالمشاركة في هذه الأعمال الانتحارية مع أنه من المفترض أن المرأة كائن رقيق تنفر من منظر الدماء؟

النساء داخل هذه التنظيمات يتعرض لغسيل مخ داخل معسكرات التدريب لتجهيزهن للعمليات الانتحارية، ولقد فند "المؤشر العالمي للفتوى" الطرق التي تستغلها التنظيمات الإرهابية في تجنيد النساء، بين استغلال العنصر الديني من خلال إقناعهن بأن الضغط على زر التفجير هو السبيل لجنة الخلد، واستغلال مجموعة من الألفاظ المؤثرة داخل الفتوى كـ"عفيفات – أميرات الجنة – ملكة متوجة – عرائس الجهاد"، فضلًا عن استغلال حالة اليأس والوصول إلى مرحلة الانتقام التي وصلت إليها زوجات بعض القتلى من داخل التنظيم.

- إلى هنا.. نود إلقاء الضوء على أبرز النتائج الخاصة بالمفتين باعتبارهم الموقعين عن رب العالمين

خرج المؤشر بمجموعة من النتائج والتوصيات التي تعين المفتي على ضبط فتواه، بجانب إظهار مناطق القوة والضعف لتكون هادية ومرشدة للعاملين بالحقل الإفتائي، بهدف الوقوف على المناطق الرخوة في العملية الإفتائية لتقويتها، وتدعيمها، ومنها على سبيل المثال، أن "الساحة الإفتائية الدولية" تفتقد إلى وجود مجلس عام تندرج تحته المؤسسات والهيئات الإفتائية الدولية لأجل توحيد الخطاب الإفتائي، ما يشكل خطورة هناك، خاصة من ظاهرة الإسلاموفوبيا.

- وكيف يمكن الاستفادة بنتائج المؤشر في عملية تجديد الخطاب الإفتائي؟

عن طريق تفكيك الخطاب الإفتائي والوقوف على نقاط القوة والضعف، وذلك بهدف المساهمة في تجديد الفتوى، من خلال الوصول إلى مجموعة من الآليات الضابطة للعملية الإفتائية، وقد راعينا في ذلك البعد الزمني والجغرافي للفتاوى، حرصًا منا على الالتزام بالمعايير العلمية المنضبطة.

كما أن أحد أهم أهداف المؤشر هو المساهمة في إنتاج خطاب إفتائي رشيد، بعيد عن الفوضى والعشوائية، كأحد الآليات المهمة والمرشدة لكافة المتخصصين وصُناع القرار الإفتائي.

- إلى أي مدى يستطيع صانع القرار الإفتائي الاستفادة من نتائج وتوصيات المؤشر؟

اهتم المؤشر برصد وتحليل العديد من الموضوعات التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بصناعة الفتوى وتقويم المشهد الافتائي، عن طريق تقديم مؤشرات خاصة بقضايا وأحداث تفاعلت معها الفتاوى والآراء الشرعية، بهدف تقديم رؤية متكاملة لأصحاب القرار والمؤسسات الإفتائية المعنية لتكون على بيِّنةٍ بما يدور في كل قضية على حدة، ومكان وزمان إثارتها، وكيفية علاجها، ومن ثم مساعدة متخذي القرار في التدخل لإصلاح سلبيات الوعي الديني للمواطنين، وتدعيم الإيجابيات، فضلاً عن مساعدة القائمين على الخطاب الديني في تعديله وإعادة صياغته بما يحقق الوعي الديني الحقيقي.

- كيف ساهمت جهود الهيئات الإفتائية الرسمية في ضبط انفلات الفتوى وعشوائية الخطاب الديني؟

ساهمت جهود الهيئات الإفتائية الرسمية في العديد من الدول في تفنيد الفتاوى غير المنضبطة والتي تؤجج وتُصدر خطابًا مسمومًا، بشكل كبير في ضبط انفلات الفتوى وعشوائية الخطاب الديني وتوحيد مرجعيات الفتوى، ومن ثم انضباط المشهد العام بصفة عامة ومصر على وجه الخصوص، بينما كان إنزال الحكم الشرعي على التساؤلات والقضايا بشكل غير صحيح أحد أهم الأسباب وراء إصدار عدد من الفتاوى المضطربة، هذا فضلًا عن تَصَدُّر البعض للإفتاء بدون علم والاستدلال بأحد الأدلة الشرعية والتغافل عن الأدلة الأخرى، ومخالفة الإجماع والسنة.

فيديو قد يعجبك: