إعلان

روحه لم تُغادر متحف الحضارة.. قصة بيشوي نادي ضحية كنيسة طنطا

06:57 م الجمعة 14 أبريل 2017

بيشوي نادي ضحية ماجرجس طنطا

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت - شروق غنيم:
طيلة 4 سنوات جمعتهم طاولة واحدة في غرفة عملهم بالمتحف القومي للحضارة المصرية، تضافرت حياتهم سويًا، وأيام قضوها صارت في عداد الذكريات. البداية كانت مارس 2013، حين تعرفوا أول مرة عليه، واليوم جلسوا حول الطاولة نفسها لكن بدونه، إذ أن صديقهم بيشوي نادي، صعد إلى بارئه جراء تفجير إرهابي في كنيسة مارجرجس بطنطا الأحد الماضي.

حوالي 10 فتيات من تخصصات مختلفة بالمتحف، جلسن للحكي عن بيشوي؛ الكلمات تكاد تتشابه عن ابتسامته التي لا تفارقه، طيب صِفاته، حبه للحياة، الإخلاص للعمل، وعشقه لوالدته. سيرة تليق بشهيد كما تقول إحداهن "من الناس المنوّرة اللي الكل يعرفه". تتذكر نورهان عادل، أخصائي فيزياء، آخر يوم قضاه برفقتهم، الخميس قبل سفره إلى طنطا "يعيّد مع عيلته هناك".

1

درس بيشوي (28 عامًا) الكيمياء في كلية العلوم جامعة طنطا، بعد التخرج جاء به طموحه إلى القاهرة ليسكن رفقة شقيقته الكُبرى، وكل يوم أسبوعيًا يسافر إلى طنطا لقضائه مع والدته، التي لا يناديها سوى بـ"حبيبتي". كان يتوق الشاب لافتتاح المتحف وأن يتخذ مكانه كـكيميائي بالمعمل، دون تململ راح يمنح زملائه الأمل "رغم إحباطنا".

"في أحد بعيد حمل المسيح إكليل الشوك مغدورًا، ليكون أسبوع الآلام في قلب مريم والحواريين، في أحد قريب حمل بيشوي إكليل السعف مغدورًا، لتكون سنوات الآلام في قلب أم بيشوي والمحبين"، تُرثي مروة حافظ، بيشوي بتلك الكلمات.

2

الخميس كان آخر يوم لبيشوي بالمتحف، قبل السفر اتخذ مقعده على الطاولة، يحكي عن "لبس العيد" الذي اشتراه قبل مغادرته القاهرة، وكيف حصل على إجازة لمدة أسبوع من المتحف، وعمله الآخر بعد الضهر في شركة أدوية، تمازحه نورهان عن عمليه "شكلك هتبقى غني يا بيشوي"، ليرد الأخير: "ما أنا فعلًا غني".

تلتقط إيمان، أخصائي الترميم بالمتحف الحديث "وفعلًا بقى غني"، تمر على ذاكرتها مواقف عدة جمعتهما "حياة كاملة"، قبل أن تسرد كيف "جبر" بيشوي بخاطرها، حينما بحثت عن شخص يُجالس ابن شقيقتها الذي يعاني من مرض التوحد. "بيشوي بادر على طول بالمساعدة، وفعلًا راح كذا مرة قعد ولعب معاه".

3

حكايات قد تبدو عادية، لكن تأثيرها كبير في حياة زملاء بيشوي؛ لا يتخيلون خلو المتحف منه، أصوات ضحكاته بينما يلعب مع أطفالهن، التقاط مئات الصور في النُزه، الاحتفال بالمناسبات المختلفة، الكريسماس، الميلاد، ورمضان، إعداد حلوى العيد والفانوس، عودته من طنطا مُحملًا بـ"المشبك"، تفاصيل لا تغادر وجدانهم، ولا يصدقون رحيلها.

يوم الأحد الماضي، بدأ عاديًا، كل في مكان عمله بالمتحف، إلا أن عرفوا عن تفجير في طنطا، فبدأوا في مهاتفة بيشوي لكن دون رد منه، بينهما أشرف فودة، مصور فوتوغرافي بالمتحف، وفي سيل المكالمات "أداني مشغول فاطمنت شوية"، إلى أن آلمهم ما حدث.

4

في الصلاة، تواجد بيشوي وحده بكنيسة مارجرجس، لم ينتظر أحد من أقاربه، إذ كان مُسرعًا للتواجد بالصفوف الأولى، وبعد أن وقف بالصف الثالث طلب من أحدهم التقدم للأول، وفي تمام التاسعة أنهيت حياة صاحب الـ28 عامًا، لكن بقيت سيرة طويلة مع كل من تعامل معه.

الاثنين؛ كان قرابة 36 فردًا من العاملين بالمتحف في طنطا، منهم مديره، ووزير الآثار. لم يتمكنوا من إلقاء النظرة الأخيرة على رفيقهم، بعد أن دُفن بالكنيسة وسط كثافة أمنية حالت دون ذلك، لأول مرة يروا والدته "عرفناها لوحدنا من حكاياته عنها"، الأم مكلومة لكنها تحاول التماسك مع التمتمة بـ"ربنا يعزينا يا ولدي".

5

عندما كانت تسمع والدة بيشوي عن تفجيرات في القاهرة، تتصل بفزع للاطمئنان عن ابنها، حتى وإن لم تقترب للكنائس، أما التي طالتها فكان يعتري بيشوي حزن شديد، يدعي لأهالي الضحايا بالصبر، ومن فترة أخبر جميلة عن هاجس "كل عيد يحصل حاجة"، وقبل أن يُنهي الجملة رد على نفسه "يعني هيحصل إيه؟ هموت؟ طيب ما أموت".

"ليتك تباركني وتوسّع تخومي وتكون يدك معي، وتحفظني من الشر حتى لا يُتعبني"، آخر ما كتب بيشوي على صفحته بـ"فيسبوك"، تتذكر نانسي حسني، وزميلتها منار، أخصائيتان التراث الشعبي بالمتحف، كلماته حتى أنهم "نقدر نتخيل الكلام اللي هيقوله لو شايفنا وإحنا في العزا أو بنتكلم عنه دلوقتي".

6

لم تطأ أقدام منار ونانسي، الغرفة التي كان يجلس بها بيشوي منذ الحادث "مش هنقدر نروحها من غير وجوده"، فيما يصفه صديقه أحمد بأنه "نادي كيميائي بالمتحف القومي للحضارة المصرية"، فيما يُجمع كل أصدقاه بأنه "ياريت يا بشوي كان في منك كذا نسخة، كانت الحياة اختلفت".

تقدم زملاء بيشوي بطلب إلى إدارة المتحف، لإطلاق اسم بيشوي نادي على معمل الكيمياء "عشان يفضل دايمًا في المكان"، فيما خصص له مدير المتحف معاشًا استئنائيًا. "في أحد قريب استقبل المسيح بيشوي، في أحد قريب كان قداس بيشوي في السماء"، تستأنف مروة مرثيتها.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان