إعلان

بالصور: محمد الهلباوي.. أنشد فترك الغرب بلا هوية

02:46 م الثلاثاء 14 يوليه 2015

الشيخ محمد الهلباوي

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب- أحمد الليثي:

وقفت مديرة الكونسرفتوار بباريس تضرب كفا بكف، تنتظر ذلك الشيخ المعمم بعدما أنهى ابتهاله وسط ذهول الفرنسيين، تقدمت نحوه بسرعة، فكان السؤال: كيف تنتقل بين المقامات الموسيقية بصوتك دون آلة مصاحبة، فرد بتلقائية: وكيف تقبلتم هذا اللون من الإنشاد رغم أنكم لا تعلمون العربية، سكتت السيدة الفرنسية للحظة ونظرت قبله وهي تقر: "لقد أخذتنا إلى عالم ندرك معناه ولا ندرك مداه.. وعندما أنهيت عملك تركتنا على الأرض بلا هوية"، فهطلت دموع الشيخ دون استئذان.. هكذا كان الشيخ محمد الهلباوي يخطف العقول، يجوب الأرض شرقا وغربا، يُعلم هناك طلاب، ويُكون هنالك صداقات من معجبين لا حصر لهم، ويحصد جوائز تعترف بأنه أحد أهم الأصوات التي أنشدت، فأبدعت، فلانت لها القلوب.

بين حي باب الشعرية حيث المولد في فبراير 1946، وقريته ميت كنانة بمحافظة القليوبية كان الطفل صاحب الأربعة أعوام يتنقل، يحفظ القرآن على يد جده الذي يحمل الاسم ذاته، في الخامسة فُتن الصغير بالشيخ منصور الشامي الدمنهوري، صاحب الصوت العريض الممتلئ بالشجن، أحب عن طريقه التلاوة، وكذا ارتبط بصوت القارئ محمود محمد رمضان فتتلمذ على يده، وصار متيما بكل صوت جميل، يتابع عبد الفتاح الشعشاعي، أستاذ الدراما في القرآن -كما وصفه عمار الشريعي- وينصت لأم كلثوم وعبد الوهاب، يعشق إيقاعات فريد الأطرش، قبل أن يتأثر بالموسيقى الصوفية ويركز على أصول الموسيقى في كل الحضارات.

 

1

لأن الاجتهاد كان سمته، ساقه قدره ليجلس بين يدي الدكتور سليمان جميل –تلميذ درويش الحريري الملقب بأستاذ الأساتذة، المؤرخ الموسيقي المهتم بالفلكلور والآلات الشعبية "هو كان بيسفر المشايخ كل الدنيا.. وكانت أول سفرية له في باريس سنة 88" يحكي علي الهلباوي عن تفاصيل الرحلة الأولى لوالده، شق الشيخ محمد طريقه خارج القطر بصحبة فريق المنشدين التابع لمسجد الحامدية الشاذلية، وتوالت الأسفار حتى أضحى علما تنتظره المهرجانات والمحافل.

 

كان محمد الهلباوي واحدا من مؤسسي البناء لمسجد الحامدية الشاذلية، قبل أن يصبح مقيما للشعائر بالمكان، يؤذن للصلوات، ويؤم المصلين، في العاشرة من صباح كل يوم يتوجه صوب المسجد من منزله الكائن بحي الوايلي ولا يعوده إلى عقب صلاة العشاء، بينما كانت العاشرة من صباح كل اثنين –إجازة الهلباوي الأسبوعية- موعدا مع استيقاظ الأبناء على صوت والدهم الشجي وهو يتلو آيات الذكر الحكيم "تخيل لما تقوم من النوم على صوت ميتكررش"، يقول علي.

 

كان الهلباوي، دقيقا، قليل الكلام، يعرف للحرف موضعه، يعشق التفاصيل، يقوم بكل أعماله بنفسه، يهتم بمظهره، يرتدي العمامة في ساعة كاملة، يوميا يجلس على مكتبه الصغير ليدون مذكراته باللفتة، حتى الشخصية منها، وفي إحدى المرات استوقفته بعض حروف القرآن، فصنع كتيب صغير عن مخارج الألفاظ في كتاب الله وكان يوزعه هدية للمصلين، كان المنشد الكبير صاحب خط مميز، يمتلك عدة خاصة بالكتابة، يخط بيده اللافتات الخاصة بالمسجد، ويزين فصول أبنائه بآيات من القرآن وأبيات الشعر. 

 

 

بعد رحيل أستاذه سليمان جميل، كانت الوجهة صوب الأراضي المحرمة، 6 سنوات كاملة قضاها في السعودية، قبل أن يلتقي بالدكتور أحمد المغربي، سكرتير المستشار الثقافي المصري بباريس، كان الرجل مولعا بالموسيقى ويلعب الطبول، وكان التحضير لرحلات عدة بدأها الهلباوي بإيطاليا وألمانيا وفرنسا.

 

2

 

داخل المركز الثقافي المصري بروما كان الشيخ يستعد في الكواليس للصعود على مسرح يسع 300 شخص "المكان عبارة عن مركز كبير في متحف وسينما"، كانت عادة الشيخ أن يقف وحوله بطانته يرددون وبينهم علي، غير أن الشيخ وضع كرسيا وسط المسرح، وما أن بدأ في تلاوة القرآن اعتدل الحضور، وبعدما بدأ في الإنشاد صار نحو 10000 شخص زوار المركز الثقافي يتابعون الشيخ المصري عبر شاشات بروجيكتور، بعيون مندهشة وحناجر تصرخ من الانبهار.

 

 

في ثانوية الشيخ إبراهيم الشعشاعي قرأ الهلباوي ما تيسر من سورة هود، فحاز إعجاب الجميع "كانت دي أحب مرة لقلبه يتلو فيها"، كانت للشيخ مدرسة في التلاوة، يقول عنها "التصوير النغمي للكلمة.. قرآنية، شعر، زجل، توشيحا أو ابتهالا"، موضحا أن جمال المقرئ والمنشد في إيصال المعنى سليما وليس حلاوة الصوت وفقط "النغم لابد أن يكون في خدمة النص.. السمع من حظ السامع وليس القوال".

 

فقد الشيخ الهلباوي والده ووالدته في حياته ولم يعرف وجهه الحزن قط، فيما كان رحيل رفيق عمره الشيخ محمد عمران مزلزلًا لكيانه، أسبوع كامل لا يخرج من غرفته "كانوا مبيسيبوش بعض.. أكتر من أخوات" يقول علي.

 

 

"شيخ المثقفين وهرم المبتهلين" ألقاب أطلقها رفقاء الشيخ عليه، كونه مهتما بكافة أصول الموسيقى ومطلع على كل جديد في دنيا الإنشاد، يقول في حواره مع عمار الشريعي "تعلمت.. وأنا عندي 60 سنة ولا زلت أتعلم"، "يسمع موسيقى تركية من الثمانينيات"، يتابع الفن الشعبي، يسمع لكارم محمود وبدرية السيد والشيخ أمين الاسكندراني، متيم بالأصوات الشامية "صبري مدلل وصباح فخري ومحمد خيري"، قارئ نهم، باحث، منفتح إلى أبعد الحدود، كل آلة حديثة يشتريها، مولع بالأجهزة الصوتية بشكل خاص من الجرامافون حتى أكثر الأجهزة تطورا "كل بلد يسافرها يجيب منها آلة شكل.. وكل تجار شارع الأزهر يعرفه بالاسم عشان زبونهم"، عصري؛ كان له حساب على فيس بوك يتابع من خلاله أفكار الأجيال المتتابعة. 

 

3

 

في 15 يونيو 2013، رحل أخر عنقود المبدعين وهرم المنشدين، غير أنه ترك أثرا باقيا، علي الهلباوي ولده الأصغر، حمل عنه حلاوة الصوت وقوته، يشدو في بداية معظم حفلاته مأثورة والده "قل لمن يفهم عني"، "كان بيقول لازم تبقى صف أول.. تعمل خط ومتقلدش حد" وصية اتخذها "علي" فسار على هديها.

 

تابع باقى موضوعات الملف:

بالفيديو والصور- مصراوي يروي قصة محمد عمران.. سلطان "القوالة" من مصر القديمة إلى فلسطين

2015_7_13_20_8_57_870

"جدر" الشيخ طه الفشني.. "يمد لسابع أرض" (فيديو وصور)

2015_7_14_17_32_38_158

بالصور.. مصراوي مع أسرة "طوبار".. حكايات شيخ المبتهلين باقية (حوار)

2015_7_13_16_32_54_340

ابن "النقشنبدي": السادات كان يلف خلفه الموالد.. وفرقة أم كلثوم انتظرته على باب المسجد (حوار)

2015_7_14_17_3_1_813

بالصور.. مصراوي داخل منزل الشيخ "طوبار".. وجاره القبطي: كان أبويا

2015_7_12_23_20_38_620

بالفيديو: محمود محمد رمضان.. سفير القرآن في دنيا المُنشدين

2015_7_14_16_26_46_889

مُريد على الطريقة الحديثة.. رحلة شاب في حب الشيخ عمران

2015_7_14_18_59_4_616

بالصور: "طوبار" في "الخازندار".. أيامه الأولى والأخيرة في دنيا الابتهال

2015_7_13_17_52_18_798

محمد ثروت: النقشبندي "بافاروتي" مصر

2015_7_14_15_6_0_730

فيديو قد يعجبك: