إعلان

بالفيديو: محمود محمد رمضان.. سفير القرآن في دنيا المُنشدين

04:31 م الثلاثاء 14 يوليو 2015

الشيخ محمود محمد رمضان

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب- أحمد الليثي ودعاء الفولي:

يُحكى أنه في عزاء الشيخ محمود خليل الحصري، مع نهاية كل آية يطلق سيد مكاوي آهة ثم يتحرك من مكانه متجها صوب المقرئ فتتعثر قدماه ويعاود الجلوس ثانية، فيما لا يقاوم تلك القشعريرة التي انتابته جراء سماع آية جديدة فيحاول الركض مرة أخرة قِبل المقرئ؛ كي يشكره على حلاوة صوته، غير عابئ بمظهره أمام الآخرين. كان المقرئ هو الشيخ محمود محمد رمضان، يخطف ألباب السمّيعة، يُبهج أذن من يفهمون في الموسيقى، يجلس أسفل قدمه المئات، يحثونه على قول المزيد، بلهجة صريحة يقولون "إحنا قاعدين معاك للصبح يا شيخ".

main--0

في إحدى ليالي شتاء 1927 بين جنبات شارع باب البحر بحي باب الشعرية كان الحاج محمد رمضان تاجر الأقمشة الشهير يستقبل ولده محمود، اعتنى به، وألحقه بكتّاب فختم القرآن وهو في العاشرة، أثنى الجميع على صوته "التقطه أحمد صبرة - الملحن الشهير وحما إسماعيل شبانة الشقيق الأكبر لعبد الحليم حافظ، وعلمه المقامات الموسيقية"، يقول أحمد الابن الأصغر للشيخ. فهام الطالب حبا في الأنغام وأضحى صاحب مدرسة قراءة مختلفة. 

حين صدر قرار ملكي بتحويل مدرسة التجارة إلى كلية التجارة لتتبع جامعة القاهرة، اُقيم حفلا لتلك المناسبة، كانت سن رمضان تسع سنوات، وقف أمام مرآة منزله الصغير بباب الشعرية استعدادا للذهاب إلى حي السيدة زينب حيث مقر الكلية الجديد – معهد التعاون حاليا- ليتلو بصوته المميز آيات من الذكر الحكيم في افتتاح المقر، بادئا التلاوة بعد ديباجة من مدير المدرسة جاء فيها عبارة "مع القارئ الطفل المعجزة/ محمود محمد رمضان".

كان الشيخ علي محمود ذائع الصيت، يتنقل بصوته بين الآيات فينتزع الآهات، تأثر به رمضان، عرف أنه يقرأ من مقام يسمى الكرد - وهو مشهور في دول تركيا والعراق وإيران، قلما ما يتلو به أحد، تعلم ألا يقلد صوتا "كان دايما بيقول مينفعش القارئ يتأثر بأقرانه.. لازم كل شخص يكون له مدرسته". 

في الذكرى الأولى لرحيل عبد الحليم حافظ كان الشيخان محمود رمضان ومحمد عمران القائمين على القراءة، وقتها تواجد جميع الملحنين من العالم العربي في المكان، فجأة اقترب إسماعيل شبانة من أذن الشيخ رمضان وقال له "الأستاذ عبد الوهاب مبسوط منك أوي.. وبيقولك عيد الآيتين دول تاني زي ما قلتهم".. لحظات واقترب محمود غراب وهو أحد "السميعة" المشهورين، ليهمس للمقرئ "الأستاذ كمال الطويل قاعد مش على بعضه وبمجرد ما خلصت اتنطر من مكانه".

في جلسة ببيت الشيخ رمضان، أراد أصدقاؤه أن يسمعوا صوته في الابتهالات، رفض مرارا، قبل أن يخضع لطلبهم في النهاية على أن يرددوا معه، كانت الجلسة تضم الشيخ محمود أبو السعود والشيخ محمود حافظ ومجموعة من قراء الإسكندرية. "يا أيها المختار من خير الورى خُلُقا وخلقا في الجمال توحدا"، يقول الجمع، يتبعهم الشيخ، يعلو صوته متهدجًا بالقصيدة "ماذا أقول لمدحه.."، فيما يتابعه الباقون بكلمة "الله"، أو "يا سيدي"، بينما ينفعل أحدهم لجمال الصوت قائلا "اللهم صلِ عليك يا نبي". كان ذلك الابتهال هو الأول والأخير الذي تغنّى به الشيخ رمضان، فرغم أن فضله كان كبيرا على كبار المبتهلين إلا أنه استمر كمقرئ فقط، لإيمانه التام بالتخصص.

كان المبتهل محمد الهلباوي يقطن بحي باب الشعرية، قبل أن تجمعه صلة بالشيخ رمضان فبات رفيقه يتعلم منه أصول التلاوة، يحكي الهلباوي "كنا طالعين بنسمع الشيخ رفعت والشيخ مصطفى إسماعيل فجأة سمعنا صوتا من منطقة جديدة وبدأنا في الإمساك بتلابيب الشيخ رمضان". 

بعد الهلباوي، كان الشيخ عمران التلميذ الثاني في مدرسة رمضان، الأستاذ الذي أدخل مقاما جديدا حمل اسم "أثر كرد"، فكان ثلاثتهم يتميز بالإحساس العالي والخيال لتوصيل المعنى، وهو ما يسمى بالتصوير القرآني، كان للشيخ رمضان أسلوبه الخاص في تقطيع الآيات، ففي صورة طه مثلا، يقرأ الحوار الدائر بين الله وسيدنا موسى بشكل قصصي، لا يتسرع في السرد، ولا يخل بقواعد الوقف والوصل، يحكي الحوار فيتخيله السامع، أو يقرر أن يقرأ 3 آيات فقط من سورة بعينها، ليعبر بها عن موضوع معين، أو يتعمد عدم البدء من أول الربع كما فعل بسورة الشعراء، حينما بدأ إحدى تلاواته بآية "إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين"، إذ كانت الآية الأخيرة في الربع الأول من السورة، لكنه استهل بها قراءته ليبشر المنصتين.

شهرة الشيخ كانت واسعة بين القراء "بيتعمل له ألف حساب لو في ليلة واللي موجودين عارفين إن الشيخ رمضان هييجي بيتأكدوا إنها ليلة تقيلة"، أما مع السمّيعة فكان ودودا، حين يلحظه الناس في طريق الصلاة يتكلمون معه ويرافقونه للمسجد، محبوب بين العوام، يوقفه الناس كل خطوتين، لكنه لا يتأفف، أبناء الجيران يتقافزون على حجره، أسماه الصبية في المنطقة "بابا الشيخ" لعظيم حنانه، صاحب دم خفيف "لما يحكي عن حد يكلمك بلهجته، يعرف يقلد لكنات الفلاحين والصعايدة وكأنه بينقل حوار حقيقي مش كلام جامد"، يصالح المتخاصمين، يخشوه رغم طيبة قلبه، صاحب هيبة، سخي دون حساب "مات مكنش فيه ثروة.. بس عرفنا قيمة الخير بتاعة بعد رحيله"، قال أحمد.

DSC08134

صوان كبير يساع الكثيرين، أمام قصر عابدين يُنصب طوال شهر رمضان، يأتي إليه الشيوخ ليقرأوا فيه، ومنهم الشيخ محمود، كان ذلك المكان الأقرب لقلبه، فبينما اختار بعض أقرانه السفر للخارج خلال الشهر الكريم قرر هو البقاء، على أن يُحيى الليالي من تلك المساحة المتسعة التي يحضر فيها آلاف المستمعين، ويتم توزيع المشروبات، وتنقل إذاعة القرءان الكريم التلاوة من التاسعة والربع مساءً وحتى العاشرة.

في عزاء الشيخ مصطفى إسماعيل، كان ميدان التحرير لا يحتمل مكانا لقدم، وبينما يجلس كمال النجمي الناقد الفني الشهير – والمقرب من المشايخ والمنشدين- يتحسر على 38 باكية كاملة – سعة المآتم - وهو يقول "مفيش صوت يملى الصوان ده غير مصطفى إسماعيل.. الله يرحمك يا شيخنا"، اقترب منه عاطف مصطفى إسماعيل -ابن القارئ الراحل- وهو يقول "هطلعلك واحد يقدر يملى الفراغ ده"، وبهزة رأس استنكر النجمي الأمر، وكان مخصصا لكل قارئ 10 دقائق فقط، وما أن اعتلى "رمضان" مكان التلاوة حتى أقر الناقد الفني "ده أول واحد يقول جملة موسيقية سليمة".

دخل صاحب مقام الكرد الإذاعة متأخرا في عام 1972، فيما كان رفقاء جيله قد انضموا للمبنى العريق في منتصف الخمسينيات، فيما كان انبهار لجنة التقييم مثارا للحكي، فقد كان ضمن أعضاء اللجنة 2 موسيقيين، فبعدما أنهى التلاوة صاح فيه أحد الموسيقيين متسائلا "أنت قولت أيه؟"، فرد بتلقائية شارحا للمقامات، فعقب الموسيقي "أنت عملت حاجة موسيقيا متركبش.. لكنك لم تؤذ الأذن.. ده شئ مبهر".. فيما يؤكد تسجيل نادر على أن الشيخ رمضان لا يأبه بالمسميات، حين كان صوته يشدو في حفل افتتاح معهد الموسيقى العربية برمسيس في عام 1968 أي قبل دخوله الإذاعة بأربعة أعوام كاملة.

لم يكن الشيخ يهوى السفر، إلا مرتين لحج بيت الله، صدح في إحداها في مسجد نمرة، فيما كانت قراءاته تلف العالم، فمع كل سفرية لقارئ يعود منها إلى بيت الشيخ، ساردا كيف استقبلته قاعة كبار الزوار بمطار طهران بآيات من صوت الشيخ رمضان، وآخر عن أسواق الهند التي تتحلى بصوت الشيخ، وثالث يحكي عن نقاد من العراق يتغزلون في حنجرة الرجل وتنقله بين الآيات بسلاسة.

في صباح الأربعاء 27 مايو 1981، أيقظ أبنائه وأجلسهم حوله وهو يقول "أنا هموت وأنا مطمن"، قالها بكامل صحته، حتى أن الإسعاف اكتفت بإعطائه دواء وفي المساء قال الطبيب "اشتباه في ذبحة صدرية" اختتم ليلته بجلسة مع الشيوخ المقربين منه، تلاميذ ورفقاء درب. أدوا جميعا صلاة الفجر في المسجد، أسند بعدها كفه على وجهه ودخل في نوم عميق، نصف ساعة كانت سبيله للانتقال إلى جوار ربه وسط حزن عميق على صوت لن يتكرر ومدرسة فريدة يُتباهى بها في أقطار عدة.

تابع باقى موضوعات الملف:

بالفيديو والصور- مصراوي يروي قصة محمد عمران.. سلطان "القوالة" من مصر القديمة إلى فلسطين

2015_7_13_20_8_57_870

"جدر" الشيخ طه الفشني.. "يمد لسابع أرض" (فيديو وصور)

2015_7_14_17_32_38_158

بالصور.. مصراوي مع أسرة "طوبار".. حكايات شيخ المبتهلين باقية (حوار)

2015_7_13_16_32_54_340

ابن "النقشنبدي": السادات كان يلف خلفه الموالد.. وفرقة أم كلثوم انتظرته على باب المسجد (حوار)

2015_7_14_17_3_1_813

بالصور: محمد الهلباوي.. أنشد فترك الغرب بلا هوية

2015_7_14_14_46_5_359

بالصور.. مصراوي داخل منزل الشيخ "طوبار".. وجاره القبطي: كان أبويا

2015_7_12_23_20_38_620

مُريد على الطريقة الحديثة.. رحلة شاب في حب الشيخ عمران

2015_7_14_18_59_4_616

بالصور: "طوبار" في "الخازندار".. أيامه الأولى والأخيرة في دنيا الابتهال

2015_7_13_17_52_18_798

محمد ثروت: النقشبندي "بافاروتي" مصر

2015_7_14_15_6_0_730

فيديو قد يعجبك: