إعلان

''الرجل الطائر''... أن تحب نفسك أولًا

05:58 م السبت 21 فبراير 2015

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-رنا الجميعي:

صنع المخرج ''أليخاندرو جونزاليس'' فيلمًا يُمكن لعيني المشاهد أن يراه من اتجاهات عدة، ''الرجل الطائر'' هو اسم الفيلم، لذا يُمكن أن تفهم أنها سيرة بطل خارق آخر تتحدث عنه السنيما، هناك رجل يرتدي زيا بريش طائر أزرق يضع قناعا ويتحدث بصوت أجش، هناك بعض مشاهد العنف والطائرات، لكنه مع ذلك لم يكن فيلما يتحدث عن البطولة الخارقة، بل إنه فيلما يحكي محاولة الابتعاد عنهم، والسخرية منهم أيضًا.

في الطريق لمحاولة الابتعاد هذه والسخرية من سيرة الأبطال الخارقين، بل من هوليوود نفسها، كان على ''ريجان''، الذي يلعب دوره ''مايكل كيتون''، أن يسعى جاهدًا للتخلص من سيرة الرجل الطائر التي تلاحقه، ''ريجان'' الممثل الكهل الذي لعب دور البطل الخارق في أوائل التسعينيات ثم لا شيء، لم يفعل شيئًا مستحقًا بعدها، لذا حينما يراه الناس بالشارع يذكرونه به لا بأي فيلم آخر قام به، الرجل الطائر يظل موجودًا بالفيلم يُحاول منعه من القيام بالمسرحية التي يُعطيها من روحه الحقيقية، فهو أعاد كتابة مسرحية ''ما الذي نتحدث عنه حينما نتحدث عن الحب'' للكاتب الأمريكي ''ريموند كارفر''، وساهم في تمويل المسرحية كما مثلها وأخرجها، تلك الروح التي أراد من خلالها إثبات أن هذا الممثل قادر على صناعة دور جديد يحتفي به الجمهور والنقاد يُنسوهم ذلك الرجل الطائر.

الشرنقة التي أحاطت ب''ريجان'' كانت عصية جدًا، يراه المشاهدون في محادثة من وقت لآخر مع الرجل الطائر، مجاورًا إياه أحيانًا بالشارع، يحثه على العودة لشهرته القديمة وألا يفني جهده في القيام بشيء لا يستحق، لكن ريجان بالنهاية استطاع اختراق تلك الشرنقة للخارج، ليضج المسرح بعد أدائه بافتتاحية المسرحية على برودواي، واطلاق النار على أنفه كرمز عن التخلص النهائي من الرجل الطائر.

تتماس حافة الواقع والخيال، لأن الممثل ''مايكل كيتون'' قام بدور باتمان لجزأين بالفعل، ومن بعدها لم يلعب أي دور مميز، لذا أصبح الفيلم واقعًا، كأنه يحكي سيرة ذاتية نصفها ''فيلم'' نصفها الآخر ''واقع، حيث يترشح ''كيتون'' عن دوره للأوسكار كأفضل ممثل، ويُحول الفيلم ''الخيال'' مسار الواقع.

بين تسارع دقات الدرامز والموسيقى الكلاسيكية التي أحاطت بالفيلم، كصراع دائر داخل ''ريجان''، كان مكان الفيلم هو المسرح، يهيأ للمشاهد أنها مسرحية داخل مسرحية أخرى، فأبطال الفيلم يدور بينهم صراعات أخرى تبدو كمسرحية ثانية، ''ومع ذلك، هل حصلت على ما تريد من هذه الحياة؟ أجل فعلت. وماذا أردت؟ أن أدعو نفسي محبوبا، وأن أشعر بنفسي محبوبا في هذه الأرض''.. هي افتتاحية الفيلم، كما أنها قصيدة شهيرة لكارفر، نقشت على قبره، وهو ما يسعى إليه أبطال الفيلم أثناء تمثيلهم لمسرحية تتحدث عن الحب أيضًا.

لذا كان ريجان يُحاول الوصول لمحبة الجمهور والنقاد، كما كانت ابنته ''سام''، التي لعبت دورها ''ايما ستون''، تضع نفسها على الهامش لكنها أيضًا تبحث عن الحب والإحساس الحقيقي بالتميز، يقول لها ''مايك''، الذي يلعب دوره ''ادوارد نورتون'' ''أنت مميزة كفوضى عارمة، أشبه بشمعة محترقة من الجانبين لكنها جميلة''، ''لورا''، التي لعبت دورها ''أندريا ريسبورج''، تسعى لحب ريجان الذي لا يعيرها اهتمامًا، تقول عن نفسها بالمسرحية الممثلة ''لم أرد ذلك الطفل، ليس لأنني لم أحب ''نيل'' وليس لأنني لم أحب تلك الفكرة، لكن لأنني لم أكن مستعدة لأحب نفسي''، وكأن المسرحية كانت تنطق بالحق عنهم.

الفيلم المرتدي عباءة المسرح كان أشبه بمشهد طويل، وهي تقنية ''المشهد الواحد'' التي استخدمها المخرج بالفيلم، يجاوره ''إيمانويل لوبيزكي'' مدير التصوير، و''دوجلاس كريس'' و''ستيفين مريون'' فريق المونتاج، لا يُمكن أن تغلق عينيك لحظة، ما بين الممرات الملتوية التي تمر بها الكاميرا والسماء التي تُظلم فجأة بعدما كانت نهار، الأزمنة التي يتخطاها المُخرج بتلك الأساليب دون إظلام الشاشة لحظة واحدة، هو ما يجعل الفيلم كله أشبه بمسرحية ممثلة على شاشة تليفزيون.

يقول ''ريجان'' بالمسرحية ''لماذا دومًا أتوسل للناس ليحبونني، إنني لست موجودًا، حتى أنني لست هنا'' ثم يُطلق النار على نفسه، ممثلًا دوره المكتوب بالمسرحية ولكن بمسدس حقيقي، تقول طليقته بعد ذلك بالمشفى أنه أطلق النار على أنفه، لم ينتظر رؤية الجمهور يقف ليصفق له، حتى أنه بعد ذلك حينما عرف بالمقالة النقدية الممتازة التي كتبت عنه بالنيويورك تايمز لم يقل أي شيء، كل ما فعله أنه قام برداء المريض وألقى بنفسه، حينها جاءت ابنته نظرت من النافذة لأسفل ثم لأعلى مبتسمة، ولن نعرف هل ألقى بنفسه بالفعل أم ارتفع محررًا نفسه، ومؤديًا دور عمره الذي لن يؤدي مثله مجددًا.

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك: