إعلان

كيف هزمت ابنة البرناوي إسرائيل بحذاء الكعب العالي؟ "الحلقة الثانية"

09:24 ص الأربعاء 25 مارس 2015

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب-أحمد الليثي ودعاء الفولي وإشراق أحمد:

صورة أفردتها الصحف الإسرائيلية لشابة سمراء تسير في فخر وكبرياء وسط أمن الاحتلال، تخرج لسانها للجنود، كان المشهد الأبرز لمحاكمة "فاطمة البرناوي" في 22 يناير1968، تسترجع اللحظات بذاكرة حديدية "وقتها قالوا لي البسي الجزمة اللي نفذتي بها العملية"، فقالت "يا الله على هاي الهبل" غير أنها ارتدت حذاء كعب عالي يصل إلى 11 سم من موديل السنة نفسها، وكأنها في طريقها إلى نزهة لا إلى سجن مدته مؤبدين وعشر سنوات.

في الحلقة السابقة: فاطمة بنت الـ 11 عام تعود وحيدة من الأردن للقدس بعد النكبة

"قعدت في السجن 11 سنة إلا 11 شهر" هكذا تنطق "برناوي" مدة حبسها في سجن الرملة للنساء قبل أن تعقب "عشان نكيد اليهود هم بيقولوا أني قعدت عشر سنين وأنا بقول لهم لأ 11"، لم يكن سجن "فاطمة" تقليديا كعادة منزوعي الحرية، برفقة الأم والأخت كن ينشدن في حماس "لو نستشهد كلنا فيك صخر جبالنا راح يحاربهم"، أحيانا تبكي الأم قبل أن تولي وجهها بالدعاء لابنتها البطلة.

بعد فترة تحررت الأم من السجن، إلا أن المرض اشتد عليها، فاتصل أعضاء منظمة الهلال الأحمر بالابنة لتخرج وترى الوالدة "طول الطريق كنت بفكر إنه بديش أعمل لها مفاجأة عشان ميصيبهاش نوبة قلبية"، اقترب ميعاد اللقاء، ومعه خطوات "فاطمة" من المنزل القديم بالقدس.

على الباب التقاها رجل من الجيران، موجها لها التعازي "قال لي البقية في حياتك.. فعرفت إن أمي ماتت"، كاد عقل الشابة أن يطيش، ركضت تجاه الدار، دخلت على الوالد والأخوة الذين تفاجأوا بوجودها، قبل أن تعود للسجن مرة أخرى، دون أن تحظى بوداع أخير أو قبلة، يأتي ذلك الموقف الأصعب الذي مرت به المناضلة داخل السجن، ومعه حشرجة في صوتها ونحنحة تغالب الدموع، تولي وجهها يسارا لتمسح الدموع سريعا، ثم تقول "ميغروكوش.. أنا عاطفية جدًا".

السجن بين نضال وخفة الدم

بين عواميد السجن الصماء، ثمة لمسات خففت الوضع؛ مقالب الأسيرات ضد المشرفات، طبخة "المجدرة" أو الكشري، اجتماع المناضلات داخل العنابر يستجمعن الذكريات المشتتة، نشوة الانتصار بعد نجاح جزئي للإضراب، محاولة الهروب التي انتهت بشكل ساخر، ونعومة السجانات أحيانا في التعامل.

في ساحة السجن ينطلق المسؤولون عنه، يطالبون المشرفات بإغلاق الزنازين قبل الميعاد المحدد بساعة، يخضع الجميع للأوامر، باستثناء واحدة ترفض الانصياع إلا حينما يأتي الموعد "سجانة بولونية إجت سكنت بفلسطين.. كانت إنسانة رغم كل شيء"، تتذكرها "فاطمة" رغم ما عانته في الداخل، كذلك لا تغفل تلك التي تكتمت على عدم حصولها على "كارت" الطعام من بعض السجينات "عشان لما أهلنا يجيبولنا طعام يرضوا يدخلوه".

حياة السجن بالنسبة لـ"فاطمة" كانت مزيج بين النضال والمتعة وخفة الدم، فلم يعقها ورفاقها حواجز أو جدران، تتذكر المناضلات المغربيات اللاتي جئن إلى فلسطين خصيصا-كانوا يعملوا مع المناضل وديع حداد-كي يوصلوا عبوات ناسفة، تُستخدم في عمليات استشهادية، لكن قُبض عليهم في المطار، وبمجرد عبورهن السجن نلن أشد التعذيب "كنت بحبهم جدا وحاولت ادافع عنهم لما سجانة يهودية نتفت لواحدة شعرها".. في قانون السجن الضارب والمضروب يتم وضعهم في زنزانة انفرادية، لكن "فاطمة" تهتم بالعِشرة أكثر من أي شيء، لذا راحت تصيح في جنبات الزنزانة رافضة عزل الفتيات المغربيات، وهي تقول بلسان ضاحك "خدونا زي ما خدتوا اخواتنا المغربيات على الزنزانة الانفرادية".

خلف القضبان كان رفاق بمثابة الأهل، شكلت راندا النابلسي مع "فاطمة" ثنائي "كنا زي قرادة وجرادة، إن صاحت الأولى جاءتها الثانية مهرولة دون سؤال عن السبب، كما كان الحال مع إنصاف المغربيات، تحملت الرفيقتان الحبس داخل غرفة واحدة، تشبثا ببعضهما البعض، تحملا ضرب السجانات، كي لا يفصلوا كل منهما في مكان منفرد، غير أنه في لحظة سقطت الشابة السمراء مغشيا عليها، فأسرعت "راندا" تسكب عليها الماء لإيفاقها كما أمرها مشرفات السجن، لكن بنظرة متبادلة بين الرفيقتين أدركت "النابلسي" خدعة خليلتها التي ما كانت تعبأ سوى بأخر شيء يخطر على بالها، بعد أن همست لها "أوعك تقربي مية على شعري"، لتجمعهما ذكرى لا يستعيدانها إلا بالضحكات.

رسمية عودة هي الاسم الأبرز في سجل مغامرات السجن، تمزح، تناكف، تضحك بصوت لا ينقطع، تصنع المقلب تلو الآخر في السجينات والسجانات يوميا "في مرة لبست شراب مقلوب في وشها عشان تخوف سجانة إسرائيلية وجريت السجانة جابت رئيسة الوردية والمفاجئة دخلوا العنبر من جديد لاقوا رسمية واقفة بتصلي بص رئيسة السجن للسجانة وقال لها: حرام عليكي ده دينهم وهم بيصلوا" تقولها "فاطمة" التي لم تكن مجرد سجينة بل سند لكل فكرة ولو لم تشارك في نتيجتها.

عملية هروب "فاشلة"

محاولة للهرب لم يُكتب لها النجاح، لكن تشهد على مثابرة الأسيرات، ومواصلتهم لاستغلال ابسط فرصة للتنغيص على المحتل؛ فأثناء سير "فاطمة" برفقة اثنين من الأسيرات إحداهما تدعى "مريم"، وجدن صندوق، قرروا الاختباء به من باب المقالب، التي يواصلوا فعلها بتزعم "رسمية" صاحبة المقالب والمغامرة بلا ذرة تردد، غير أنها عزمت على تغيير الأمر، وتحول إلى التخطيط للهروب من السجن، شاركتها اختها "عائشة عودة"، فيما تكفلت "فاطمة" بإحضار مغارف ومعالق وما يمكن الحفر به من المطبخ حيث تعمل، ورفضت فكرة مشاركتهم الفرار، "أنا لوني كشفني ودخلت السجن فمش هعرف أهرب وهضرهم" كان ذلك مبرر تنحيها والاكتفاء بالمساندة والدعم.

مع قدوم يوم الجمعة حيث تعمل المحتجزات بأرض السجن، أخذت "رسمية" وشقيقتها يشقوا الطريق نحو الهرب خلال الساعة المخصصة، وباليوم التالي أثناء استكمال المخطط، بالحفر من ناحية واشغال السجانات من ناحية أخرى، كان قد تم الوشاية بفعل الأسيرات؛ فطوق الجنود المكان، وأطلقت صافرات الإنذار "وأحنا معرفناش أيش اللي بيحصل.. فكرنا إنه حد جاي ياخدنا"، لذا واصلت الشقيقتان الحفر بالقرب من سور السجن، وحين أمسك بهم الجنود، أجابت "رسمية" بهدوء وسخرية معهودة عنها "بحفر الأرض بدي أزرع ملوخية".

كأنما حياة كاملة صنعتها "فاطمة" ورفيقاتها الذين سبقوها، وتوالى قدومهم "كنت بضحك وافرح لما تيجي دفعة جديدة وابكي لما يمشوا" هكذا حال سيدة الأسيرات، فطالما كان اعتقال فتاة أو سيدة دليل على أن فتيل القضية الفلسطينية والحركة النسائية لم ينطفئ.

بكبرياء حولت المناضلات ما أراده لهن الاحتلال من كسر شوكتهم إلى قوة، يسخرن بها كافة السبل، لا يملنّ من محاولة انتزاع حقوقهن ولو خلف قضبان صهيون، فمن قَبِلَ بالعزة لا يرضى بغيرها، لذا ثاروا على إجراء الزيارة، الذي لا يتيح سوى رؤية اثنين فقط من الأهل كل عدة أشهر، فاضربوا عن الطعام، تحملوا الوسيلة غير الأدمية لإجبارهم عن التراجع، باستخدام ما يعرف بـ"الزندة"، وهو أنبوب يمررون به الحليب والسميد، يُتناول عبر الأنف "أول يوم اعطوني إياه اتشنجت"، ومع ذلك نجحت الأسيرات وبينهم "فاطمة" في كسر القيد، وأصبحت الزيارة لشخصين كل شهر.

الحلقة الأولى: فاطمة تزلزل إسرائيل بحقيبة يد وأغنية لأم كلثوم.. "الحلقة الأولى"

بحقيبة يد وأغنية أم كلثوم فاطمة تزلزل كيان إسرائيل

فاطمة بنت الـ 11 عام تعود وحيدة من الأردن للقدس بعد النكبة

أمريكي ينقذ الصهاينة من هزيمة منكرة

أهل فاطمة يدخلون السجن جماعة وجيرانها في قبضة الاحتلال

فيديو قد يعجبك:

لا توجد نتائج