إعلان

فاطمة تزلزل إسرائيل بحقيبة يد وأغنية لأم كلثوم.. "الحلقة الأولى"

09:11 ص الثلاثاء 24 مارس 2015

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب-أحمد الليثي ودعاء الفولي وإشراق أحمد:
على عجل لملم "محمد علي البرناوي" عائلته الصغيرة ليدفعهم بعيدا عن رحى الحرب، الاحتلال ينصب شراكه، والرجل الأربعيني يطمح في نجاة أسرته، في مسيرة حزينة تجرجر الأم أقدامها ويتبعها ولدان وأربع فتيات، بينهن "فاطمة" ذو التسع سنوات، توقف الركب في صرخة، تتبعها استراق نظرة قِبل قبة الصخرة والأقصى، تُقسم فيما بين جوانبها على العودة، ثم تسير باكية.

مصراوي ينشر مذكرات أول أسيرة في سجون الاحتلال

يمر عامان داخل مغارة مكسوة بالخيش، تستكين على المدرج الروماني –يكتظ باللاجئين الفلسطينيين- بعمّان، تقرر بعدها "فاطمة" أن القدس ابقى من كل شيء، تقطع الطريق عائدة لمُستقرها السابق مختبئة أسفل مقعد حافلة، غير عابئة بخطر جارف أو أم تفقدها، ولا أشقاء يبحثون عنها، فقط قررت وتوجهت صوب القدس فوجدها والدها ماثلة أمامه، لا تبغي سوى استرداد الأرض وعودة أهلها لحقهم المسلوب من جديد.

شبت "فاطمة"، صارت بنت 17.. سبع عمليات فدائية بدأت بالتزامن، تم التخطيط لها بقيادة ياسر عرفات، قائد حركة التحرير الوطني –فتح-، لتهز كيان المحتل، شارك فيها خمسة رجال وفتاتان، صحبت "فاطمة" اختها إحسان معها، في العملية التي اختيرت لها.

شربة ماء من يد شيخ في رحاب قبة الصخرة، رصاصة تخترق رأس رضيع فتمحي براءته، تسكع في سوق المغاربة مع الصبية، إكليل من ورد القدس يتوج الجباه، جنود مدججون بالسلاح يبقرون بطون الحوامل، روائح الزيتون ودعوات الأرامل، الأجواء المقدسية، طيور ترسو على رأس مسنة في وداعة، وقبضة المحتل، سرقة التاريخ وانتزاع الحاضر ومحاصرة المستقبل، الصبية الميتمون لا لسبب سوى غل العدو.. لقطات متتابعة احتلت رأس "فاطمة"، كانت كفيلة بترسيخ المقاومة في كيانها، ودفعها للذهاب إلى سينما صهيون، وتتويج فكرتها على الأرض.

حقيبة يد بها متفجرات، حملتها فاطمة، بينما تسير مع إحسان قبالة السينما، دخلتا سويا دون معاناة، كأحد الزائرين، شاهدا الفيلم، وتركا الحقيبة أسفل المقعد، ثم خرجا كأن شيئا لم يكن، تنشدان "راجعين بقوة السلاح راجعين نحرر البلاد.. راجعين نحرر البلاد كما رجع الصباح من بعد ليلة مظلمة"، يتغنيان فرحا بنجاح تنفيذ العملية، فالمتفجرات في الحقيبة داخل قاعة سينما صهيون، أحد أماكن تردد جنود الجيش الإسرائيلي، والوقت يداهم الصهاينة "لكن دايما أمريكا واقفة لنا على الواحدة حتى في السينما.

كان رجل أمريكي يجلس خلفهم سببا في إنقاذ الجنود من ضربة قاتلة؛ فلولا اصطدام قدمه في الحقيبة الموضوعة تحت المقعد، ولفت الانتباه بوجود "شنطة" تركتها فتاتان، ما تم اكتشاف المتفجرات، التي لم يمهل الوقت الجنود لإيقافها، فانفجرت على الباب دون وقوع إصابات، لكنها ظلت انجاز في نظر القائمة بها "محدش كان مصدق كيف دخلنا بشنطة متفجرات"، فمنذ ذلك الحين بات التفتيش شرط لدخول أي مكان خاصة لحقائب النساء.

بين ضيق المغارة وبراح الخيال عاشت "فاطمة"، تتلقى معاني النضال، تجلس مشدوهة أمام إحدى الجدات ذات الوشم الفلسطيني، تحكي العجوز عن شخص طيب الحظ، وجد خاتما، حكه؛ فخرج جني ضخم ليحقق له أمانيه، فأسرت الصغيرة في نفسها أمنية إيجاد "خاتم سليمان"، لتعود بأهلها إلى الوطن.

كان ذلك في أكتوبر 1967، اضطراب أصاب منطقة سكن الأفارقة بالقدس؛ دخل الجنود المدججون بالسلاح يعيثون في البيوت بحثا عن الفتاتين، يفزع السكان دون معرفة ما يجري، ألم أصاب الجميع؛ قبض الجنود على شقيقتين من "تشاد" جراء معلومة خاطئة، ساعات مرت قبل أن يعود الهرج بقدوم الجنود مرة ثانية، إلى المنزل الصحيح، لم تكن فاطمة بالمنزل، الأخت الصغرى والأم واجهتا الجنود، فصاحت إنعام "أنا فاطمة"، ليلقوا القبض عليهما، في الوقت الذي تمكنت "إحسان"- شريكة العملية- من الهرب إلى الأردن بتخطيط من أبو عمار، لم تسلم عائلة "فاطمة"؛ اقتادوا والدتها وشقيقتها –أنعام- التي تصغرها بـ8 سنوات بسبب كذبها على السلطات الإسرائيلية "عمري ما حسيت بالذنب عشان أهلي انحبسوا.. قضيتي هي قضيتهم كلنا سواء" تقولها "الخالة" المناضلة بفخر.

خرجت الفتاتان من السينما، غير عابئتين بما ستؤول إليه الأمور، لم تضع إحداهما في حسبانها أن لون البشرة سيفضحهما فيما بعد.

انطلقت "فاطمة" صوب المستشفى لأداء عملها كممرضة بشكل طبيعي، أخبرها رفاقها بوقوع العملية فأبدت استغرابها "لأ معرفش حصل أمتى ده"، ليبقى الأمر سريا "مكنتش حاسة أني عملت حاجة مختلفة مجرد لحظة في تاريخ نضال مينتهيش"، لكنها لم تكن تعلم أن فعلتها أقامت الدنيا ولم تقعدها، "في بنتين من الحبشة هم اللي خرجوا من شوية" كانت تلك العبارة التي لفظها حارس الأمن بسينما صهيون هي السبب في الأجواء المضطربة التي عاشتها منطقة السكن الخاصة بفاطمة وجيرانها، حيث تقطن الجالية الأفريقية بالقدس في مكان موحد، كان مستقر سجن قديم أقامه الأتراك في بدايات القرن العشرين قبل أن يصير وجهة لأولئك القادمون لإقامة فريضة الحج مسلمين ومسيحيين.

اقرأ ايضا:

قريبا.. مصراوي ينشر مذكرات أول أسيرة في سجون الاحتلال

فيديو قد يعجبك:

لا توجد نتائج