إعلان

اتهامات وبدائل.. كيف تأقلم أصحاب مزارع ومصنعو الألبان مع أزمة الأعلاف؟

04:45 م الجمعة 20 يناير 2023

كتب- محمود الطوخي:

بينما كان يلح الآباء والأمهات على أطفالهم فيما مضى، لتناول كوب الحليب قبل النوم لبناء أجسام سليمة، وتجهيز "السندوتشات" المدرسية مع كل صباح، في مشاهد نمطية معتادة، وثّقتها الدراما من خلال لقطات متنوعة، فإنه بات من الصعب الثبات على هذا الإلحاح بسبب الغلاء الذي طال جميع السلع الغذائية، ومنها الألبان ومنتجاتها التي تضاعفت أسعارها خلال شهور معدودة، ما أثار تساؤلات حول الأسباب الحقيقية التي أدت إلى هذا الوضع، الذي تصفه أسر بأنه "صعب للغاية".

كغيرها من الأمهات تحرص سلوى إبراهيم كل صباح على تحضير بعض "السندوتشات" ليتناولها أبناؤها الأربعة خلال تواجدهم بالمدرسة أو ما يتبعها من " دروس": "بشتري كل يوم علبتين جبنة علشان أعملهم سندوتشات.. دلوقتي تمنهم بس بقي 30 جنيه غير العيش وفلوس المواصلات"، إلا أن ارتفاع الأسعار بات يهدد استمرار هذه الوجبة الخفيفة بالنسبة للكثيرين: "لازم بنتي تشرب لبن كل يوم ... الدكتور قال كده علشان عندها نقص (كالسيوم)".

3

رغم اعتبار البعض أن الألبان ومنتجاتها من الأجبان وغيرها تحتل المرتبة الثانية من حيث الأهمية، خلف الأرز والدقيق والزيت، فإن خبراء تغذية يعتبرونها سلعا ضرورية لبناء الجسم وإفادته بالعناصر الغذائية التي يحتاج إليها وخصوصا الأطفال.

ورصد "مصراوي" في جولة على عدد من المحال التجارية، ارتفاع أسعار جميع أصناف الألبان ومنتجاتها بنسبة 100 % خلال بضعة أشهر، فبينما كان سعر لتر لبن معبأ من إنتاج شركة شهيرة يباع بـ11 جنيهاً في بداية العام الماضي، فإن سعره يبلغ حاليا 22 جنيهاً، وزاد سعر لتر لبن تابع لشركة أخرى إلى 28 جنيهاً بعدما كان سعره 16 جنيها.

وهو الأمر الذي تكرر مع الأجبان، فالعبوة التي تزن (ثمن كيلو) سعرها 8 جنيهات، بعدما كان سعرها 3جنيهات ونصف الجنيه في نفس الفترة من العام الماضي، و(الربع كيلو) 15 جنيها بعدما كان سعرها 7 جنيهات، "الجبن الثلاجة" وصل سعر الكيلو إلى 85 جنيها، "الجبن البرميلي" 95 جنيها، "الجبن القرِيش" 85 جنيها، بينما أسعار الأجبان الفاخرة مثل " الجبن الرومي"، يبلغ متوسط سعر الكيلو 200 جنيه، والجبن "الجُودة " 450 جنيهاً، "الفلامنك" 450 جنيها، وأخيراً "الشيدر" 300 جنيه، بحسب محمود المصري الذي يعمل في فرع لإحدى السلاسل التجارية الشهيرة في القاهرة.

7

ورصد "مصراوي" الأسباب الرئيسية التي ساهمت في ارتفاع أسعار الألبان ومشتقاتها من الجبن والزُّبد وغيرهما بشكل متكرر، وكيف تأقلم أصحاب مزارع الإنتاج الحيواني ومصنعو الألبان مع أزمة الأعلاف التي تسببت فيها صعوبات الاستيراد؟

ووفق مربي الماشية فإن الأزمة بدأت مع ارتفاع أسعار الأعلاف بشكل كبير خلال الشهور الثلاثة الماضية.

محمود عمران، صاحب أحد مصانع إنتاج الأعلاف يرى: " أن ارتفاع أسعار الأعلاف بدأ مع الأزمة الروسية- الأوكرانية التي تركت آثارها السلبية على الاقتصاد العالمي كونهما من أكبر الموردين للحبوب في العالم، إضافة إلى التضخم الذي سببه تحرير سعر الصرف أكثر من مرة"، ويشير إلى توجه كثير من المستوردين إلى الأسواق السوداء لشراء الدولار رغم فارق السعر الكبير الذي يتحمله التجار، حتى يتمكنوا من سداد قيمة الصفقات المتفق عليها مع الموردين من الخارج، فجميعهم تُلزمهم عقود داخلية بتوريد منتجاتهم في أوقات محددة، وفي حال تأخرهم فإنهم يضطرون إلى دفع تعويضات مالية ليست بالقليلة، وبحسب عمران فلا يمكن أن يتحمل المُصنع وحده جميع هذه التكاليف.

6

ويوضح عمران: "قبل عدة شهور كنا نستورد الذرة بحوالي ستة آلاف جنيه للطن، لكن أصبح ثمنه حاليا 10 آلاف جنيه، وبإضافة ما نسدده من ضرائب وغرامات تأخير يصل إجمالي سعر طن الذرة إلى ما يقرب من 14 ألف جنيه".

ويضيف عمران أن "المصنعين يقومون باستيراد نحو 80% من احتياجاتهم منه من الخارج". مؤكداً: "في بعض الأوقات عجزت عن توريد بعض البضائع المتفق عليها للعملاء، بسبب غلاء الخامات".

ويتوقع عدم انخفاض أسعار الأعلاف خلال الفترة القريبة المقبلة، حتى يتم الإفراج عن جميع البضائع المحتجزة في الموانئ، لافتاً إلى أنه تم الإفراج عن كميات محدودة خلال الآونة الأخيرة.

وتقول الحاجة أم هاشم محمد صاحبة الـ 65 عاما، والتي تقيم بمحافظة القليوبية لـ"مصراوي": "زمان كان الناس كلها عندها مواشي... وكانت هي اللي بتصرف ع البيت كله، بس دلوقتي ناس كتير مابقتش تربّي بسبب إنهم سابوا الزراعة عشان الإيجار بقى غالي والأرض مابتجيبش زى الأول".

وتوضح أم هاشم أنها في بعض الأحيان تقوم ببيع ما تصنعه من الجبن الفلاحى (القرِيش) والزبد البلدي الخالص، وتكمل: " اللي بنحلبه طول الأسبوع بيعمل 4 كيلو زبدة"، بخلاف ما تستهلكه أسرتها من حليب، وتؤكد أن بعضا ممن ينتجون هذه السلع يبيعونها بأسعار مرتفعة: "في ناس بتبيع كيلو الجبنة ب 40 جنيه... بس أنا ببيعه ب 30 جنيه .. بسترأف بحال الناس"، على حد تعبيرها، ويصل سعر الكيلو الواحد من الزبد البلدي الطبيعي نحو 170 جنيها.

4

وتلقي أسعار أعلاف الماشية المرتفعة بظلالها بشكل مباشر على أسعار الألبان ومنتجاتها في الأسواق، فعندما تزيد تكلفة تغذية المواشي سيترتب عليها زيادة في سعر اللبن ومشتقاته لتفادي الخسائر المادية وتحقيق هامش ربح، بحسب المهندس محمد المانسترلى، صاحب مزرعة مواشي، ومعمل لإنتاج الألبان بمحافظة القليوبية، قائلاً: "أسعار الأعلاف بمختلف أنواعها بلغت مستويات قياسية خلال فترة وجيزة".

واتهم المانسترلى "كبار المستوردين بالتسبب في استمرار الأزمة رغم الإفراج عن الكثير من البضائع المحتجزة، ومن أهمها الأعلاف"، مشيراً إلى أنه "كان متوقعاً انخفاض الأسعار عقب الإفراج عن البضائع".

ووفق تصريحات سابقة لـ "السيد القصير" وزير الزراعة، فإنه تم الإفراج أخيراً عن كميات كبيرة من الأعلاف بمختلف أنواعها، شملت 213 ألف طن من الذرة بقيمة تتجاوز المليار ونصف المليار جنيه، و75 ألف طن من الصويا بتكلفة تزيد عن المليار جنيه، وبلغ إجمالي ما تم الإفراج عنه في الفترة من 16 أكتوبر إلى 29 ديسمبر 2022 إلى مليون و714 ألف طن علف.

ويؤكد المانسترلى أنه "على الرغم من تضاعف أسعار جميع الأعلاف، فإنها ما زالت غير متوفرة بكميات تلبي احتياجاتهم، فعلى سبيل المثال يبلغ سعر الطن الواحد من علف الصويا الآن حوالي 36 ألف جنيه بعدما كان سعره 12 ألف جنيه قبل عدة شهور، كما وصل سعر الذرة إلى 15 ألف جنيه، وعلف (الردّة) إلى 10 آلاف جنيه".

وبسبب الزيادات الجنونية في أسعار الأعلاف، لجأ المانسترلى إلى "أنظمة غذائية بديلة تعتمد على البرسيم وقش الأرز، اللذان ارتفع سعرهما أيضا نتيجة زيادة الطلب عليهما".

موضحاً أن "رأس الماشية الواحدة تتغذى بنحو مائة جنيه وربما أكثر في اليوم، إذا تم تقديم نسبة أعلاف أكبر، لكن التغذية السيئة ستؤدي في النهاية إلى تراجع حجم إنتاج الألبان، وهذا سيؤدي بدوره إلى انخفاض الناتج العام من مشتقاته، مثل الأجبان بمختلف أنواعها والزبادي وغيرهما ومن ثم زيادة الأسعار بحسب مفهوم العرض والطلب".

2

ويؤكد المانسترلي أن زيادة أسعار الأعلاف دفعت الكثيرين من مربي الماشية إلى التوقف وإغلاق مشروعاتهم بسبب الخسائر التي لحقت بهم، وهذا بالطبع سيقلل من كميات الألبان التي يتم توريدها إلى المصانع المنتجة لها ولمشتقاتها، لافتاً: "لولا امتلاكي أرضا زراعية أخصصها لتغذية رؤوس الماشية بمزرعتي، كنت لأواجه المصير ذاته".

ويرى سعد عزيز، طبيب بيطري وأخصائي تغذية حيوانية أن القش والخُضر بجميع أنواعها لا تسهم سوى بنسبة ضئيلة في تغذية الحيوان: "زيها زي العِيش للإنسان، هو ممكن الإنسان يعيش على العِيش فقط، لا، فهناك ما يسمى بالتغذية الأساسية التي يجب أن تحصل عليها الماشية لتبدأ في إنتاج الألبان، حيث تمثل الأعلاف البروتين الذي لا غنى عنه، وتختلف الكميات التي يتناولها الرأس الواحد من الماشية باختلاف الغرض من تربيته، فالماشية التي تُربى لإنتاج الألبان تتناول يوميا ما بين ستة إلى ثمانية كيلوجرامات من العلف".

وبحسب عزيز فإن "زيادة إنتاج الألبان لا تتوقف على نوع العلف ولكن تعتمد على مستوى البروتين والطاقة فيه، لكنه يشدد على أن الذرة يجب أن يكون القوام الأساسي في تكوين أي علف إلى جانب بعض المواد الأخرى".

ويبلغ إنتاج مصر حالياً من الألبان نحو 7 ملايين طن سنويا، تسهم السلالات المحلية في هذا الناتج بنسبة تصل لـ 80%، بينما السلالات المستوردة من الخارج بنسبة 20%، بحسب وزارة الزراعة.

ويشير هاني عبد الشافي عامل بأحد مصانع الألبان بمحافظة الشرقية إلى أن سبب ارتفاع أسعار الألبان والجبن هو ارتفاع سعر الدولار وانخفاض قيمة الجنيه، حيث يتم استيراد الألبان الجافة (البودرة) وخامات التغليف من الخارج، ويتم استخدام هذه البودرة في تصنيع الألبان (الخليط) عن طريق إضافة الزبد إليها، لتباع في الأسواق بعد ذلك كألبان طازجة "ألبان سائلة"، والتي يبلغ سعر اللتر منها حوالي عشرين جنيهاً، مشيراً إلى أن "الفلاح لا يتوفر اللبن لديه طوال العام، وبالتالي فإن معامل الألبان تعتمد بشكل رئيسي على الألبان البودرة المستوردة من الخارج".

وتتراوح قيمة ما تستورده مصر من ألبان البودرة بين 500 إلى مليار دولار وفق تقديرات مصنعي ألبان محليين، فإنها تصدر منتجات ألبان بقيمة 167 مليون دولار وفق تقرير للجهاز المركزي للإحصاء صادر عن حجم الصادرات في عام 2022 وأفاد التقرير أن حجم صادرات مصر من الجبنة الرومي والمبشورة والمطبوخة بلغ 76 مليونا و920 ألف دولار، والجبن الأبيض الطازج بقيمة 29 مليونا و556 ألف دولار، وعبوات الجبن وزن من 10-20 كيلو، 23 مليونا و850 ألف دولار، والقشدة بـ13 مليونا و546 ألف دولار، وألبان طازجة بخمسة ملايين و366 ألف دولار، ولبن رائب بمليون ونص المليون دولار

ويقول عبد الشافي إن كمية كبيرة من الألبان التي يتم تورديها من الفلاحين، تستخدم مباشرة في تصنيع "الجبن الرومي" والأجبان باهظة الثمن، على عكس معظم الأجبان المتداولة في الأسواق مثل "الجبنة الثلاجة" التي تُصنع من البودرة على حد قوله، ويوضح أن مبيعات هذه المنتجات انخفضت ما يقرب من 50% بسبب تراجع الإقبال عليها"، بسبب إجازة منتصف العام الدراسي.

وتسعى مصر الى تعظيم الاستفادة من الألبان عبر إنشاء عشرات مجمعات التجميع، حيث أنشأت 230 مركزاً على مستوى الجمهورية، بالإضافة إلى وجود 41 مركزاً قيد الانشاء، ضمن مبادرة "حياة كريمة".

فيديو قد يعجبك: