إعلان

سينما في الوادي.. "هيبس" تعود إلى الحياة بعد 20 عامًا

06:03 م الأربعاء 20 يوليه 2022

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

- مارينا ميلاد:

سينما هيبس البعيدة والواقعة جنوب غرب مصر ليست مكانًا لعرض قصص سينمائية فحسب؛ إنما مكان يملك قصته أيضًا.

يمكن رواية حكايتها بأفيش ملون لفيلم قديم، يتصدره مبناها الذي يظهر عليه مَعالم تطوير جرت حديثًا، ومكتوب في أسفله "أقدم سينما في الوادي الجديد تعود بعد غياب 20 عامًا".

وفي نهاية الأفيش نرى توقيعًا لوزارة الثقافة؛ التي أطلقت، إبريل الماضي، مشروعا سينما الشعب. المشروع الذي يهدف إلى تقديم الأعمال السينمائية بأسعار رمزية في قصور وبيوت الثقافة ودور العرض السينمائي التابعة لها، ومنها "هيبس".

وكما تُسجل كاميرا السينما اللحظات وتعيدها؛ كان مشهد ناني خضر حين عبرت بوابة "هيبس" لأول مرة بعد تجديدها جديرًا بأن يُسجل ويتوقف عنده الزمن قليلا.

"ناني" هي ابنة "خضر"، الذي عَمل في السينما منذ إنشائها عام 1963 وكان مسؤولا عن عرض جميع أفلامها لسنوات طويلة.. رافقته "ناني" منذ كانت طفلة وورثت عنه غرامه بها ثم غادرتها شابة عمرها 22 عامًا عند إغلاقها، وأخيرًا عادت إليها كمديرة وعمرها 42 عاما.

شريط حياة يمر أمامها كشريط الفيلم الذي طالما رأت أباها وهو يبدله.. تذكرت فيه والدها ونشأة هذه السينما.

صورة 1

أراض شاسعة وصحراء مترامية على امتداد البصر بالواحة الكبيرة "الخارجة". وصلت أول قافلة لتعميرها يوم 3 أكتوبر عام 1959. ذلك اليوم الذي بات فيما بعد عيدًا قوميًا للمحافظة. وبعد عامين من وصول تلك القافلة الأولى، صارت محافظة الوادي الجديد، التي تشغل 44% من مساحة مصر ضمن التقسيم الإداري للجمهورية – حسب موقعها الرسمي.

تَبع ذلك؛ إنشاء أول سينما بالمنطقة بعد نحو 67 عامًا على أول عرض سينمائي شهدته مصر.. وعلى مسافة 4 كم فقط من معبد هيبس الأثري، الذي يعد "أقدم وأكبر المباني الموجودة بالصحراء الغربية" – وفقًا لما تذكره وزارة الآثار.. تأسست السينما وأخذت اسم المعبد، وهو مصطلح يوناني للكلمة المصرية القديمة "هبت" التي تعني المحراث وسميت عليها الواحة لخصوبة أرضها.

ووسط هواء نقي وهدوء وشمس ساطعة؛ بدأت سينما "هيبس" الصيفية عَملها ومعها "خِضر"، الموظف بوزارة الثقافة فرع الوادي الجديد.

كَبرت "ناني" بجوار الماكينات الألمانية القديمة التي تعمل بالفحم والكربون. تقول "إن والدها كان يتعامل مع تلك الآلات مثل أبنائه.. ينظفها ويعتني بها ولا يتركها لعامل آخر".

تتذكر كتابته لاسمه على شريط الفيلم، ليظهر بين الاستراحات على الشاشة، وأنه لا يترك الجمهور في الاستراحة ليشعر بالملل؛ فيضع لهم أغنيات أم كلثوم، وعبد الحليم حافظ، وفريد الأطرش، حيث كان الأخير مطربه المفضل.

ومن كل ذلك؛ اكتسب "خضر" شهرته في الواحة وصار الجميع يعرفه. كانت "ناني" تستمتع بشعبية والدها وكأنه أحد النجوم الذين تراهم على الشاشة يوميًا من شباك الكابينة الصغير، حيث كان يقف والدها.

طالما جذبتها صنعته التي يمارسها في ذلك العالم الساحر المُظلم.. داومت على الجلوس بجانب الماكينات لتتابعه حتى يغلبها النوم. فتقول: "أبي وصل إلى الهوس بالسينما وقد نقله ليِ".

وظلت مشاهد فيلم الراقصة والسياسي (1990) تلازمها حين تتذكر تلك الفترة؛ فهو أكثر الأفلام التي أحبتها وشاهدتها في كل عرض. لذا لم تنس زيارة الفنانة نبيلة عبيد للسينما. فخلال السنوات الذهبية لـ"هيبس" زارها عدة نجوم كمعالي زايد، فاروق الفيشاوي، وعزت العلايلي.

صورة 2

في تلك اللحظة التي وقفت فيها "ناني" داخل "هيبس" مرة أخرى بعد هذه سنوات وتذكرت كل ذلك؛ بَكت ثم جَرت تلقائيًا نحو مكان الكابينة ومكتب والدها، لكنها لم تجد شيئا على حاله.. تحولت السينما إلى شتوية، تطورت أجهزتها، وغلبت الحداثة على كل تفاصيلها.

كانت "ناني" تتمنى لو رأت الماكينات القديمة مرة أخرى، لكنها عَلمت أنه تم نقلها وربما ستعرض في متحف قصر السينما بالقاهرة. تقول: "صار الأمر سهلا وغير ممتع لي مثلما كان في الماضي.. فقط ضغطة زر على جهاز كمبيوتر ويعمل الفيلم في 5 دقائق".

Graphic 1

ورغم حبها لشكل "هيبس" القديم التي اعتادته؛ لكنها لم تصدق أنها عادت واكتمل مشروع تطويرها هذه المرة. فعام 2016؛ تعلقت بالأمل بعدما وضع وزير الثقافة آنذاك، حلمي النمنم، حجر أساس ٣ مشروعات ثقافية: سينما "هيبس"، وسينما "موط" بالداخلة، والتي أغلقت أيضًا، إلى جانب تجديد قصر ثقافة الخارجة.

وقال وقتها "إن أهالي الوادي لا يعانون من العزلة الثقافية، فعلى الرغم من أننا لم نقدم كل ما تحتاجه المحافظة، لكننا لا نتأخر في تقديم كل الإمكانات المتاحة". وكان من المفترض أن ينتهي العمل في "هيبس" بعد 10 أشهر فقط، وفقا لما أعلنه المحافظ، لكنه لم يَحدث حتى تم افتتاحها الشهر الجاري.

تعود "ناني" بذاكرتها مرة أخرى إلى الوراء، حيث الفصل الأسوأ من تاريخ سينما هيبس.

أحداث وقعت أدت إلى النهاية. تُميزها "ناني" بالوقت الذي بدأت فيه شركات الإنتاج ترسل لهم الأفلام بعد عرضها بوقت طويل في دور العرض الأخرى لبعد المسافة وقلة المواصلات. تلاها مرحلة أكثر تأخرًا حين عرض والدها، الذي كان قد خرج على المعاش وتولى إدارة السينما، فيلمًا قديما تم عرضه بنفس السينما مسبقا.

نبهته "ناني" إلى ذلك وظنته خطأ منه، لكنها أدركت فيما بعد أن ذلك بسبب قلة الإيراد. لكن إصرار "خضر" لم يأت بنتيجة وأغلقت السينما التي صارت مُتهالكة وأُزيلت آخر أفيشاتها "فيلم محامي خُلع" عام 2002.

تصف "ناني" شعورها آنذاك: "كنت حزينة جدًا.. عُمري كله بها.. وكلما مررت أمامها تظل عيني مُعلقة عليها".

تمنت "ناني" دخولها مجددًا، لكنها كانت تجد نفسها تدخل سينمات أخرى عند سفرها إلى القاهرة أو الإسكندرية.. لا يهمها وجود فيلم جيد، فالأهم بالنسبة لها هو دخول سينما وحسب. فلم يتواجد بمحافظتهم سينما أخرى طوال 20 عامًا بعدما غابت "موط" و"هيبس"، وهي السنوات التي قلت فيها عدد دور العرض في مصر بشكل عام.

سينما هيبس

تحققت أمنية "ناني" وعادت إلى السينما ليست كزائرة بل صارت مديرة لها. لم تكن تتوقع أبدًا أن أثناء عملها بفرع ثقافة المحافظة مثل والدها، سيأتيها خبر ترشيح المسؤولين لها لتكون مثله أيضًا في تشغيل وإدارة السينما.

تقول "ناني"، الحاصلة على دبلوم فني، إن سبب ذلك معرفتهم بارتباطها بـ"هيبس"، ورغبة منهم في تمكين السيدات بالمحافظة وإسناد مٌهمات لهن.

لكنها لاحظت مع بداية العروض أن أغلب رواد السينما من الشباب ومعهم عدد قليل جدًا من الأسر بل أقل مما كان عليه في الماضي. لا تعرف تفسيرًا لذلك، لكنها ترجح أن الفكرة القديمة السائدة عن السينما في الوادي لازالت تلوح في الأفق.

فالبعض هناك – بحسب "ناني" – قد يرى السينما ترفيها زائدا أو نزهة للمخطوبين أو المتزوجين حديثًا.

وفي القاهرة؛ كان لأسامة موريس (52 سنة) رأيًا آخرا. فالرجل الذي يعمل مهندسًا كانت السينما خروجته المفضلة في السابق؛ لكنها لم تعد.

بحسبه بسيطة لمتوسط سعر التذكرة الذي يتراوح ما بين 80 إلى 100 جنيه في سينما متوسطة المستوى؛ يجد "موريس" أن أسرته المكونة من خمس أفراد ستدفع قرابة الـ500 جنيه في ساعتين، وهو ما جعله يعتبرها "غير ضرورية ويمكنه مشاهدة الفيلم على الإنترنت فيما بعد".

لكن "ناني" ترى أنهم فعلوا ما في وسعهم تجاه مسألة السعر، حيث حدد مشروع سينما الشعب، الذي بدأ في 9 محافظات، الأسعار بـ40 جنيها في الفترة المسائية، و20 في الصباحية. وفي هذا الشأن؛ قالت وزيرة الثقافة، إيناس عبد الدايم إن "المشروع حريص على جذب جميع شرائح المجتمع، تنفيذًا لمبدأ العدالة الثقافية".

صورة 3

يتضمن مشروع سينما الشعب عرض فيلم تسجيلي قصير قبل عرض الفيلم الرئيسي. ووقع من نصيب "هيبس" فيلم عن واحة سيوة؛ فهو الأكثر ملائمة لمكانها بواحة الخارجة. وبعده يطل من شاشتها فيلم "بحبك" لتامر حسني الذي يعرض خلال هذا الموسم.

تعتبر "ناني" توقيت افتتاحهم في عيد الأضحى سيئًا؛ حيث لم يأت الإقبال التي توقعته بعد سنوات الإغلاق.. فمن 650 مقعدا تتوفر بالسينما؛ حضر 69 شخصا فقط في اليوم الأول للعيد. أدركت "ناني" حينها أن نمط الناس بالوادي، والذي يقدر عددهم بـ248 ألف نسمة (بحسب موقع المحافظة) في عيد الأضحى لا يتوافق مع السينما. فكما تقول؛ هم ينشغلون في الذبح، والسهر، والعزومات، ويلزمون بيوتهم، فلا مجال أمامهم للذهاب إلى "هيبس".

لكن تحسن الحال قليلا مع اليوم الثاني، وصل العدد إلى 144 وسار الأمر بقية الأيام قريبًا من هذا الرقم.. تحرص "ناني" على الاستماع إلى أراء القادمين إليها ومقترحاتهم حول تطوير السينما.. تقول إن أغلب الشباب يريدون المكان سينما ومسرح معًا، وهو المقترح الذي ستقدمه إلى الوزارة قريبًا.

أما هي فتتمنى أن تُكمل مسيرة والدها، أن تضع شريطًا جديدًا يعرض قصة هذه السينما، ولا تدفعها الظروف إلى التوقف مرة أخرى.

اقرأ أيضًا:

"لن أترك ريو".. حكاية عارض أفلام "السينما المهجورة"

فيديو قد يعجبك: