إعلان

بالصور-على غرار طوكيو.. أطفال سوريا ينسون الحرب بأولمبياد الخيام

12:35 م الخميس 19 أغسطس 2021

كتبت-إشراق أحمد:

حين اقترح حبيب مرضعة وزميله إقامة نشاط بالتزامن مع أولمبياد طوكيو، لم يتخيل مسؤول الدعم النفسي والاجتماعي بمخيم اليمان السوري أن يصبح الخيال حقيقة بهذه السرعة. في غضون ستة أيام صار كل شيء جاهزًا؛ ملعب كرة قدم، مضمار للسباق وأرجاء لممارسة 12 لعبة رياضة، الأطفال مقسمة في فرق للمنافسة، وتنبض النفوس بالحماس. لا يهم بساطة الفعل وأدوات التنفيذ، فقط الشاغل أن يحظى الصغار في المخيمات السورية بشيء من الحياة تحت سماء غيمتها نيران الحرب.

1

في ختام أولمبياد طوكيو، السابع من أغسطس الجاري، تداولت صور من أدلب –شمال سوريا- لأطفال تتسابق على أرض خالية رسم عليها شعار الحدث الرياضي العالمي، فيما أطلق القائمون عليه اسم "أولمبياد الخيام". لاقت اللقطات احتفاء وتعاطف كبير على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة مع تراجع الحديث عن الشأن السوري خلال عام تفشي فيروس كورونا المستجد.

تصاعدت الأحداث في سوريا منذ مارس 2011، قمعت الاحتجاجات وتحول الوضع إلى حرب تدور رحاها في كافة المناطق، ثم تدخلات أجنبية وسيطرة داعش على العديد من المدن، قبل أن تعود نحو ثلي الأراضي إلى قبضة بشار الأسد والنظام السوري، لكن ظل قرابة 6.7 مليون شخصًا نزحوا عن منازلهم فرارًا من الحرب وسكن نسبة منهم المخيمات كما تشير تقديرات الأمم المتحدة بحلول نهاية عام 2020.

كان مطلع أغسطس الموعد المحدد لبدء النشاط الرياضي لمنظمة بنفسج –منظمة غير ربحية بدأت العمل رسميًا عام 2013 بالتعاون مع عدد من المنظمات الدولية لدعم سكان المخيمات في شمال سوريا- بطبيعة الحال يتابع حبيب الأجندة الرياضية بكافة أرجاء العالم والتي تشير إلى إقامة أولمبياد طوكيو وقرب موعد الختام. يشرف الشاب العشريني ورفيق له على مخيم اليمان –شمال غرب إدلب- خطر ببالهما فكرة ­"ماذا لو نقلنا الأولمبياد للمخيم؟". على الفور وافق مديرهما المباشر إبراهيم سارمينة، وسرعان ما انطلقت الرسائل التحضرية في مجموعات التواصل بين المسؤولين على المخيمات في كافة أرجاء إدلب.

2

لكل مخيم في الشمال السوري، فريق يتكون من عضوين في منظمة بنفسج، يتوليان الدعم النفسي والاجتماعي للأهالي "سواء اللي مستلم المخيم من شهر أو سنة بيعروفوا معلومات كاملة عن الأطفال وأهلهم كل طفل بدون مبالغة ايش بيحب وحياته كلياتها". أرسل حبيب للمشرفين يطلب منهم اختيار 10 أطفال من كل مخيم، مع قائمة بها 12 لعبة هي ذاتها المتواجدة بالأولمبياد "قلت لهم بدي تشوفوا الألعاب اللي يحبها الأولاد وتدربوهن عليها".

بدأ العمل؛ تتشكل الفرق يومًا تلو الآخر تكتمل قوائم أسماء 120 طفلاً من 12 مخيمًا، وقع الاختيار على الصغار ممن لديهم هواية ممارسة الرياضة كما تقول غادة الكامل، أحد أعضاء قسم الحماية في منظمة بنفسج، وشاركت في عمل قائمة الأطفال.

أما التدريب فكان أبسط من المتخيل، أحيانًا لا يتجاوز سوى محبة الطفل للعبة التي رآى مقطع مصور لها على هاتف محمول ثم تجربة اللعبة قبل أيام من الأولمبياد، لكن لم يكن هدف حبيب وزملائه يتجاوز إسعاد الصغار، وكذلك يفعل منذ تدهور الأحوال في سوريا كما يقول المشرف على أولمبياد الخيام لمصراوي"عم حاول توجهيهن نحو العادات الإيجابية اللي بيتمنوها الأهالي لأبنائهم. عم حاول اعيشهم قدر الإمكان لحظات يحبوها ولو فترة راحة نفسية ينسوا فيها الحرب وألم النزوح والتشرد".

الجمباز، تنس الريشة، سباق حواجز وركض 100 متر. كرة قدم وكرة طائرة، رمي القرص الحديدي، وغيرها من الألعاب الأولمبية تواجدت على أرض مخيم اليمان التي اختيرت لإقامة الحدث الرياضي. لم يترك حبيب ورفاقه لعبة تسعد الأطفال إلا ضمها للقائمة البالغ عددها 12 رياضة، حتى الفروسية، وجد الفريق مخرجًا لها رغم صعوبة توفير الخيل، امتطى الصغار خيول خشبية وركضوا بها في حماس أشعر المتفرجين بأنها حقيقية.

3

يقيم نحو 1.3 مليون نازحًا في إدلب داخل مخيمات ومراكز إيواء. أعطت المساحة الواسعة لمخيم اليمان الفرصة لتنفيذ الأولمبياد بشكل لافت، لكن ما كانت الأمور ممهدة كما تُظهِر الصور، قبل يومين من الحدث ذهب حبيب وأعضاء منظمة بنفسج لتحضير الملعب "كان كِلياته فيه حجر نضفناه ورسمنا المكان ليناسب كرة القدم"، بدأ الأمر مُبشرًا مع إلحاح الأطفال على المساعدة في تهيئة الملعب ليوم السبت.

مع الثانية فجر السابع من أغسطس الجاري، تواجد حبيب وزملائه لاستكمال التجهيزات، انقضت الساعات بلهفة للحدث المنتظر بدايته مع الرابعة عصرًا. وصل بقية الصغار إلى المكان ليوشك المشهد على الاكتمال رغم المشقة "كان عنا صعوبة في نقل الأطفال بباصات خارج مخيامتهم إلا بعد موافقة خطية من الأهالي". ود حبيب لو استطاع جميع الآباء الحضور لرؤية أبنائهم، لكن في أولمبياد سوريا المصغرة تحكمت الاستطاعة في كل شيء.

4

انطلقت صافرة أولمبياد الخيام. بدأ الأطفال في المنافسة بين الألعاب المختلفة، علت البسمة على الوجوه بدلاً من التوتر المعروف في البطولات "كل فريق يهتف باسمه وأنه راح يفوز والمشترك يلي يفوز الفريق كله يطير بالهوا وكأنه أولمبياد حقيقي" تستعيد غادة المشهد الذي ترك في نفسها أثرًا لا ينسى كما فعل بالصغار.

5 ساعات خُصصت للأولمبياد على أن تنتهي في التاسعة مساءً، حل الانبهار على الأطفال، للمرة الأولى يمارسون الرياضة ويفعلون هذا أمام ذويهم. بدت السعادة على الوجوه بشكل يعجز حبيب عن وصفه "صارت الدنيا ليل وأحنا مواعدين الأهالي أن الأولاد يكونوا بالمخيمات على 9 والأطفال ما بدها تمشي قبل ما تكفي الأولمبياد".

مشاهد حفرت تفاصيلها في قلب حبيب، إحداها لصغير اسمه حمزة ظل يبكي من فرط فرحته بحصوله على المركز الأول، وكذلك فعلت الطفلة شام، لكن لأنها حصدت المركز الثاني في تنس الريشة "كتير زعلت أنها ما أخدت الأول وصارت تقولي الله يوفقك أستاذ فيك تدربني لأني بدي أخد ميدالية ذهبية وبدي ألعب على طول بهاي اللعبة".

5

بين صفوف جماهير المخيم، لمس حبيب ما سره أيضًا، رأى المشرف على الأولمبياد بعض الأهالي تبكي "بسبب الظروف ما كانوا يشاهدوا ولادهم عم يلعبوا شيء بيحبوه وفي أباء ما كانوا شايفين أن أطفالهم عندهم موهبة". ساعات كانت كفيلة بقلب ما في نفوس أهل المخيمات.

وقف الفائزون على منصة التكريم، حصلوا على ميداليات رمزية بألوان المراتب الثلاثة، صنعها أحد أعضاء فريق بنفسج بإمكانيات بسيطة، لكنها حققت رسالتها بأن يعلم كل مخيم بوجود طفل حقق نجاحًا باسم المكان الذي يقيم فيه، لعل هذا الفعل الصغير يخفف ما يحمله الصغار من ألم عن خيامهم.

انتهت أولمبياد الخيام في اليوم ذاته. ساعات نسي فيها 120 طفلاً وذويهم الحرب وكذلك فعل حبيب ورفاقه القائمين على أولمبياد الخيام. احتفظ الجميع بزاد من السعادة قرروا ألا ينقطع؛ بعد يوم من انتهاء الحدث ذهب حبيب مرة أخرى إلى المخيم، لاقى الشاب ترحاب شديد، لا يمر على خيمة إلا ويدعوه أحدهم لاستضافته، زادت الأولمبياد الثقة بين حبيب والأهالي "صاروا يقولوا لي ولادنا معك بأي شيء يخطر على بالك".

كذلك احتضنت غادة تعليقات الأباء "صاروا يقولوا أن أطفالهم من زمان ما فرحوا هيك وصار عندن حدث حلو يحكوا فيه لرفقاتهن"، فيما استقبلت واحدة من أسعد المكالمات، حين اتصلت عليها أم الطفل حيدر جمعة الذي فاز بالمركز الأول بالجمباز وأخبرتها أنهم حققوا بالأولمبياد جزء من حلم ابنها في ممارسة تلك الرياضة.

6

حققت أولمبياد الخيام الهدف المرجو منها كما يقول حبيب، بل فاق الأمر التوقعات "اتفاجأت بانتشار الصور والخير في دول كتير ووسائل الإعلام"، وفي المخيمات زاد إقبال الأهالي على أن يمارس أطفالهم الرياضة.

ليست هذه المرة الأولى التي يتمسك فيها حبيب بالأمل، قبل الحرب على سوريا كان الشاب لاعب كرة قدم في نادي أمية بدمشق، وفي منتخب سوريا للناشئين. حينما تصاعدت الأحداث غادر حبيب المعسكر التدريبي وفر إلى إدلب، مكان إقامة والديه. انقطعت صلة اللاعب بالكرة لنحو عامين "ما كان في رياضة نهائي بإدلب"، لكن بسعي منه ورفاق له أقيمت بطولة دوري على مستوى المناطق المحررة عام 2017، وأحرز مع أصدقائه المركز الأول، ومن وقتها لم يتوقف سعي لاعب كرة القدم على أن يحقق للصغار ما صعب عليه تحقيقه.

7

صار حبيب على يقين أن أولمبياد الخيام ما هي إلا بداية؛ الآن يعد المخيمات وأطفال سوريا لبطولة أخرى مخصصة لكرة القدم، عمل عليها لنحو 6 أشهر، درب خلالها 8 فرق بالإضافة إلى 4 فرق من إدلب، كان المخطط إقامتها الشهر الجاري لكن ما حظيت به الأولمبياد من صدى دفعه للتأجيل. لا يفارق حبيب الحلم رغم الصعاب، يعلم أن ليس باستطاعته إعادة الأمان للأطفال، لكن بإمكانه منحهم الوسيلة للتعايش مع الخوف "كل همي يصير عنا ملاعب وأكاديمات للألعاب المفتوحة".

فيديو قد يعجبك: