إعلان

حين تحول إمام مسجد لـ"مأذون الثورة".. 10 سنوات على عقد قران "عروسين الميدان"

09:35 م الخميس 11 فبراير 2021

سامح علوشي

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-دعاء الفولي وإشراق أحمد:

ما عاد لذكرى "25 يناير" بريق عند سامح علوشي، تغيرت قناعة إمام وخطيب الأوقاف عن مفهوم التغيير "وثورات الشعوب"، كفر بالماضي وولى صوب يقين جديد "لو بقى عندنا مبادئ وأخلاق والناس رجعت لربنا تبقى دي الثورة"، لكن ثمة حدث لم يفارقه طيلة هذه السنوات؛ تلك اللحظة التي تحول فيها من داعية بزي أزهري وسط المتظاهرين إلى "مأذون الثورة" بعدما عقد قران أول زوجين داخل ميدان التحرير.

كان الأمر قدريًا. في السادس من فبراير 2011، تواجد علوشي في التحرير، يومًا آخر يذهب للمشاركة. لم يكن الرجل الأزهري ممن لهم توجه سياسي أو أمنوا بوجود حدث كبير تمر به البلاد" رد فعلي لما سمعت أن في ثورة كان استخفاف"، أخذ يحدث نفسه متسائلاً "معقول الشجرة المتجذرة بالفساد تنخلع؟"، لكن تبدل حاله بعدما رأى على شاشة التليفزيون الشباب المتصدر للمدرعات بصدور مفتوحة وسمع عن سقوط ضحايا.

قرر علوشي الذهاب إلى التحرير لرؤية ما يجري بعينيه، فعل ذلك بعد الثامن والعشرين من يناير، دخل علوشي الميدان وحده بملابس عادية لا تدل على هويته حتى وجد الأزهريون يجتمعون رويدًا"والشباب بيتلموا حوالين أي حد لابس أزهري ويسألوه أحنا صح ولا غلط"، استشعر الشيخ حينها صدق نوايا المتواجدين، وقرر أن يؤدي دوره كإمام وخطيب ومن قبلهما محبًا للوطن.

في تلك الساعة من نهار يوم الأحد، التفت علوشي لمن يربت على كتفه، إذا به شاب ومعه فتاة يخبره "أحنا مكتوب كتابنا وعايزين نشهر زواجنا هنا وسط الناس.. حضرتك شيخ تقدر تعمل ده". ابتسم الشيخ صاحب الثمانية والعشرين ربيعًا وما نطق بكلمة حتى وجد نفسه ممسكًا بمذياع، وقف علوشي أمام جمع مكدس من الناس وعشرات العدسات الموجهة صوب أبطال الحدث غير الاعتيادي، قرأ ما تيسر من آيات القرآن ثم ألقى كلمة تمهيدًا لما يجري وتلى النص المعروف عن إشهار الزواج واختتم بدعاء للعروسين ومصر وأهلها.

انقضت اللحظة كأنها حلم، لم يسبق أن تزوج أحدهم في التحرير، لكن بعدها أصبح تقليدًا للعديد. انفض جمع عقد القران فيما استمر التوافد على الميدان. توجس علوشي خيفة مما جري مباشرة أمام كاميرات الإعلام وما قد يسببه هذا من حرج "مكنش مضمون أن مبارك يمشي . لكن قلت أنا مش أحسن من اللي راح". نفض الإمام عن نفسه القلق وقرر أن يعود لمكانه في هدوء "بعدها لقيت الناس عمالة تقول وسع لمأذون الثورة وطلبوا مني عقد قران ناس تانية بعد كده"، غير أن علوشي رفض، ليس خوفًا إنما ليدرأ عن نفسه باب حُب الظهور كما يقول، خاصة بعدما لمسه عقب هذا.

"يومها حسيت أن في ناس جاية تركب الموجة وتحقق مكاسب شخصية مش لنصرة المتظاهرين ومطالبهم"، يتذكر علوشي أنصار شخص قدموا إليه عقب عقد قران الزوجين "قالوا لي أنت إزاي تعمل كده. الشيخ ده هو اللي بيصلي ويخطب في الناس ده خطيب الثورة".

ظن علوشي أن الحدث سينتهي بعودته بين صفوف المصريين في الميدان، لكنه كان قد بدأ؛ ما إن انهى الشيخ ابن محافظة الشرقية عقد قران الزوجين أحمد ذعفان وعلا محمد حتى استقبل هاتفه سيل من المكالمات "ناس كتير خوفوني. كلام بمعنى إيه اللي أنت عملته دا؟ أنت وحظك وربنا يستر"، ظن الخطيب أن الخبر لن يصل لأهله "بس اكتشفت إنهم شافوه على الهوا في التليفزيون"، بلغ خوف والده أقصاه "خاصة إن بقت الناس تقوله استعوض ربنا في ابنك"، في المقابل كان علوشي يرد بإجابة واحدة "إن شاء الله ربنا هيكرمنا وننتصر.. ولما كلمت أبويا قلت له خلاص انطلق السهم معادش فيه رجوع".

1-(1)

يقين علوشي وقتها لم يذهب سُدى؛ عندما جاء الحادي عشر من فبراير كان الإمام يقيم صلاة المغرب داخل مسجد بلال بمدينة الرحاب، وحين أوشكت الصلاة على الانتهاء رجّ المكان بصوت احتفال الناس في الخارج "كلمة هيه كانت هي البطل وقتها"، حتى أن رواد المسجد "اتخضوا وجزء منهم كان خرج من الصلاة"، كان ذلك اليوم هو الأسعد في حياة علوشي، يتذكره باللفتة.

"يومها دخلنا التحرير بكتفنا".. يضحك الإمام الثلاثيني، يستعيد عقله لحظات الأمل والحُلم، يوم اتسع الميدان للمواطنين جميعًا، على مرمى البصر كان هتاف "ارفع رأسك فوق انت مصري" يدوي، لا يعرف علوشي على وجه التحديد كيف دخل ساحة التحرير "يومها تقريبا من كتر اللهفة والفرحة روحت الميدان جري"، ظن "مأذون الثورة" أن كل ما تمناه سيكون، وأن دماء الراحلين لن تذهب هباءً "بس كنا غلطانين".

عقب تنحي مبارك ولمدة عام وصلت مكالمات هاتفية لعلوشي يطلب أصحابها إشهار زواجهم، كان يخجل في البداية من تلبية الدعوة "بس بعد كدة بقيت بشوف إنه شرف ليا"، يحكي كيف استقبله الناس في العاصمة لندن، حين ذهب في شهر رمضان 2011، ليدرس اللغة الإنجليزية ويؤم المصلين في أحد المساجد "كانت المعلمة بتاعتنا مبسوطة جدًا لأني مصري موجود معاهم.. الناس كانوا بيحيونا على اللي عملناه وعلى التغيير وأنا كنت حاسس إني طاير"، بينما استمرت دعاوى الناس هناك له لعقد القران "في لندن عملت دا كتير وكان الناس بيقولوا لأصدقائهم إني مأذون الثورة وكنت بحس بفخر شديد بالبلد مش بشكل شخصي".

شعور الانتشاء لم يُلازم المأذون فقط، بل عشرات الشباب الذين عقد لهم القران وتعامل معهم. شجّعت الثورة الكثير منهم على اتخاذ خطوة الزواج "اللي كان معاه ألف جنيه كان بيغامر بيها وبيتجوز، كانوا حاسين إن الخير جاي فمفيش مشكلة"، لازم شعور القوة قلب علوشي، رأى الوطن ينفتح من جديد "ومعاه كانت حياة شباب كتيرة بتبدأ جوة البيوت.. فبقت مصر بتتولد من الميدان وبتتولد بأسر جديدة"، غير أن ذلك الإحساس انطفأ رويدًا، بدءً مما حدث عقب الثورة "من تظاهرات كل شوية في الميدان لحد ما حصل فتنة بين الشعب والجهات الرسمية" وانتهاءً بحكم الإخوان المسلمين.

كان قرار علوشي بعد الحادي عشر من فبراير واضحًا "لازم نبدأ نبني"، ركّز في عمله كإمام وخطيب "كنت متخيل إن الناس كلها هتبدأ تشتغل بس دا محصلش"، خاب أمله بعدما تولى الإخوان المسلمون زمام السلطة "قلبي اتقبض وكنت حاسس إنهم مش هيعملوا حاجة بس مرضتش أصدر حكم قاطع"، فيما تيقن تمامًا أن خروجه للميدان بات هباءً حينما مرت 6 أشهر من حُكمهم لمصر إذ لم تتغير الأمور إلا للأسوأ.

عانى الإمام والخطيب الأمرّين؛ تراجع إحساسه بالأمان، فيما باتت بعض السلع الأساسية صعبة المنال "افتكر مرة كنت بدور على بنزينه أملى منها العربية عشان أروح البلد أشوف أهلي ومعرفتش.. كان عندنا استعداد نشتري اللتر بـ100 جنيه بس نلاقيه"، غير أن ذلك الأذى لا يُقارن بما لاقاه بسبب انتمائه للمؤسسة الدينية، فكثيرون لم يفرقوا بينه وبين أصحاب السلطة "أي حد بدقن كان بالنسبة للناس من الإخوان"، جعله ذلك في مصاف الظالمين بالنسبة للمواطن العادي "بقيت أسمع كلام من عينة بوظتوا البلد.. منكم لله وحاجات تانية، ومهما نقول محدش كان مستوعب وقتها إنه مش كل اللي بدقن ضروري يكون إخوان أو سلفي أو ليه في السياسة".

مع الوقت، تيقن علوشي أن حُكم الجماعات الدينية في مصر ليس رشيدًا ولن يكون. لم يُصدر ذلك الحكم إلا عقب محاولات عدة للتعبير عن رأيه "سواء بإني أنصح اللي أعرفهم وقتها أو أوصل رسايل للمسؤولين في الإخوان"، لكن دائما ما كان الرد واحد "احنا عارفين بنعمل ايه".

كانت أحلام علوشي لمصر بسيطة "إنه يبقى فيه ناس كفء بتدير الدنيا ومحدش يتظلم ودا اللي مشينا مبارك عشانه"، وكما لم تتسع الأرض لسعادته عقب رحيل مبارك، ضاقت به حينما انهزمت الثورة مرارًا، باتت ذكراها كل عام مناسبة حزينة "كنا هنموت ليه؟ واللي ماتوا ماتوا عشان ايه؟"، يتذكر العروسين أحمد وعُلا، لا يعرف طريقا لهما، لم يرهما سوى مرة واحدة على التلفاز، يتمنى أن يكونا في حال أفضل كما التقاهما، لا يُحب الإمام شعور الأسى، لكن لو عاد به الزمن لن يشارك في الثورة كما يقول، لم يكن ليغامر بأي شيء كما فعل.

ثمة أمل بسيط يسكن بقلب مأذون الثورة "مش قادر ميكونش عندي أمل". يروي كيف صار عقب يناير يصوت في الانتخابات المختلفة "أهي دي من حسنات الثورة.. الواحد على الأقل بقى مهتم يشارك"، لم تنزع العشر سنوات الماضية بصيص النور عن قلبه، مازال رغم الألم يبتسم أحيانًا حين يسترجع تفاصيل الميدان، لكنه صار صارمًا في قناعته "أي ثورة هتقوم في الوطن العربي والإسلامي هتؤدي من سيء إلى أسوأ. أحنا شعوب غير قابلة لاستثمار الثورات".

زواج خالي من "الثورة".. أسرة صغيرة لا تتمنى سوى الاستقرار و"الأسعار تقل"

2021_2_11_21_3_50_323

25 يناير عيد ميلاد ابنتنا الأولى.. زواج "أشرف ورشا" موقع بـ"ختم الثورة"

2021_2_11_22_31_40_35

"الفرح عزيز"... الدرس الأول لـ"إبراهيم" في الزواج وقت الثورة

2021_2_11_22_37_43_661

أسسا وطنين في 2011.. أحمد وهند "اتجوزوا" في سنة الثورة

2021_2_11_21_27_37_310

"مجابتش غير وجع القلب".. رحلة أمير مع "الثورة" و"لقمة العيش" و"الفوضى"

0

فيديو قد يعجبك: