إعلان

المُرمم "عويس".. تجربة أَخَّاذة مع "نفرتاري" وخبيئة العساسيف بالقرنة (صور)

11:17 ص الخميس 25 نوفمبر 2021

مُرمم الآثار عويس عبدالراضي خلال عمله بتابوت في خب

كتب- محمد مهدي:

في البر الغربي بمحافظة الأقصر ولد "عويس عبد الراضي" داخل منطقة القرنة القديمة عام 1985 لينشأ الطفل بجوار آثار القدماء المصريين، تُبصر عيناه في كل حين البعثات الأثرية الوافدة على المنطقة، يتابع منذ نعومة أظافره أعمال الحفائر والاكتشافات والترميم التي تدور على بُعد أمتار قليلة من منزله، صار لدى الصغير حلم بأن ينضم إلى تلك التجارب المثيرة بدلا من مشاهدتها فقط حتى قاده القدر لأن يُصبح رئيس قسم ترميم بآثار القرنة "بعتبر المعابد والمقابر الأثرية بيتي بالظبط، دا احساسي من زمان، وكان لازم أفضل قُربهم طول الوقت" يذكرها الرجل الثلاثيني بفخر خلال حواره مع مصراوي.

صورة 1

تربى عبدالراضي في كنف والده، الفنان المُحب لصناعة الحرف اليدوية "بجانب شغله الأساسي في المحافظة كان غاوي يعمل جداريات (هاند ميد) والأجانب كانوا يحبوا صُنع إيديه" انضم الصغير إلى ورشة والده، تعلم الكثير عن الفن والجمال، امتلك موهبة خاصة أراد أن يضعها في أفضل مسار "اختارت أدرس ترميم في كلية آداب جامعة جنوب الوادي" وفي أيام الإجازة حصل على فرصة للالتحاق بالبعثات الأجنبية في منطقة القرنة "اشتغلت معاهم وأنا بدرس في الجامعة في مشروع إنقاذ معبد أمنحتب الثالث".

لمع اسم ابن القرنة في جامعته "بجيب أعلى الدرجات في الترميم، بسبب خبرتي السابقة مع والدي، لأن طبيعة الشغل واحدة" وبعد التخرج مباشر سعى عبدالراضي كثيرا من أجل الحصول على وظيفة حكومية في مجال الآثار "وكان معايا شهادات كتيرة من البعثات الأجنبية إني بقيت مؤهل للترميم" كما تلقى دعم إنساني كبير من "بدوي عبدالرحيم" مدير عام ترميم آثار ومتاحف مصر العليا السابق "وبعد فترة قصيرة اتعينت كأخصائي ترميم في إدارة القرنة، حسيت بسعادة كبيرة إني هاشتغل في المجال اللي بحبه وفي المنطقة اللي اتولدت فيها".

صورة 2

ينظر المُرمم الثلاثيني إلى عمله بفخر شديد معتبرا إياه مسؤولية ضخمة "لأن دوري أرجع رونق الأثر مرة تانية، أعالج المشاكل وأكون الطبيب اللي عنده الدوا، وأمنع أي تعدي عليها من المخربين" خاصة أنه ثاني مُرمم من أبناء القرنة يعمل في المنطقة لذلك انهمك سريعا في إتمام مهامه "اشتركت في مشاريع كبيرة، زي مقابر وادي الملوك ووادي الملكات ومعابد البر الغربي زي الرامسيوم وسيتي الأول ومدينة هابو ومقابر الأشراف وقرنة مرعي ودير المدينة".

الانطلاقة الحقيقة من وادي الملوك "في مشاريع الحفاظ على مقبرة رمسيس الثالث، عملنا في ترميم الجدران ونفس النظام في مقبرة رمسيس السابع وتقوية الألوان ومقبرة سيتي الأول أعظم ملوك الأسرة الـ 19 وتحتمس الثالث" ثم خاض رحلة طويلة في عدد من المعابد "شغلها مختلف لأن الأثر بيكون في مناطق مفتوحة، زي مشروع مدينة هابو رممنا فيه الأعمدة الحجرية والجدران اللي اتاثرت بارتفاع منسوب المياه في المنطقة، عملنالها عزل ومصاطب حجرية وعزل عن مصدر الرطوبة".

صورة 3

وفي معبد الرامسيوم انهمك لفترة طويلة مع زملائه في إزالة الاتساخات العضوية الموجودة في أنحاء المكان "بسبب فضلات الطيور" ثم معبد دير المدينة "كان مسكون في العهود القديمة ومنتشر فيه الأدخنة لأنهم كانوا بيطبخوا في المعبد" استغرق الكثير من الوقت في تنظيف الجدران بالطريق الميكانيكية والكيماوية التي تحتاج إلى استخدام مواد خاصة بالترميم "بعدها تم انتدابي للعمل في معبد دندرة وهو من المشاريع القومية" ثم جائت الفرصة الأكبر على الإطلاق في مشروع اكتشاف خبيئة العساسيف التي تحوي 30 تابوت خشبي آدمي ملون في منطقة القرنة عام 2019.

وبحسب بيان لوزارة السياحة والآثار يعد هذا الكشف من أضخم وأهم الاكتشافات التي تم الإعلان عنها خلال الأعوام القليلة الماضية حيث تم العثور على التوابيت التي تعود إلى القرن العاشر قبل الميلاد في حالة متميزة من الحفظ والألوان والنقوش كاملة ولا زالوا مغلقين، و تم الكشف عنهم بالوضع الذي تركهم عليه المصري القديم حيث تم العثور عليهم مجمعين داخل خبيئة في مستويين الواحد فوق الآخر "كان لازم يتعملها صيانة كاملة وترميم قبل الكشف عنهم في مؤتمر عالمي" اشترك عبدالراضي في عمليات إظهار الألوان الطبيعية والتنظيف وتثبيت القشور الملونة وتدعيم عدد من التوابيت غير المتماسكة.

لا شك أن المُرمم الثلاثيني مُغرم بالقدماء المصريين، يحلم بهم أحيانا كعادة كل العشاق في تحويل أمانيهم إلى مشاهد ساحرة في ساعات النوم "حلمت إني دخلت مقبرة نفرتاري، واشتغلت مع المُرممين" تلك كانت أشبه بنبوءة تحققت بعدها بأعوام قليلة "جاتلي الفرصة إني أشارك في بعثة أمريكية في مقبرة الملكة وتوت عنخ أمون" امتدت يداه إلى الجدران وحجر الدفن لبث الروح في المناظر الأثرية التي تحتاج إلى التنظيف وتثبيت الألوان "كرم من ربنا، مش أي حد يقدر يدخل المقبرة ويسطر اسمه كمرمم فيها".

صورة 4

رغم الأحداث الكبرى التي ظهر فيها عبدالراضي بقوة في مجال عمله لكن طموحه لا يتوقف "أقدم أفضل شيء في المناطق اللي بشرف عليها زي مدينة هابو ودير المدينة ومعبد أمنحتب الثالث، وقريب أخد درجة الماجستير عن مواد ترميم جديدة وناوي بعدها على الدكتوراه عشان أصقل مجال عملي من الناحية العلمية" أن يقضي أطول فترة ممكنة في صحبة الفراعنة، ينهل من عالمهم المفعم بالسحر ويقدم أقصى ما عنده من أجل الحفاظ على هذا الإرث التاريخي.

فيديو قد يعجبك: