إعلان

هل أراك؟| (2) عيون قارة الفلسطينية (بروفايل)

11:01 م الجمعة 26 يونيو 2020

قرية عيون قارة بعد أن سكنها الاحتلال الإسرائيلي

كتبت-إشراق أحمد:

المكان: جنوب شرق يافا. تعج رائحة البرتقال في الأرجاء، ريعان الشجر يخطف القلوب، يُسمع في المدى هدير بحر المتوسط المطل عليه المدينة. حياة بسيطة على أرض ساحرة الجمال.عروس بِكر ود الحاسد لو يتملكها، لكنه لم يكتفِ بالتمنى؛ يخطط قادة الصهوينية "بالورقة والقلم"، يؤسسون جمعيات تُظهر لم الشمل وتبطن "الاحتلال". نحو 140 كيانًا في أمريكا وأوروبا يدفعون اليهود نحو فلسطين. من روسيا يغادر 14 طالبًا جامعيًا، يتصدرون "الهجرة الأولى"، ينزلون هناك عند الساحل البهيج، يخلصون لحلمهم بألا يُذكر من بعدهم لفظًا عربيًا أينما حلوا، يبدأون باسم المكان، يُقرون في أنفسهم؛ من اليوم ليس هناك "عيون قارة" الآن صارت "ريشون ليتسيون".

"الأوائل لصهيون" أو "الأول إلى صهيون" معنى الاسم الذي أطلقه طلاب جامعة "خاركوف" الروسية –أوكرانيا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي- على المستوطنة الثانية في عمر الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، كان معبرًا عن المرحلة، فعلى أرض "عيون قارة" مُهد للنكبة قبل عشرات السنين من وقوعها.

عام 1882 كانت "عيون قارة" مثل الكثير من أراضي فلسطين، يغلب عليها الزراعة، يتقاسم ملكيتها المزارعون وشقيقان من عائلة فلسطينية ثرية تدعى "الدجاني"، يهتم الفلاحون بالأرض، بينما التعامل الإداري لـ"الأفندية". بيارات –مزارع- تمتد على مساحة 3340 دونم (الدونم ألف متر)، تنبسط بمحاذاة ساحل البحر، كأنما نافذة تطل منها على ما خلف الشريط البحري، وربما لهذا تعود تسمية القرية، التي تغيب عن كتب التاريخ والبحث.

في تلك الأونة، من ثمانينيات القرن الـ19، وعلى امتداد ساحل البحر الأسود، كان اليهود يبحثون عن ملجأ يفرون إليه بعد اغتيال القيصر الروسي ألكساندر الثاني، وما أعقب ذلك من قرارات تعسفية ومطاردات بدعوى تورط "أحد اليهود" في الاغتيال؛ تلقفت جمعية تحمل اسم "أحباء صهيون" الأحداث، احتضت التنظيم الطلابي الروسي الحامل للقب "البيلو" وهو مختصر لـشعار "آل بيت يعقوب لتذهبوا ونذهب"، منحتهم الأمان في الهجرة، وبالمقابل أعطوها "صك الإخلاص لإسرائيل".

عملت جمعية "أحباء صهيون" في الأرجاء، ومن فوقهم سياسيين الدول الكبرى، منها الدولة العثمانية الواقعة فلسطين تحت سيادتها، أخذت تفرض ضرائب قاسية على المزارعين الفلسطينين؛ وذات يوم أعلن العثمانيون أن أرض "عيون قارة" عاجزة عن تسديد الضرائب ومن ثم وجب طرحها في مزاد علني.

1-برج المياه في باحة القرية عام 1910 بناه اليهود للتغلب على مشاكل الزراعة

كان المزاد علني، والمشتري معروف، يتقدم نائب القنصل البريطاني في يافا، حاييم أمزليغ، يتخفى وراءه اليهود الروس، وبعد إتمام الصفة مُنحت لـ"أوائل صهيون"، لكن لم تمر الأمور بسلام، احتج الفلاحون وقامت الدنيا بلا هوادة، اضطر العثمانيون حينها بفسخ الصفقة، ومعاودة البيعة من جديد، والتي استقرت هذه المرة في أحضان القنصل البريطاني ومنه إلى جمعية "أحباء صهيون"، ومن ثم الطلاب الروس مرة أخرى.

بثمن 1.5 فرانك فرنسي للدونم الواحد، حط 14 إسرائيليًا على أرض "عيون قارة"، غرسوا حياتهم، ومن ورائهم ثري فرنسي، البارون إدموند روتشيلد يدعمهم بالأموال؛ يحفرون أبار المياة للزراعة، ويقيمون مصنعًا للنبيذ من أشجار العنب الفلسطينية، يفد إليهم جمع آخر، قُدر في العام الأول بمائة شخصًا، وانتزعوا المزيد من الأفدنة، لأعوام بات المكان لهم، كأنهم ولدوا فيه، الأرجاء كلها تشير لذلك، العبرية والصباحات والمساءات المتخمة بهويتهم، وتأكيدًا لواقعهم، صنعوا لدولتهم الصغيرة علمًا، وفي عام 1885 رفعوه على مبانيهم وتغنوا ابتهاجًا بالقادم.

كان العلم لـ"إسرائيل" اليوم، وأما الغناء فالنشيد الوطني للكيان المحتل المعروف بـ"هتيكفا". أعلن "الصهيون الأوائل" النكبة قبل ميعادها بـ66 عامًا، أزيلت "عيون قارة" وُوضع حجر الأساس لكل شيء، عبر مدرسة للعبرية أسسوها عام 1886 وروضة للأطفال أقاموها بعد 12 عامًا، حتى الموسيقى لم يغفلوها، شكلوا لها فرقة بالعبرية.

2 أول مدرسة عبرية

أقيمت "إسرائيل" في الخفاء، كبرت في مختبر صغير، أقام المستوطنون "جيتو" خاص بهم، وصل عدد سكانه اليوم أكثر من 250 ألفًا، ويفوق فيه متوسط الأجور عموم مدن الأراضي المحتلة، عالم جديد وصفه أحد المنتمين لحركة "البيلو" بينما يحكي حياته في ثمانينات القرن الـ19"عالم ريشون ليتسيون يعيش الآن عصره الذهبي".

لم يبق من "عيون قارة" شيئًا، اُنتزعت الطرقات والجدران وأهل المكان، مُحيت حتى من التاريخ، لم يعد لها ذكر بين إحصاء القرى المدمرة البالغ عددها 531 قرية، فقط إشارات بسيطة بين السطور بأن ثمة أرض عربية أصبحت تسمى "ريشون ليتسيون"، وذكرى مجزرة ارتكبها جندي إسرائيلي في 20 مايو 1990، حينما فتح النار على 20 عاملاً فلسطينيًا من غزة ممن لجأوا مضطرين للعمل داخل الأراضي المحتلة.

3في 31 يوليو المقبل ينقضي 138 عامًا على احتلال "عيون قارة"، أجاد المحتلون لعبة النسيان، صنعوا تاريخهم ووثقوه، ولم يعبأوا بالسؤال عما سبق عام 1882، كأن الكون لم يخلق قبل ذلك، فأنشأوا متحفًا للمدينة بداية من هذا التاريخ، بل وحرص المنتمون لأسر المستوطنين الأوائل على تسجيل سيرة أبائهم، مثلما فعل "جيلبرت" الثري المقيم في بريطانيا بإطلاق مدونة باسم "الألبوم الرقمي لعائلة ريشون ليتسيون".

المصادر:

* الموسوعة الفلسطينية الصادرة عن مؤسسة فلسطين الدولية

* كتاب الحركة الوطنية الفلسطينية من النضال المسلح إلى دولة منزوعة السلاح للباحث في الشؤون العربية صقر أبو فخر

* كتاب فلسطين: ضحية وجلادون للمؤرخ الفلسطيني زهير عبد المجيد الفاهوم

*موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية

*موقع "الألبوم الرقمي لعائلة ريشون ليتسيون"

أقرأ أيضًا:

هل أراك؟ (1).. "حصّادين" الأرض المقدسة (بروفايل)

فيديو قد يعجبك: