إعلان

كورونا يحرم القاهرة صخبها.. ما فعلته «ساعات الإغلاق» بقلب العاصمة

06:24 ص الجمعة 20 مارس 2020

وسط البلد خاوية بعد تطبيق قرار الإغلاق لمواجهة كور

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب وصور- عبدالله عويس:

المدينة الصاخبة ليلاً لم تعد كذلك، خفتت أضواؤها، وأغلقت المحال، ورست المراكب النيلية على شاطئي النيل، ولم تصدح مكبراتها بأغنيات. المحبون غابوا عن الكورنيش، والباعة لم يسمع لأحدهم صياح. السكون عم القاهرة قبل أوانه، في أول ليالي تطبيق قرار الإغلاق الجزئي للمقاهي والمطاعم، تفعيلاً لإجراء اتخذه مجلس الوزراء المصري في مواجهة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، والمواطنون على يقين أن مثل هكذا قرار، سيكون له أثر حميد، حتى زوال ذلك الكابوس الذي يجثم على الصدور، والجميع في انتظار ظلمة لابد أن تنقشع، لتعود للقاهرة أصواتها عما قريب.

1

كان شارع الألفي بوسط القاهرة، يعج بالآلاف كل ليلة، ما بين رفاق يرغبون في هدنة من شقاء العمل، وأصدقاء يرغبون في تسلية أوقاتهم، لكن الليلة الأولى لتطبيق قرار الإغلاق الجزئي، والذي بدأ أمس الخميس من الـ7 مساءً وحتى الـ6 صباحًا، ويستمر إلى آخر الشهر، حالت دون الحياة التي اعتادها الشارع رفقة زواره، الذين يأملون أن يكون القرار الذي اتخذ لمواجهة الفيروس المتفشي في دول العالم مجديًا في أسرع وقت.

أصاب كورونا 256 حالة في مصر، توفي منها 7، بينما وصل عدد الذين مثلوا للشفاء منه 28 شخصًا، مع بدء تلك الليلة، لذلك لم يجد كمال غانم غضاضة في أن يذهب إلى بيته مبكرًا على غير العادة، عسى أن يكون جزءًا من مواجهة الفيروس.

2

يعمل كمال في أحد المحال التجارية، والليلة رحل بعد انتهاء العمل إلى منزله دون جلوس على مقهى أو سمر مع أصدقاء "الحكومة خدت خطوة كويسة، أنا عليا أدعم قرارها وأنفذه"؛ يحكي الرجل، الذي مر على الشارع في تمام الـ10 مساء، فإذا به خال من الأعداد التي كان يشاهدها كل يوم.

بمرور الوقت اختفت الأقدام من الشارع إلا قليلاً، بينما كانت الشوراع المحيطة خالية تمامًا، وكراسي المقاهي مغطاة بالمفارش تنتظر إذن التشغيل في صباح اليوم التالي.

استثى قرار مجلس الوزراء، الأماكن التي تبيع السلع الغذائية والصيدليات وخدمات توصيل الطلبات إلى المنازل، لكن هذه الأخيرة عانت أيضًا قليلاً؛ فوسط البلد مشهورة بمطاعمها المتعددة التي أغلقت جميعًا تلك الليلة.

3

بحكم عمله في توصيل الطلبات، لاحظ محمد إبراهيم انخفاضًا في أعداد الطلبات منذ ظهور فيروس كورونا في مصر، ارتفعت نسبته الليلة بالتحديد، لكنه لا يملك رفاهية الجلوس في المنزل "يمكن الميزة الوحيدة إن الشوارع فاضية، فبتحرك بسرعة، لكن للأسف مفيش شغل كتير"؛ قالها بينما كانت الحركة مقتصرة على الصيديلة خلفه التي تبيع بعض المطهرات والأقنعة الوقائية، إضافة إلى الأدوية، فيما بدت الأكشاك ومحال البقالة الكبيرة بلا زبائن تذكر على غير العادة.

4

داخل شارع 26 يوليو، أغلق أحد محال الملابس مبكرًا، وتركت المانيكانات داخل فاترينة من الزجاج، تطل على ذلك السكون غير المعتاد في الشارع، فيما تجمعت قطط على مقربة منها تلتمس طعامًا سقط من أحد المارة سهوًا، مستغلةً الهدوء؛ فلا صوت سوى للعربات التي تتحرك بسرعة في فراغ الشارع.

يظهر شاب نحيل يحمل عصًا عليها حلوى غزل البنات، يندب حظه هذه الليلة، فهو لا يعرف بشأن القرار شيئًا، وقد أتى بكثير من بضاعته أملاً في بيعها والعودة بقوت يومه، لكن رحلته إلى المنزل ستكون خالية الوفاض، رغم تخفيض السعر لجذب الزبون لم يجده "ببيع في العادي بـ3 جنيه، النهاردة ببيع بـ2 جنيه ولو حد اداني جنيه واحد هبيعله بس مفيش"؛ يحكي محمد حسن، وقد اعتاد الخروج إلى العمل عصر كل يوم إلى الثانية بعد منتصف الليل، لكنه عاد والساعة لم تصل إلى الـ12 منتصف الليل بعد.

5

يبحث المتنزهون في شوارع وسط البلد عن مأكولات سريعة يحبونها، أو عصائر ومثلجات، وبين ذلك كله مبيعات عدة لشتى البضائع، أو تسلية بمشاهدة فيلم في إحدى دور العرض، التي أغلقت منذ قررت الحكومة المصرية إلغاء عدد من التجمعات كانت المسارح والسينمات من بينها.

المشهد أمام سينما مترو بشارع طلعت حرب، كان قاسيًا على عبدالعزيز علي، إذ كان محيط السينما دائمًا نابضًا بالحياة، التي عُطلت مؤقتا لحين زوال كابوس كورونا "ده ملوش علاقة بقرار رئيس الوزراء النهاردة، هي مقفولة من فترة، بس بص حواليها مش هتلاقي حاجة والدنيا لسة مجتش واحدة بالليل"؛ ينظر الرجل إلى المكان المهجور وما حوله قبل أن يتحدث من جديد وهو يضرب كفًا بكف: "أهو فيروس مبيتشافش عمل فينا كل ده".

6

أمام فرشة لبيع الجرائد والكتب، جلس ناصر ذو الـ40 عامًا بعيدًا عن فرشته، محتميًا بجدار يمنع عنه الهواء البارد، لا يأمل الرجل في زبائن تصل إليه هذه الليلة، ينتظر الصباح ليبيع ما لديه، ولا يرى مشكلة في الأمر، فالقضاء على الفيروس أولوية، وهو قادر على أن يعطل الحياة تمامًا ما لم تكن إجراءات كهذه قد اتخذت: "ولو حصل حتى حظر وهيوقف عيشي كام يوم مش مشكلة».

7

على بعد خطوات منه كان ميدان عبدالمنعم رياض خاليًا إلا من أعداد قليلة لعمال عائدون إلى منازلهم، ولم يكن الأمر كذلك في الليلة السابقة؛ فالميدان الذي تحيطه المقاهي والكافيهات والمطاعم، لم تفتح واحدة منها أبوابها بعد السابعة، وهو ما كان له أثر في اختفاء المارة بهذا الشكل حسب ما يرى جورج صليب: "طب عبدالمنعم رياض وكان في ناس بتقعد على الرخام اللي هنا، لكن الكورنيش فاضي فعلاً".

المراكب النيلية التي كانت تصدح بأغاني المهرجانات والطرب القديم على السواء، هذه الليلة اختفت؛ فلا أضواء ولا صوت، ولا جالسون على شاطئي النيل، الكراسي التي تمتد على طول الكورنيش هُجرت.

8

من بعيد بدا بائع مخبوزات يحمل بضاعته فوق ظهره بلا أمل في لقاء زبون. المصورون أيضًا اختفوا بأدواتهم التي تميز المكان، ولم يكن للحناطير أي وجود هذه الليلة.

أذان الفجر ينطلق، معلنًا صباح يوم جديد، يعود فيها المواطنون إلى الشارع. فجر يتمنى الجميع أن يزورونا فجر غيره بعنوان نجاة من هذا الفيروس، الذي نهشت مخالبه أجساد 7 من أبناء هذا الوطن، وأصاب 256 غيرهم.​

main - 9

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان