إعلان

بعد انفجار ميناء بيروت.. صاحبة تمثال "سيدة الحرية" تُودّع 2020 بروح مُقاتلة

10:13 م الخميس 31 ديسمبر 2020

حياة الناظر صاحبة تمثال سيدة الحرية

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-رنا الجميعي:

إنفوجراف-مايكل عادل:

زاد إحباط اللبنانيين فوق احباطهم هذا العام؛ فقد مروا ضمن بقية العالم بأزمة فيروس كورونا المستجد، لكنهم قضوا أوقاتًا أكثر حُزنًا وصعوبة، ففضلًا عن العزلة فقد تعرضت العاصمة بيروت لانفجار راح ضحيته 204 شخص، كما لا تزال معاناتهم قائمة بسبب الأزمة الاقتصادية الطاحنة، ومن بين اللبنانيين الشاعرين بالإحباط تُحاول الفنانة التشكيلية والناشطة الاجتماعية، حياة ناظر، بكل قوتها وروحها المُحاربة على طريقتها الخاصة.

في عصر يوم الثلاثاء، 4 أغسطس 2020، كانت حياة ناظر قادمة من طرابلس، ومُتجهة نحو بيروت "وفجأة في نص الطريق حبيت أرجع تاني على طرابلس، وده حصل قبل الانفجار بدقايق"، تُفكّر حياة الآن أنه لولا ما حدث ربما كانت ممن تأثروا بالانفجار "أو يمكن بقيت من الضحايا"، إثر انفجار2750 طن نترات الأمونيوم موجود داخل مستودع بالميناء.

في عمر الثالثة عشر بدأت حياة بالتطوع بالمناطق الفقيرة، حينها اكتشفت الصبية جانبًا فيها لم تره من قبل "حبيت إني أعمل حاجة للمجتمع"، بجانب موهبتها الفنية شعرت حياة أن حُلمها صار حلمين "جمعت بين الموهبة الفنية والهدف بالحياة"، وخلال الاحتجاجات اللبنانية، التي انطلقت في 17 أكتوبر 2019، شعرت بالحماس الشديد، لأنها مزجت بين حُلمها وواجبها تجاه بلدها "حسيت وقتها إن سلاحي هو فني، ما كنت أحب بس إنه يبقى فن جميل ينحط كديكور، لكن يكون بيحاول يعمل تغيير".

ذلك الإحساس الذي تفجّر لدى حياة منذ الاحتجاجات اللبنانية، جعلها تُحوّل حُزنها على البلاد، وحزن كثير من اللبنانيين إلى فن، وقتها صنعت تمثال أسمته طائر الفينيق-ويرمز الطائر بحسب الميثولوجيا الإغريقية إلى البعث بعد الموت-، أبدعته حياة خلال احتفال حشود المتظاهرين بذكرى يوم الاستقلال اللبناني-22 نوفمبر- من العام الماضي.

1

ومنذ ذلك الوقت ظلّت شُعلة الحماس متقدة داخل نفس حياة، حتى الكارثة الأليمة التي وقعت في الميناء، حينها داوت الفنانة جراحها على لبنان وأهلها بنفس الطريقة "نزلت تطوعت، كنا ننضف ونساعد ونشيل ركام الانفجار"، وقد بدأت فكرة التمثال الجديد من هنا؛ "طلبت من الناس على حسابي بالانستجرام ننزل ننضف ونساعد"، استمرت حياة لأيام تُجمع الحطام في شوارع الجميزة ومار مخايل والكرنتينا تبحث بين بقايا البيوت المتهدمة، ومع الوقت تكوّن لدى حياة أكياس كبيرة من الحطام "وما كنت حابة أرميهم بالشارع"، ونقلتهم إلى منزلها المتأثر أيضًا جراء الانفجار "وعملت منهم التمثال".

2

أثناء العمل على النموذجين كانت حياة تطلب من الناس المُساعدة، والكثير كان يستجيب لنُبل هدفها، ففي تمثال طائر الفينيق"كانت الناس تبني التمثال معايا"، شارك متظاهرون من مختلف الأعمار والطبقات والطوائف "من ولد عنده خمس سنين، لرجال ونساء بسن السبعين"، تكرر الأمر مع التمثال الذي أطلق عليه العديد من التسميات؛ سيدة الحرية، ست بيروت، عروس بيروت، وأسماء أخرى "فيه ناس ساعدتني بالتلحيم أو حمله"، حيث يزن التمثال حوالي طن من الزجاج والإسمنت والحديد، وتم وضع التمثال في وسط بيروت مقابل الميناء، يوم 17 أكتوبر الماضي، في اليوم نفسه الذي انطلقت فيه الاحتجاجات اللبنانية العام الماضي، تلك التظاهرات التي أدّت إلى استقالة حكومة سعد الحريري.

3

أثّر الوضع العام بلبنان، وبالذات الاحتجاجات على حياة، فقبل ذلك كان يقتصر إبداعها على صناعة لوحات فنية تجريدية "كنت عم أداوي أحزاني الشخصية من خلالهم"، حيث اكتشفت العلاج بالفن-وهو نوع يمزج بين الفن والعلاج النفسي- "وعن طريقه اكتشفت كتير عن ذاتي"، كانت تلك طريقتها في التواصل بينها وبين عقلها الباطن "وكتير كان بيفرق لما برسم وأحاول إن شخص غيري كمان يشعر إنه قريب منه وعم بيغير فيه".

4

ومع الغضب اللبناني وجدت حياة أن لها أحزان جماعية أيضًا، تخص جموع اللبنانيين، فبسبب الأزمة الاقتصادية التي وقعت فيها لبنان، نزل اللبنانيون إلى الشوارع، وراحت حياة تُحارب "كان بدي أرفع معنويات الناس من خلال الفن"،

لفت تمثال سيدة الحرية الأنظار إليه، تناقلت أخباره وسائل الإعلام، كذلك الفنانون ومن بين "إليسا"، وقامت حياة بحثّ مُتابعيها على التصويت لاختيار اسم محدد للتمثال، الذي سُميّ عبر وسائل الإعلام بعدة ألقاب، أشهرها كان "سيدة الحرية"-على غرار تمثال الحرية الشهيرة بنيويورك- "وأكتر اسم طرحوه كان "حياة"، لكنها رفضت الاسم "أنا مش بعمل هالشي باسمي، أنا بعمله للناس"، ولم يتوصل الجميع إلى لقب سوى منذ ثلاثة أسابيع فقط "وصار الاسم هو (حياة من دمار)"، وهو ما يُمثّل رمزية التمثال بالفعل، حيث يُجسّد النصب التذكاري امرأة صلبة يحمل وجهها أثر جُرح، وتُحاول المضي للأمام.

5

ما تمنّته حياة تحقق بالفعل، باتت أعمالها الفنية- طائر الفينيق وحياة من دمار- ليست مُجرد ديكور، بل تأثّر اللبنانيون بنشاطها الفني المعبّر عن أوجاعهم، وعلى الجانب الآخر امتدّت أيادي لـ"طائر الفينيق" بالدمار، تقول حياة إن هناك شباب تصفهم بأنهم "مؤيدين للنظام"، ترددوا على ساحة الشهداء الموجود بها طائر الفينيق أكثر من مرة لتكسير أجنحته خلال 2020، ولكن القصة كانت لها نهاية حزينة بعد انفجار الميناء "حطموه نهائيًا"، أثّر الأمر في حياة كثيرًا "انحرق قلبي لما شفته كاسرين راسه وسارقينها"، ولم تكن تلك هي المرة الأولى التي يتحطم لها عمل "كنت عاملة قلب من قنابل مسيلة للدموع وبالأحجار، جم كبّوا عليه بنزين وحرقوه، بعتبر إنها مساجلات سياسية لأن أعمالي بتعبر عن الحقيقة اللي بتصير معنا، وعن التاريخ اللي عمّ نكتبه، وبتقول إن المسئولين بهالبلد ضد الثقافة والفن".

6

تلك الحادثة المريرة جعلت حياة تخشى على تمثالها الأخير، فلم يبقْ في مرفأ لبنان طويلًا، احتفظت به بعيدًا، فيما تأمل حياة أن تصنع نموذجًا أكبر منه "مش بضروري يكون حجم تمثال الحرية بنيويورك"، لكنها تحلم بأن يكون بحجم مبنى، ويُقام داخله متحف "والناس تطلع وتشوف بيروت من خلاله"، ترى حياة أن لبنان تفتقر لتلك النوعية من التماثيل الفنية "أغلب التماثيل اللي عنّا، هي تماثيل دينية أو لأشخاص رحلوا، لكن معندناش تماثيل بتعبر عن الناس"، وتحتاج الفنانة التشكيلية إلى الكثير من الدعم المادي والبشري حتى تُحقق ذلك الحلم.

ومع نهاية 2020 تسترجع "حياة" سيرة سنة كانت من أطول الأعوام التي مرت عليها وعلى كل اللبنانيين؛ "لا معنا مصاري ومصرياتنا اللي بالبنوك انحجزت، وكتير من الناس تركت شغلها وشركات قفلت، وفوق هايدا جائحة كورونا"، ذلك هو حال اللبنانيين الذين تراقب حياة وضعهم بهمّ شديد "كتير منهم بدهم يتركوا البلد لأنهم فقدوا الأمل"، كما أنها لاحظت أن حوادث السرقات تزيد ببيروت، أما حال حياة نفسها فقد تأثّرت هي أيضًا كواحدة من جموع اللبنانيين، لكن روحها لم تخبُ بعد، حيث تُفكّر حاليًا في إقامة معارض فنية خارج لبنان، حتى تستطيع الاستمرار بالعيش ببلدها "بدني ضلّ أجرّب لأني معنديش دخل".

7

حين صنعت حياة التمثال، حمّلته برأيها في بلدها العزيز على قلبها، فيسار التمثال تظهر اليد كأنها مُنكسرة، وعند القدم اليسرى وضعت ساعة متوقفة عند الساعة السادسة-توقيت الانفجار- "وكأن الوقت والبلد كلها وقفت عند هاللحظة"، بينما تحمل المرأة بيدها اليمين شعلة وتسعى قدمها للأمام، كما أنها تنظر للأعلى "كأنها تنظر للمستقبل"، بين هذا وذاك ترى حياة لبنان وأهلها "احنا بين الوجع وحُبنا الشديد للحياة"، وكما التمثال فإن نفس حياة مُزعزعة أيضًا بين البقاء والمغادرة، تُحاول بكل جهدها الاستمرار والبقاء في لبنان، وبلهجة حزينة تقول "أنا بختار أعيش بالبلد وشايفة مستقبلي هنا، ومش عايزة أضطر للسفر، لأنه لو صار حرب أو فلتان اجتماعي زي السرقات والجرائم، هيصير صعب كتير إني أبقى".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان