إعلان

سُجن زوجها وأخرى تداينت لعلاج ابنها.. أمهات أشداء على الصِعّاب

04:58 م الإثنين 02 نوفمبر 2020

أمهات أشداء على الصعاب

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-إشراق أحمد:

كان يوم خميس من شهر أغسطس، الناس تتلوى من حر الصيف والزحام في منطقة إمبابة، لكن داخل محل راندا حسين لكي الملابس اختنق المشهد؛ انشغلت السيدة بالعمل، فيما وجد ابنها مالك لعبة له، اقترب ذو العامين من صمام البخار يحركه، وفي ثوان انفخر ضغط الهواء الساخن، احترق جسد الصغير ومعه انكوى منزل راندا بنيران "الحوجة".

بعد شهور، في مكان ليس بعيد، بمنطقة بولاق، ارتبك بيت إيمان محمد، كانت تجلس وأطفالها الثلاثة في سكون قبل أن تستقبل اتصال يخبرها "جوزك اتحبس. عليه حكم غيابي بعشر سنين في قضية تزوير"، خرج الزوج للعمل على سيارة أجرة ومن وقتها لم يرجع، ولا عادت الأم إلى دنياها.

في الحياة لحظات لا يعود بعدها الشخص كما كان، وما شهدته راندا وإيمان غير مسارهما؛ وقفت السيدتان وحدهما في وجه المصاب الذي حل بأهل بيتهما، ليس هناك صلة تجمعهما غير الفرج من بعد المشقة، كل أم منهما ذاقت الضيق، ومعنى ألا يبقى سوى المقاومة لإنقاذ أسرتها، ومؤخرًا تكلل مشوار "المعافرة" بالنجاح"، بعد فوزهما في مسابقة "نوال مصطفى لريادة الأعمال".

لم تعرف إيمان يومًا طريق العمل، تزوجت بعد عامين من حصولها على بكالوريوس الخدمة الاجتماعية، لزمت المنزل وتفرغت لتربية الأطفال، لكن بعدما سُجن الزوج، خرجت مرغمة لتوفير مصدر دخل لها ولأبنائها الذين كان أكبرهم في الصف الثالث الابتدائي "مسحت سلالم وعيادات. بقيت أجيب أي حاجة أبيعها.صعبت عليا نفسي أعمل كده وأنا معايا شهادة. 4 شهور بهدلة لغاية ما عرفت أقف على رجلي".

تخبطت صاحبة السادسة والثلاثين ربيعًا، فجأة فقدت كل شيء لفعل انقضى عليه 8 أعوام "وقت لما اتولد ابني التاني كان جوزي بيوصل ناس بالتاكسي قالوا له هنشغلك معانا وعشموه، وفي يوم واحد منهم طلب منه يصرف بداله شيك من البنك عشان بطاقته مش سارية. الشيك كان لحامله"، لكنه كان مزورًا، يومها عاد الزوج وحكى لإيمان ما جرى دون أن يكون هناك أي شبهة لإدانته "لا راح قسم ولا اتعمل محضر ولا حاجة".

اختفى أصحاب السند النقدي المغشوش، ولم يعلم الزوجان بأمر القضية حتى لحظة القبض على الزوج "راح يوصل ناس قرب مديرية الأمن كشفوا على بطاقته لقوا عليه قضية أخدوه واللي عملوا فيه كده مالهمش أثر"، حينها علمت إيمان أن زوجها وقع في شراك علمية نصب كما تقول.

في ذلك الوقت كانت راندا مازالت تحمل ابنها مالك لعلاجه من الحروق التي أصابت نصف جسده الأيمن، وشخصها الأطباء أنها من الدرجة الرابعة، لم تكف المساعدات المقدمة من الجيران والمعارف لإجراء عملية للصغير "وقتها اتقالي يا إما نعمله بتر يا إما ترقيع"، بالكاد نجا مالك لكن غرقت الأم في الديون "6شهور بجري بيه بعد ما خرج من المستشفى.. كان بيبقى عليا بالألف جنيه للصيدلي في يومين تلاتة. روحت لمراكز تجميل الجلسة بـ300 و400 كانوا يعرفوا حالته يخفضوا شوية لكني كنت بروح بيه مرتين وتلاتة في الأسبوع".

PSX_20201102_203253 (3)

لم تتدع الأم شيئًا يوفر المال لعلاج ابنها إلا وفعلته "بعت حاجة بيتي. بعت أوضة نومي وبعت التليفونات كل حاجة"، ما كان عمل زوجها في محل لبيع الحقائب يعين على نفقات الدواء ولا تسديد الديون، فاضطرت راندا لفتح محل كي الملابس بعد شهرين من الحادث، لكنها لم تقو على العمل "ما قدرتش أقعد فيه كل شوية افتكر اللي حصل لابني"، وعادت الأم لنقطة الصفر.

منذ ثلاثة أعوام وشهرين أغلقت راندا محل كي الملابس الذي استأجرته "كنت فاتحاه قبل اللي حصل بسنة عشان يسند في المعيشة"، لكنه بات مصدر للديون؛ رُفعت على الأم قضية من قبل صاحب المعدات التي اشترتها للعمل في المحل، أصبحت راندا على مشارف السجن لولا أن تداركتها المساعدة من جمعية أطفال السجينات لتسدد ديونها عن المحل باعتبارها غارمة محتملة.

ثابرت ابنة إمبابة لعلاج ابنها البالغ اليوم خمسة أعوام، مّن يراه يخبرها "ربنا بيحبك ده بقى حاجة تانية"، إصرار الأم دفع "التشوه" عن مالك، لكن لهذا ثمن تكبده أهل البيت بأسره.

تدهورت المعيشة يومًا تلو الآخر "البيت وولادي وقعوا"، تجاوزت الصعاب الديون"ابني مصطفى ساب الدراسة من ساعتها كان زمانه دلوقت في ثانوي وعبد العزيز مكملش الجامعة رغم أنه كان مستواه كويس ونفسه يدخل كلية تجارة إنجليزي بس اشتغل عشان يكفي نفسه".

لدى الأم 6 من الصبية، تئن كلما تذكرت أنها لم تعد تستطيع وزوجها تلبية ما يحتاجون، تتألم لرد ابنها الأصغر على ابيه حينما سأله ذات يوم عن العودة للمدرسة "قاله هاجي أقولك محتاج مصاريف وأنا شايف البيت مفيهوش مليم ليه هو أنا مباشوفش".

كذلك تبدلت حياة إيمان بعد سجن زوجها، تخلى عنها الجميع، غادرت شقتها ذات الإيجار الجديد، وبعد مشقة ومناوشة مع شقيقتها سكنت منزل والديها الراحلين، وجدت إيمان نفسها وحيدة حتى جاءها الفرج "صاحبة الحضانة اللي كانت فيها بنتي قالت لي ما تنزلي تشتغلي معايا"، كان ذلك حلم لدى الأم "من زمان بحب اشتغل مع الأطفال"، سبق أن عُرض عليها العمل لكن زوجها رفض، فاكتفت بأولادها.

داخل العمل في الحضّانة اكتشفت إيمان نفسها من جديد "لقيت أني بعرف اشرح كويس للابتدائي فبقيت ادي دروس من أول أولي لحد 6 ابتدائي"، عام وذاع صيتها في محيطها، وطالبها البعض برعاية أطفالهم، فاتخذت من منزلها مكان أشبه بروضة الصغار.

وصلت الأم النهار بالليل لتوفير النفقات "في شهور كان بيدخلي 2و3 آلاف. كنت زي النحلة اشتغل من الساعة 8 لـ11 بليل وشهور وقت الإجازات يدخلي 300 جنيه". اشتد عضد إيمان، تخلت عن الشعور بالاستسلام "لقيت مفيش حاجة أعملها غير أني أقاوم".

1

أصبح لدى إيمان هدف بأن تملك دار حضانة للأطفال تضع فيه ما تحلم من أنشطة وأدوات تعليم سمعية وبصرية، ولا يغيب عنها أولادها وزوجها "عايزة جوزي لما يخرج يلاقيني عملت حاجة مش عايزاه يخرج يتحوج لحد ويضطر يمشي في طريق غلط عشان القرش.. عايزاه يخرج يلاقيني مسنودة".

ذات يوم، أقبل الابن الصغير لإيمان يسألها "هو بابا مجرم؟"، نهرته الأم بحنيه "لا بابا مش مجرم وأي حد يقول عليه كده يبقى وحش وكداب حتى أنا لو قلت لك كده ابقى كدابة بابا أحسن واحد في الدنيا".

اختارت إيمان أن تقف جوار زوجها "لقيت على قد ما هو غِلط لما أدى ناس ثقة ما تستحقهاش وممكن يكون فعله دمر جزء من حياتنا لكن ده ما يمنعش أنه بالنسبة لي بالدنيا وما فيها. بعد والدي ووالدتي ماحدش كان بيطبطب عليا زيه"، قررت الزوجة أن تغفر لشريك حياتها وتحفظ مكانه كأب حتى يعود.

وهو ذاته ما فعلته راندا، حينما اشتد بهم ضيق الحال جراء تفشي فيروس كورونا المستجد "جوزي شغله وقف"، بات عليها البحث عن وسيلة لإعادة الحياة لأسرتها، فاستقوت بالنظر إلى أبنائها "دايمًا بقول هيكبروا ويبقوا أحسن"، ثم مضت.

تقدمت كلا من السيدتين للمشاركة في مسابقة "نوال مصطفى لريادة الأعمال" أقامتها جمعية أطفال السجينات، أكتوبر المنصرف، حملت إيمان حلمها بتأسيس حضانة، وراندا بعمل مشروع خاص لتصنيع وكي الملابس "دي الحاجة الوحيدة اللي بعرف فيها عشان كنت بشتغل طول عمري في مصنع ملابس"، لم تجد غيرها لتستطيع سداد ما عليها من ديون بلغت 30 ألف جنيهًا كما تقول.

لم يكن بحسبان أي من الأمهات الفوز بمنحة المسابقة، ولا أن يجدا ما يربت على كتفهما، لكن ذلك ما حدث، أصبحت السيدتان على موعد لاستعادة الحياة، أن تضع إيمان لافتة باسم ابنتها على المكان المخصص لمشروع حضانتها، وتنتظر عامين ونصف لخروج زوجها بعد تخفيف الحكم، فيما تكسر راندا رهبتها وشعورها بالذنب جراء ما حدث لابنها، وتصنع وتحيك ما طاب من الملابس.

فيديو قد يعجبك: