إعلان

"عن الذكريات السيئة".. شباب يكتبون أغنية للعنف النفسي

04:59 م الخميس 23 يناير 2020

ورشة كتابة أغنية عن العنف النفسي

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-رنا الجميعي:

كانت مفاجأة بالنسبة لعبير حسن ما حدث لها؛ وجدت نفسها تلقائيًا تضيف ذلك المقطع لأغنية تتدرب عليها "البنت عافرت"، سنوات طويلة من الأذى النفسي اختفت ورائها شخصيتها تمامًا، حتى تمكنت من الإدراك أخيرًا، وخلال ورشة كتابة أغنية عن العنف النفسي كانت عبير واحدة من المُشاركين بقوة.

داخل مركز جسور الثقافي أدارت المطربة داليا يونس ورشة لكتابة أغنية عن الإيذاء النفسي، كانت تلك هي المرة الأولى التي تُقيم فيها داليا ورشة كتابة أغنية "صحيح شاركت قبل كدا في ورش جماعية، بس دي أول مرة أدير ورشة"، كان تحديًا جديدًا بالنسبة لداليا التي يحفل مشوارها بالعديد من المشروعات الغنائية، حيث تميل المطربة الشابة إلى الموضوعات ذات التناول الضعيف في الغناء العربي والمصري، لذلك وقع اختيارها على موضوع الأذى النفسي.

منذ عام أطلقت داليا هاشتاج تحت اسم "مضربنيش لكن"، استوحت ذلك من الحملة العالمية التي تم إطلاقها في نفس الوقت تحت اسم "he never hit me but"، وعبر الهاشتاج شاركت عدد من السيدات "وفوجئت إن ناس كتير متعرفش يعني إيه أذى نفسي".

العنف النفسي هو أحد بنود إعلان القضاء على التمييز ضد المرأة الصادر عام 1993، وضمن المادة الأولى أُدرج ضمن الأذى الذي تتعرض له المرأة، والذي ينبغي على الدول تجريمه، وهو كل الأفعال والأقوال التي تسبب إهانة للإنسان مثل الإساءة اللفظية والتهديد وتقليل الثقة بالنفس واللعب بالكلمات وغيرها.

من هُنا ومضت الفكرة في ذهن داليا، وخلال الشروع في الورشة واجهت نوعين من التحدي؛ كان الأول هو "إن الناس المشاركة مش متخصصة في الكتابة، وعاوزاهم يطلعوا منتج نهائي"، والتحدي الثاني هو أن تيمة الموضوع لا يلمسها المُجتمع بشكل كبير، خصوصًا أنه كُلما ذكرت كلمة عنف جرّت ورائها المرأة، دون توسيع الدائرة بأن العنف النفسي يحدث لأي إنسان، وليست المرأة فقط، كما تقتنع داليا.

حين رأى عبد الله الجعفري الإعلان عن الفعالية عبر موقع فيسبوك تحمّس كثيرًا، خصوصًا أنه درس دبلوم في المهارات النفسية "عشان كدا حبيت أشارك"، ورغم معرفته بالعنف النفسي، لكن تجربة الورشة وسّعت مداركه "في الدبلومة أخدت الحاجات دي بشكل نظري"، لكن خلال اليوم الأول من الورشة كان عبد الله يتذكر المواقف التي حدثت معه من قِبل أصدقائه، ويُشاركها مع البقية، ليرتاح قليلًا من عبء ذلك الضغط.

بدأت داليا الورشة بالتعريف للعنف النفسي، كانت مُهتمة بتوصيل تلك المعلومات للمشاركين السبعة "كنت عايزة أفهمهم إن فيه كلمات ممكن تتقال لهم لا هي طيبة ولا حب زايد ولا حنية، دي أذى"، كان اثنين فقط من المشاركين سيدات، أما البقية رجال؛ وهو ما فاجئ داليا "كنت متخيلة الحضور النسائي أكبر"، لكن الورشة أصبحت بذلك الشكل أكثر إثارة للاهتمام "لأن عادة وجهات نظر الذكور بتكون متواضعة عشان مبيعرفوش يعبروا عن نفسهم كويس".

خلال الورشة تذّكر محمد صلاح ما تعرّض له من قبل، فرغم يقينه بمحبّة أسرته له، لكنهم بدون دراية ضغطوا عليه نفسيًا "هما بيكونوا عايزينا نبقى كويسين بس في الحقيقة ضغطهم ليا تعبني"، كانت ملامحه تندهش حين يشارك أحد زملائه بالورشة كلمات قيلت له قبلًا، ليس من الأسرة فحسب؛ بل من الأصدقاء أيضًا، حيث ظلّت الكلمات تتردد داخله "انت نسيتنا يا عم، انت بقيت مهم خلاص".

كان الإندهاش شعور يجمع كل من في الورشة، بمن فيهم داليا التي سمعت العديد من المواقف من قِبل المشاركين، فالجميع اتفق على أنهم واجهوا عنف من الأهل، وبدا أن مسلسل "لن أعيش في جلباب أبي" نموذج جيد للاستدلال عليه، ليضحك الجميع في اتفاق، لم يكن العنف المُواجه من الأهل فقط، بل تذكر صلاح والجعفري ما سمعوه من أصدقائهم قبل ذلك.

أما بالنسبة لعبير فقد أخذت ابتسامة تكبر على وجهها بمرور الوقت، شعور بالفخر يملؤها بنفسها لأنها واجهت أذى نفسي شديد، ورغم ذلك تمكنّت من تجاوزه، لم يكن لديها شعور بالخوف لتشارك ما لديها "لقيتني بتكلم في الورقة كل اللي حاسة بيه".

1

تحمّلت عبير تربية أولادها بمفردها، ورغم وجود زوجها لكنه كان كما تصفه "الحاضر الغائب"، ونتيجة ذلك كان يقع عليها اللوم في تربية الأولاد دائمًا، لازال يتردد داخلها كلماته القاسية "دي تربيتك انتي، انتي اللي قاعدة معاهم"، وكأن لا وجود له على الإطلاق، تسبب ذلك الضغط في أن حياة عبير لم يكن لها أي طعم "كانت المسئولية عليا طول الوقت، وأنا اللي بتلام بردو"، لكن بعدما كبر الأولاد اكتشفت أنها أخطأت في حق نفسها، وعليها العودة لحياتها "كنت ماما بس وماليش أي دور تاني، بس ابتديت أبص لنفسي".

كانت مُشاركة عبير لتلك الورشة ضمن نشاطاتها التي كثرت السنوات الماضية "درست تعليم مفتوح وبعدين بقى ليا اهتمامات".

خلال الورشة عاودت عبير الذكريات السيئة، لكن هذه المرة كانت لتحكي عنها، فيما توحي نبرة صوتها بثقة وفخر كبير بنفسها، وعبر ما تعلمه المُشاركون من الجانب التقني لكتابة الأغنية، نظرت عبير على السبورة التي كتبت عليها داليا أغنية "الحلوة دي"، حتى يتسنّ للمشاركين تأليف كلمات على نفس الوزن والقافية كتدريب، وجدت عبير نفسها تقول "البنت عافرت".

في نهاية اليوم الأول للورشة شعرت داليا بنجاح الفكرة، تمكّنت من تدريب الشباب على كتابة الأغنية، وكان بينهم صلاح الذي يكتب في مجال الأغنية بالأساس "بس اتعلمت جديد المرادي، عرفت إن فيه حروف ممكن تغير معنى الجمل"، كذلك الجعفري الذي جرّب لأول مرة تأليف أغنية على نفس الوزن لأغنية أخرى، وتلك كانت الطريقة التي توصلت إليها داليا لتعليم غير المتخصصين.

حماس شديد يتملّك داليا في إقامة اليوم الثاني من الورشة، كذلك يتطلّع إليه المُشاركون، خاصة أن عليهم تأليف أغنية حقيقية "حابة إننا نلحن الأغنية اللي هتطلع ونصورها"، فيما تأمل أن يتحمّس لإنتاج الأغنية المجلس القومي للمرأة أو هيئة الأمم المتحدة للمرأة في حالة "لو حسوا إن دا شغل حقيقي من ناس مرت بالمواقف دي".

فيديو قد يعجبك: