إعلان

رحلة مع ضحايا الحروق.. لماذا حصل 3 أطباء مصريين على جائزة دولية في الأمراض الجلدية؟ (حوار)

01:21 م الأحد 04 أغسطس 2019

جائزة لوريال الدولية للمسئولية الاجتماعية

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-دعاء الفولي:

في يونيو الماضي، وقفت الطبيبتان داليا جمال وراجية الوشاحي أمام المئات من زملاء المجال، يتسلمان جائزة لوريال الدولية للمسئولية الاجتماعية. لم تغب عن ذهنهما تفاصيل 4 سنوات سبقت تلك اللحظة؛ كيف بدأت علاقتهما بضحايا الحروق في مصر، كيف عالجتا رفقة أطباء آخرين حوالي 3000 حالة من محافظات مختلفة دون مقابل، يتذكران أبحاثهما التي بدأت ترى النور الفترة الماضية، وكيف تحاولان التوصل لعلاجات أفضل لمساعدة الناجين من الحرائق.

بمدينة ميلانو الإيطالية، حضرت الطبيبتان المؤتمر الدولي الرابع والعشرين لطب الأمراض الجلدية، تحدثتا عن تجربتهما التي بدأت بتعاون الطبيب عادل أحمد معهما من مؤسسة أهل مصر لعلاج وتأهيل ضحايا الحروق، وذلك بعد حصولهما على الجائزة خلال المؤتمر المنعقد كل أربع سنوات لخمس تجارب طبية ناجحة حول العالم من قارات مختلفة، فكانت تجربة التعامل مع ضحايا الحروق هي الأولى على المستوى المصري والإفريقي، رغم تقدم 134 مبادرة من 34 دولة حول العالم.

قبل التقدم للجائزة، كان ثمة شروطا واضحة، انهمك الأطباء الثلاثة في إعداد أوراق كثيرة "بنعمل إيه.. عدد المرضى اللي اشتغلنا معاهم.. صورهم قبل وبعد.. بروتوكول العلاج نفسه وهكذا".

لم تتوقع الطبيبتان الفوز "رغم إننا كنا عاملين شغل كويس جدا"، كان الإعلان مفاجئا وسارّا، أشعرهم ذلك بجدوى ما يفعلونه، لكنه لا يُقارن بكلمات الامتنان التي يسمعونها من المرضى الذين تغيرت حيواتهم للأفضل بعد برنامج العلاج.

collage
منذ اللحظة الأولى، أيقن عادل، طبيب السياسات الصحية، أن علاج ضحايا الحروق لا يتوقف على شق واحد فقط "الأمر بيدخل فيه سلسلة من التخصصات، بداية من الجلدية مرورا بالتجميل والأطباء النفسيين لتأهيلهم". عقب عام 2011 وخلال 2012 عمل الدكتور عادل في علاج مصابي ثورة يناير "وقتها كنا بنلاقي مشكلة في التعامل مع ضحايا الحروق"، لم تكن ثمة أماكن مُتاحة لهم طوال الوقت، من هُنا جاءت فكرة مؤسسة أهل مصر التي تترأسها الطبيبة هبة السويدي "لأننا اكتشفنا إن الحروق في مصر عرض لمرض أكبر مرتبط بعدم وجود مساكن وبيئة آمنة تمنع الحروق".. يقول عادل.

بعدما اشتد عود المؤسسة التنموية، التقى عادل بالدكتورة راجية، مدرس واستشاري الأمراض الجلدية بالمركز القومي للبحوث "كان اتفاقنا إنه إزاي نساعد ضحايا الحروق في المركز هنا"، وقتها تواصلت راجية مع الطبيبة داليا، أستاذ ورئيس قسم الأمراض الجلدية والتناسلية بالمركز القومي للبحوث، لتيسير ذلك التعاون بين المؤسسة والمركز، لا سيما أن الأخير به العديد من الأجهزة الحديثة التي تعالج تشوهات الحروق بنسب تصل إلى 70%، سواء من خلال الليزر أو البلازما أو غيرها.
2
رحلة مُركبة يقطعها مُصاب الحروق مع مؤسسة أهل مصر، ويخوضها الأطباء أيضا "تبدأ من البحث على سرير في الرعاية المركزة للشخص"، فرغم أن المؤسسة لديها مرصد بالأسرّة الخالية في مصر، يُعاني عادل وبقية الفريق في إيجاد أماكن أحيانا "بيبقى شعور بالعجز رهيب... ساعات بننزل ندور بنفسنا أو نستخدم علاقاتنا الشخصية عشان نلاقي مكان"، يحكي الدكتور عادل أن هُناك فجوة بين عدد الأسرّة المطلوبة لمصابي الحروق والمُتاحة بنسبة تزيد عن 60%.

حسب تقديرات منظمة الصحة العالمية، يصل عدد ضحايا الحروق سنويا في مصر من 80 إلى 120 ألف شخص. يقول عادل إنه ليس ثمة إحصاءات مصرية رسمية يمكن الاعتماد عليها، مضيفا "ده رقم مُرعب.. لأن ضحية الحريق ممكن يتعمل له من 10 إلى 12 عملية جراحية عشان يقدر يعيش حياته مرة تانية".
3
عقب إنقاذ حياة المصاب، تبدأ دائرة أخرى من التعامل مع المرض. يحكي الطبيب عادل عن سلسلة عمليات التجميل وترقيع الجلد التي يجريها أطباء مختلفين منهم داليا وراجية، تعتمد الطبيبتان بشكل أساسي على ما يُقدمه المركز من دعم لوجيستي لهما، فيما اضطرتا لدفع ثمن بعض الأدوية غير المتوفرة "واللي بتفرق كتير مع الحالات".

لم يكن العمل مع ما يُقارب الألف حالة أمرا يسيرا على الطبيبتين، تعلمتا خلال تلك الفترة الكثير "احنا طول الوقت شغلنا على الجانب التجميلي.. بيجيلنا ناس عايزين شكلهم أحلى.. بس فكرة إننا نرجّع لحد شكله القديم أو نخليه قادر يخرج للحياة تاني ده أمر مختلف تماما".. تقول داليا، قبل أن تسرد كيف كان التعامل مع المرضى صعبا في البداية "لأن التقدم بيكون بطيء والحالة النفسية للمريض بتكون في النازل.. فإزاي نخليه يثق فينا وييجي الجلسات هي دي الفكرة".
4

داخل المركز ثمة بروتوكول واضح للتعامل مع ضحايا الحروق. تروي راجية أن أول ما يحدث هو تقييم حالة المريض بصفة عامة "ايه العمليات اللي اتعملت له قبل كدة.. لون بشرته فاتح ولا غامق.. ولو عنده حرق في أكتر من مكان"، ثم تأتي مرحلة تصوير المريض كل جلسة "ده مهم عشان هو يحس بالفرق والتحسن واحنا كمان نشوف ده"، تحاول الطبيبتان دمج أهالي المرضى في عملية العلاج "لما بيدخلوا الجلسات معاهم ده بيدعمهم بشكل أكبر وبيخليهم يكملوا".

السيدات هُن العدد الأكبر من مرضى داليا وراجية، يجعل ذلك الشق النفسي أصعب، تتذكر الطبيبتان حالات ظن أصحابها أن التحسن مستحيل "فيه بنت عندها 18 سنة كان عندها حرق في إيدها الاتنين وحاولت تنهي حياتها مرتين.. كانت تيجي الجلسة أثر قطع الشريان باين في إيديها.. كنت كل مرة بقول يا ترى هتيجي الجلسة الجاية ولا لأ".. تقول الطبيبة داليا، قبل أن تضيف "بس بعد 7 شهور علاج اتحسنت وبدأت تذاكر ثانوية عامة عشان تدخل هندسة".

علاج الحروق يحتاج الوقت والجهد الكافيين، تعلم راجية ذلك يقينا، لكنها شعرت بالعجز أمام بعض الحالات أيضا، كتلك السيدة التي اُصيبت بحرق في وجهها ثم عولجت بشكل خاطئ "اتاخدت رقعة من الفخذ واتحطت على وشها ونسيج الفخذ مختلف تماما عن نسيج الوجه"، بات الوضع مع الرقعة الجديدة أسوأ "مكنش في حاجة أقدر أعملهالها.. كانت محتاجة عملية جديدة للأسف".
5
يواجه الدكتور عادل مشاكل مختلفة مع ضحايا الحروق، يُعايش مع أهلهم صدمة الحادث الأولى، رأى كيف قام بعض الأزواج بتطليق زوجاتهن بينما مازلن في المستشفى "لأنه مش هيقدر يستحملها وهي كدة"، يعرف كيف يشعر المريض وكأنه عبء على أهله والمجتمع، لذا كان الجزء التأهيلي بعد الحروق أمرا ضروريا.


الدمج من خلال الوظائف والتأهيل النفسي هو أول ما تهدف له المؤسسة، يُلازم ذلك التوعية العامة بالحروق والتعامل معها ودحض الأفكار والعلاجات الخاطئة "زي فكرة إننا نحط بن على الحرق مثلا حتى لو بسيط"، يحاول الأطباء الثلاثة بجانب متخصصي الأمراض النفسية دعم المرضى، فالمجتمع مازال مفتقرا للوعي الكافي لاحتوائهم، خاصة الأطفال، تقول داليا: "أفتكر إن فيه سواق كان بيتعالج معانا بيقولي انا بموت كل يوم 100 مرة لما الناس بتتخض أو بتبص للحرق اللي في وشي".

منذ وضعت "أهل مصر" خطة لضحايا الحروق، درس القائمون على المؤسسة الطبقات الاجتماعية الأكثر تعرضا لتلك الحوادث "وجدنا إن أغلبهم طبقات فقيرة معندهمش مرافق آمنة تمنع حدوث الحرائق" يحكي عادل. لذا فكروا في تقديم العلاجات الصحيحة "من خلال تأمين مساكنهم وبناءها بشكل نموذجي".
6
تأمين المساكن له قواعد حسبما يقول الدكتور عادل "زي إنه السقف ميبقاش من القش وإنه الكهرباء تتوصل بشكل مضبوط والمياه تتوافر ويكون فيه طفاية حريق"، كان الانطلاق من محافظة بني سويف "عايزين نعمل قرية نموذجية كبداية وعلى أساسها ننطلق لباقي مصر"، لم تخُض إحدى المؤسسات التنموية المصرية تلك التجربة من قبل "عشان كدة لسة بنشوف إيه اللي ممكن يتعمل".

حينما تُسأل داليا وراجية وعادل عن طموحهم، يكون الرد ثابتا "ميبقاش فيه ضحايا حروق أصلا"، يعرف الثلاثة أن الأمر مبني على منظومة كاملة تبدأ من الوقاية والتوعية ثم توفر العلاج، فيما يتمنون حال استمرار الإصابات أن ترتفع نسبة التحسن ويُصبح المجتمع أكثر تقبلا للضحية.

فيديو قد يعجبك: