إعلان

"جدل الثورتين".. علاقة ثورة 23 يوليو بـ1919: "تكامل أم خصام"؟

11:50 م الثلاثاء 23 يوليه 2019

ثورة 23 يوليو

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب- أحمد شعبان ومحمد زكريا:

في 21 مايو 1962، احتضنت جامعة القاهرة "المؤتمر الوطني للقوى الشعبية"، قدّم خلاله الرئيس الراحل جمال عبد الناصر "الميثاق الوطني"، الذي حمل رؤية وفلسفة حكم زعيم ثورة يوليو 1952، والتي تحل ذكراها الـ67 اليوم، حيث تضمّن الميثاق عشرة أبواب، من بينها نظرة عامة على جذور النضال المصري، وتقييما لثورة 1919، التي وجّه لها نقداً حاداً، واعتبر أنها فشلت في تحقيق أهدافها، وعلى رأسها الاستقلال الوطني.

لماذا خاصم عبد الناصر ورجال يوليو ثورة 1919 التي احتفلت مصر بمئويتها هذا العام؟ أين وقفت الثورتان من القضايا الوطنية والاجتماعية في ظلّ سياق كل منهما التاريخي والظروف التي أحاطت بكليهما؟ وجدل العلاقة بين الثورتين، كان ذلك محور حديث للكاتب الصحفي عبد العظيم حمّاد في ندوة أقامها مركز دال للأبحاث والإنتاج الإعلامي، قبل يوم من حلول الذكرى الـ67 لثورة 23 يوليو.

صورة 1

اختار عبد العظيم حماد، أن يبدأ حديثه، أو بالأحرى نقاشه، مع القليل ممن حضروا الندوة، وغالبيتهم من الشباب، بوضع ما يشبه تعريفا لثورتي "1919" و"23 يوليو"، ألصق بالثورة الأولى وصف: "وطنية دستورية"، ورأى في الثانية: "وطنية اجتماعية سلطوية"، قبل أن يغوص في حديث لا يفصل بين الثورتين، رغم اعترافه بتمايز وجهتهما، بقدر ما يوحي بتكامل بينهما، فالكاتب الصحفي يُعرِّف التاريخ كـ"حلقة مُتّصلة، لا مُتخاصمة".

فيما يخص النقطة السابقة، لم يبتعد حديث حماد، عما كتبه بمقال "جدل الثورتين"، والذي نشر على صفحات جريدة الشروق، بتاريخ 29 نوفمبر 2018، بل جاء يُعيده ويؤكده، ونصه: "لسنا ممن يرون تناقضا جذريا، واستقطابا صفريا بين ثورة 1919 وثورة يوليو 1952 من المنظور الوطني، بل نراهما متكاملتين، كما أننا نرفض منهج الإدانة الشاملة، وتركيز الخير المطلق في جانب، والشر المطلق في الجانب الآخر.. وعليه فإن أفضل تصور للعلاقة بين الثورتين هي العلاقة الجدلية (بالمعنى الفلسفي) أي إنها علاقة تشتمل على التكامل والتناقض في آن معا، بغض النظر عن المتحيزين ليوليو فقط، أو لثورة 1919 فقط ".

يرى "حمّاد" أن هناك تجنّي من رجال ثورة يوليو 1952 على ثورة 1919، بالرغم من أن الأخيرة حققت إنجازات مهمّة على صعيد القضية الوطنية، منها إلغاء الحماية البريطانية والاعتراف بمصر دولة مستقلّة، ثم معاهدة 1936 التي حصرت الوجود العسكري البريطاني في قاعدة قناة السويس لمدة 20 عاماً، كذلك إلغاء الامتيازات الأجنبية ونظام القضاء المختلط، وهذه كلها "إنجازات ومكاسب مهمّة، بالنظر إلى الظروف الدولية وقتها، فحتى لو لم يتم تحقيق الاستقلال الوطني الكامل قبل عام 1952، إلا أن ثورة 1919 مهدت له"، بحسب ما قال.

مكتسبات أخرى لثورة 19 أوردها الكاتب الصحفي في حديثه، منها تكريس فكرة الوطنية المصرية، ونقل أفكار الحداثة ومبادئها إلى رجل الشارع العادي، وإقامة عدة مشروعات لتحرير الاقتصاد الوطني، وإدخال الشعب طرفاً أصيلاً في معادلة الحكم والسياسة، كما أن "ثورة 1919 كان لها الفضل في تمصير قيادة الجيش والسماح لأبناء الموظفين وصغار الملاك بالانضمام إلى الجيش، وهذا أفاد الضباط الأحرار وسمح لهم بالانضمام إلى الجيش".

أما بالنسبة لثورة 23 يوليو، فقد راح "حمّاد" يّذكّر بالإنجازات التي أحدثتها على الصعيد الوطني والاجتماعي والتنموي، وبخاصة ما أحدثته في عقدها الأول، حيث تفاخر بدورها في هزيمة الاستعمار القديم، ودعم حركات التحرر الوطني عربيا وإفريقيا وعالميا، كما ذَكّر بالإجراءات الاجتماعية التي انحازت للطبقات الأكثر فقراً وتهميشاً، وأثنى على توجه ضباط يوليو نحو التصنيع الوطني، ولهذا رأى أن إنكار هذه الإنجازات أو تشويهها "مرفوضان أخلاقيا ووطنيا، فضلا عن كونهما غير صحيحين تاريخيا".

لا يعيب ثورة 1919 وزعماءها، أنها لم تستطع الحصول على السلطة كاملة، والتي كانت بيد الإنجليز والملك ووراءه أحزاب كرتونية قبل ثورة 1919، وفق الكاتب الصحفي الذي كان له في هذا الشأن تعبيرا ملفتا، شبه النظام السياسي بالكرسي ذو الثلاثة أرجل، لتأتي ثورة سعد زغلول وتضع للشعب قدما، وطرفا في المعادلة السياسية، لكنه يعيب على نظام الضباط الأحرار، تلك "النسخة الفاشية من الفكر الوطني"، والتي أجهضت مشروعها الوطني.

وقعت ثورة 1919 في عدة أخطاء، أبرزها، في رأي "حماد"، هو إغفال قيادات الثورة للمطالب الاجتماعية، وعدم توحيد جهة للتفاوض مع الاحتلال البريطاني من أجل تحقيق الاستقلال، وإصرار زعيمها سعد زغلول على ربط قضية استقلال مصر بوحدتها مع السودان، بالرغم من صعوبة فرض ذلك المطلب على بريطانيا، كما أن حزب الوفد لم يكن له أي امتداد سوداني وبالتالي "على أي أساس أردت فعل ذلك، بالرغم من أن هذا فيه شبهة استعمارية"، على حد تعبيره.

لدى الكاتب الصحفي قناعة راسخة بأن تلك التباينات بين "ثورتي 23 يوليو و1919"، لا تنفي كونهما حلقتان من حلقات الثورات المصرية على امتداد تاريخ الحركة الوطنية في العصر الحديث، بدءاً من الزعيم أحمد عرابي وصولاً إلى ثورة يناير، والأخيرة لخصت وجمعت بمطالبها -في رأي حماد- ما سعى إليه نضال الشعب المصري على مدار تاريخه الحديث: "عيش، حرية، عدالة اجتماعية وكرامة إنسانية".

فيديو قد يعجبك: