إعلان

"المدينة الوحيدة".. كيف صنعت العزلة حياة مختلفة للمبدعين؟

07:28 م الجمعة 01 نوفمبر 2019

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

ريفيو- هبة خميس:
"إذا كنت وحيداً،
إذا كنت وحيدة،
فهذا الكتاب موجه إليك".

تستهل الكاتبة أوليفيا لانج كتابها "المدينة الوحيدة "بذلك الإهداء للوحيدين من القراء، والصادر مؤخراً عن دار كلمات.
في فترة من حياتها وجدت الكاتبة نفسها وحيدة في مدينة نيويورك إثر وقوعها في الحب وتخطيطها للانتقال لنيويورك مع الرجل الذي تحبه، قبل أن يٌنهى علاقتهما بشكل مشوش؛ فتجد نفسها وحيدة في مدينة مزدحمة وغريبة .
تحكي "لانج" عن الوحدة كشعور حداثي له علاقة كبيرة بالوجود في المدن الكبيرة؛ ففيها يسهل أن تشعر بأنك بائس ومهجور وإن كنت محاطا بالآخرين، وتمضي الكاتبة في استخلاص تعريفاً للوحدة وسببها الذي يأتي من عدم القدرة على إيجاد قدر بسيط من الألفة .
في الكتاب الذي استغرق عام كامل، سجلت أوليفيا ملاحظاتها الواقعية عن الوحدة خلال مكوثها في مدينة نيويورك، وكذا أشارت إلى أشهر الفنانين الذين مروا بتجربة الوحدة.

بعد فترة قصيرة بدأت أوليفيا رحلتها في العثور على أدلة مادية تثبت أن هنالك أشخاصاً قبلها مروا بذلك الشعور المؤلم -بالوحدة المتجسدة في نيويورك خلال السبعين سنة الفائتة؛ اهتمت بشكل خاص بتجربة أربعة من الفنانين و هم "إدوارد هوبر، آندي وارهول، هنري دارجر ووننتاروفيتش".

الرسام "إدوارد هوبر" أحد رسامي التيار الواقعي، و تتواجد لوحاته بالفنادق والقطارات، في رمزية عن أناس يبدون مجهولي الهوية في المدن الكبرى، كما تجسد لوحاته مشاعر الوحدة والاغتراب المحاطة بالمجتمع الأمريكي ، منها لوحة "صقور الليل"، لهوبر، والتي تصور أناساً جالسين في مطعم بنيويورك يحيط بهم صمت مطبق ويبدو كل واحداً منهم محتجزاً في عزلته الخاصة.
وأثناء تتبع "أوليفيا" لحياة "هوبر" كانت تحتجز نفسها في غرفتها وتشعر بنفس الفراغ المطل عليها من لوحاته.

"القليل منا لديهم مناعة كاملة من الشعور بشوق أكبر لاتصال إنساني لا نتمكن من إشباعه أبداً. الوحيدون في العالم، مئات الملايين. لا غرابة أبداً في أن لوحات هوبر مشهورة جداً، ويتم إعادة إنتاجها حتى اليوم"، تقول أوليفيا.
من التجارب المؤلمة التي استعرضتها أيضاً، في "المدينة الوحيدة" الذي ترجمه الكاتب "محمد الضبع". كانت تجربة الفنان "هنري دارجر"حارس المستشفى والفنان الغريب، الذي كان يعيش وحيداً في مأوى في شيكاغو كعامل نظافة، في انعدام شبه كامل لأيّ رفقة أو جمهور، كان وحده في كون خيالي بالكائنات المخيفة والرائعة التي رسمها في لوحات كبيرة وظلت حبيسة غرفته، حتى موته في مشفى.
اكتشفت أوليفيا مئات اللوحات المخبأة في غرفته، التي لم يسبق عرضها على أيّ إنسان من قبل، كما وجدت لديه مخطوطة لرواية هائلة وجميلة، وقد نشرت الرواية بعد وفاته وحوِّلت إلى فيلم، كما نقلت لوحاته إلى المعارض الفنية، لكن الصدمة أنّ أحداً لم يكن يعرف عن دارجر، أكثر من كونه عامل نظافة في مستشفى، ظلّ في عمله هذا أكثر من ستين عاماً.

خمّن بعض المحللين الذين درسوا لوحات دارجر وروايته أنّه -قد يكون- مهووساً ومستعداً للقتل، أو اغتصاب الأطفال لأن لوحاته تحمل طابعاً غريباً ربما لأنه عاش طفولة مؤلمة وصعبة ومعظمها كان في ملجأ للراهبات حيث سلمه أبوه، لكن يرجح أنّ دارجر لم يرتكب شيئاً من ذلك. لكنه كان يملك شعوراً دائما بالحنان تجاه الأطفال كما كان يروي بلوحاته ما تعرض له وهو طفل في ملجأ .
و لم تكتفِ الكاتبة بالحديث عن الأربعة فنانين، بل ضمنت أعمال كلاوس نومي الموسيقية ومشروع جوش هاريس الذي كان رائداً من رواد الإنترنت وتجربته التي أهلته للعيش في حياة افتراضية طوال الوقت .وكذلك فاليري سولاناس، التي تمثل حالة متطرفة للشعور بالوحدة والتهميش واشتهرت بعد إطلاقها النار على "آندي وارهول".

وفي نهاية الكتاب وقفت الكاتبة عند البحث عن علاج الشعور بالوحدة للتغلب على الألم والبؤس كما عبر عنها الفنانون: "لا أؤمن أن علاج الوحدة يتمثل في العثور على حبيب، أعتقد أنه يتعلق بأمرين: تعلم الطريقة التي يمكنك فيها أن تكون صديقاً لنفسك و فهمك أن العديد من الأشياء التي تبدو وكأنها ابتلاءات تعرضنا لها كأفراد في الحقيقة هي نتيجة لقوى اجتماعية وسياسية أكبر منا تتعمد فرض الشعور بالعار والإقصاء، والتي يجب مقاومتها".

فيديو قد يعجبك: