إعلان

أهالي قرية "الرضوان": قولوا للكبار "معاوزينش غير دكتور يداوينا"

06:35 م الجمعة 02 فبراير 2018

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- علياء رفعت:

تصوير- علاء القصاص:

على بُعد أقل من ثلاثة كيلومترات من قرية "أم خلف" بجنوب بورسعيد، تقع قرية الرضوان، يدُلك عليها الأهالي بسهولة مُذيلين الوصف بـ"أول مدخل بعد تمثال الحمامة". الطريق مُمهد على عكس نظيره بأم خلف، وبالدخول إلى قلب القرية ينتشر الأطفال الذين يلهون في شوارع تبدو خالية إلا منهم رغم انتصاف النهار. الأمر الذي فسره لنا أحد الأهالي لاحقًا بجملة حاسمة "أغلب أهالي القرية فلاحين مبيرجعوش من المزارع قبل العصر".

2

على جانب الطريق في مدخل القرية، يقع منزل "حمدان" الذي جلس يفترش الأرض أمامه هو وزوجته وابنه، يستدفئون بالشمس من برودة الجو القارصة، نظرة استهجان وضحكة ساخرة علت وجه "حمدان" حين سألناه عن مكان الوحدة الصحية في القرية، لتُجيبنا زوجته "عِندينا وحدة زي معنديناش.. هتلاقيها مقفولة يا بتي". وبعدما علموا بصفتنا الصحفية وصفوا لنا الطريق وهم يطلقون أمنيتهم الوحيدة " قولوا لكُبارات البلد معاوزينش غير دكتور يداوينا".

حوالي عشرين مترًا أو أقل، تفصل منزل "حمدان" عن الطريق الزراعي داخل القرية والذي يقودك رأسًا لمقر الوحدة الصحية المُغلقة، كما ذكرت زوجته.

3

مِزلاجٌ حديدي أكله الصدأ يوصد مقر الوحدة التي تتكون من مبنى واحد كبير ذي طوابق عِدة. لا يوجد أحد في محيط المبنى سوى "عيد" الستيني، الذي يعمل بحراسة مبني المُراقبة العامة لوزارة الزراعة المجاور للوحدة الصحية.

"بقالها سنتين مقفولة على دا الحال" يقولها عيد الستيني، وهو يشرح حال الوحدة التي تم إغلاقها قبل عامين للتجديدات، ورغم عدم اهتمام وزارة الصحة بإيجاد البديل لها، إلا أن الأهالي بنوا مبنى جديدا على نفقتهم الشخصية، والمُثير للدهشة أن المبني القديم مهجور تمامًا، ولم تجر فيه أي تجديدات، كما رصدت عدستنا.

4

"اللي يعيا هنا يموت عادي".. هكذا اتفق عيد مع حمدان وزوجته، منتقدا غياب الخدمات الصحية المُقدمة في القرية، والتي يتحايلون عليها في أغلب الأحيان بالوصفات البدائية المحلية ولكنها لا تفيد في الحالات شديدة التدهور. لم يسمع كُل من عيد وحمدان بقانون التأمين الصحي الجديد، أو بكون بورسعيد أولى المدن المُطبق فيها، وبشرحه لهم أجزموا بفشله من قبل تطبيقه "إذا كانوا مش عارفين يجيبوا لنا دكتور واحد في كُل وحدة والناس بتموت من المرض، هيجيبوا 4-5 ازاي بس!".

5

على الأقدام سيرًا، قطعنا مسافة ليست بالطويلة وصولًا إلى مقر الوحدة الصحية الجديد الذي بناه الأهالي تطوعًا. من الخارج يبدو المبني مهجورا، ولكن بالدخول من بابه المُتهدم تقابلك "يافطة"، كانت مُعلقة قبل أن تستقر أرضًا إلى جوار أكوام القمامة والأوراق، كُتب عليها "إسعاف بورسعيد.. فرع إسعاف الرضوان". إلى يسار تلك اليافطة التي كستها الأتربة، بعض الكراسي البلاستيكية المكسورة، وإلى يمينها غُرفتين مُتلاصقتين، تجلس داخلهما ممرضتان الوحدة الصحية.

من وراء مكتب خشبي صغير، استقبلتنا "حنان" و"سهام" ممرضات الوحدة -أسمائهن مُستعارة حسب رغبتهن- بينما غاب الطبيب عما يُفترض أن يكون مقره. "قال مش جاى النهاردة عشان تعبان شوية.. والناس عمالة تسأل عليه من الصبح" قالتها سِهام، موضحة أنه بعد العديد من الشكاوي التي تقدم بها أهل القرية في مديرية الصحة لعدم تواجد طبيبِ بالقرية، استقر الحال إلى قدومه يومين فقط بالأسبوع، بينما إذا مرض أحد الأهالي في غيابه فعليه التوجه إلى مركز القنطرة أو مواجهة مصيره.

غياب الطبيب المُتكرر ليست المشكلة الوحيدة التي تواجه أهالي قرية الرضوان، فحتى في حال حضوره يمنعه انقطاع المياه الدائم عن مقر الوحدة من تأدية الخدمات الصحية للأهالي، فبحسب "حنان" المياه انقطعت تمامًا عن الوحدة الجديدة منذ شهرين. وحينما حاولوا توصيلها من الماسورة الرئيسية رفض الحي ذلك كونه مُخالفًا، فاضطروا إلى إرسال الأدوات المُستخدمة في الكشوفات للوحدة المجاورة بقرية العاشر لكي يتم تعقيمها ويعاد استخدامها مرة أخرى، وهو ما يُعد ضمن الأسباب التي تجعل الأطباء يتقاعسون عن الحضور.

6

"الناس بتيجي تشتم فينا عشان الدكاترة مش موجودة ويمشوا" ذلك هو الحال الذي تواجهه يوميًا الممرضتان في ظِل غياب الأطباء، وبرغم وجود كافة المستلزمات الطبية والإسعافات الأولية والأدوية بالوحدة حسبما تؤكدان، إلا إنه لا يوجد من يُشخص الحالات أو يصرف الأدوية، فهما لا تستطيعان ذلك خوفًا من المسائلة القانونية حال إخفاقهم.

لذلك تحديدًا ترى "حنان" أن قانون التأمين الصحي الذي تم شرحه لها ضمن عشرين آخرين بمديرية الصحة المركزية ببورسعيد قبل أسبوعين؛ غير قابل للنجاح أو التنفيذ في القرى الجنوبية، مؤكده بأنه سيفشل حتمًا لأسبابٍ عديدة، أولها عدم قدرة المديرية على توفير طبيب واحد بشكلٍ دائم بالوحدة. أما ثاني تلك الأسباب والتي فسرتها "حنان" هو كون الوحدة وسط منطقة زراعية نائية وفي حال تواجد الأطباء ومبيتهم يستلزم الأمر تواجد الممرضات أيضًا، وتوفير طاقم حراسة لحراسة كُل من بالوحدة كونها تتعرض لُقطاع الطرق، والبلطجية ليلًا "أنا مش مستغنية عن حياتي يستحيل أجي هنا بليل، والله وفرولنا حراسة نيجي.. غير كده آخرنا 2 الضهر ونمشي".

7

لا زالت "سهام" تتذكر ما فعلته سوء الخدمات الصحية المقدمة في قريتها بموقف يمر كالشريط أمام عينيها من حينٍ لآخر. لم تستطع أن تُقدم يد العون لا هي ولا الممرضات الأخريات حين ضاق نَفس أحد الأهالي وأصيب بحالة اختناق حادة دون وجود أي طبيب يسعفه بوحدة القرية أو وحدات القرى الثلاثة المجاورة، ليلفظ الرجل أنفاسه الأخيرة وسط عويل ذويه الذين تقدموا -فيما بعد- بشكوى في المديرية ليوثقوا حالة الإهمال الطبي تلك، ولكن "ولا حياة لمن تُنادي".

خارج أبواب الوحدة الصحية لقرية "الرضوان"، كان "علي" يمُر وقت إغلاقها، ليسخر وهو يُشير نحوها بإصبعه الملفوف بالشاش "فاتحة زي قافلة، مفيش فرق ولا خدمة". قبل يومين من ذلك التوقيت كان الشاب الثلاثيني أصيب بقطعِ غائر في إصبعه فتوجه للوحدة ليسعفهم أحدهم ولكنه لم يجد الطبيب، فقرر أن يعاود السؤال عنه في اليوم التالي بعد أن ضمد جرحه بطريقه بدائية، ولكن لثلاثة أيام متتالية كان الرد واحدً لا يتغير "الدكتور مجاش النهاردة"، وكحال قريته جاء حال الوحدات في القرى المجاورة، دون طبيب. ليُقرر الشاب تحمل تكلفة التوجه لمركز القنطرة بعربة دفع نظير إيجارها مِئة جنيه.

في المركز أخبره الأطباء أنه جاءهم في اللحظات الأخيرة وأن مُضيّ يومًا آخر على حال إصبعه دون علاج، كان سيؤدي بالضرورة لبتره، فانصرف الشاب بعد أن دفع خمسمائة جنيه، تكلفة تلقيه العلاج، بينما لا يردد لسانه إلا جُملة واحدة "حسبي الله ونعم الوكيل"

اقرأ أيضا:

"خارج نطاق الخدمة".. هل تنجح مستشفيات بورسعيد في تطبيق التأمين الصحي الجديد؟

 

فيديو قد يعجبك: