إعلان

في اليوم العالمي للمعلم.. "سليمان" 37 سنة من تقديس المهنة

06:07 م الجمعة 05 أكتوبر 2018

الأستاذ عبد الله سليمان

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- رنا الجميعي:

يبدو أن مهنة المُدرس لم تعد مُقدّسة، تناوبت الأيام على تلك الوظيفة، ولم يصير بيت الشعر القائل "قم للمعلّم وفّه التبجيلا.. كاد المعلم أن يكون رسولا" واقعًا، بل اقتربت المهنة كثيرًا من كابوس قائم بين الضغوط المادية واختلاف السياسات، إلا أن أستاذ عبد الله سليمان أصبح ذلك الاستثناء الذي يُمثله بيت الشعر، رغم خروج أستاذ مادة الرياضيات على المعاش لازال طُلابه الذين أصبحوا آباء وأجداد يلتقون به، ويتحول موقف التقائه في الشارع صُدفة محببة للنفس.

في اليوم العالمي للمعلم، الموافق 5 أكتوبر، يحكي سليمان عن مسيرته في مجال التعليم خلال 37 سنة، منذ أن كان مُدرس شاب مازال يخطو ببطء وبدون حماس، مع الوقت صار سليمان قائدًا، تلك النصيحة التي لازال يُرددها حتى الآن، قائدًا تخرّج من تحت يديه أجيال، حتى صار مُدير مدرسة، مُعلّم ليس للجيل النشء فقط، بل لأجيال من المدرسين أيضًا، وحتى بعد خروجه على المعاش لم تختلف عادات سليمان، حيث مازال مُطلعًا على أساليب المناهج التعليم، حتى أن المنهج الحديث الذي أقرته وزارة التعليم لم يختلف عمّا قدّمه سليمان سابقًا.

يتذكر سليمان إلى الآن النصيحة الأهمّ التي تلقاها، وأصبحت أسلوب حياة بالنسبة له، "طول ما انت قائد لازم يبقى عندك المعلومة اللي تديها للتلميذ"، تتردد تلك الجملة في ذهن سليمان، يسترجع ذكريات معسكرات الشباب بالاتحاد الاشتراكي، حينها كان شابًا، يتشكّل إيمانه بتلك المهنة المقدسة. وقتها كان سُليمان في بداياته، لا ينس ما قيل له من أساتذته الأفاضل- الذين يحفظ اسمائهم واحدًا واحدًا- حين كان يُهمل تجاه واجبه.

لكن النصيحة الأبرز التي يذكرها قالها والده "في يوم أخدت أجازة عارضة، راح شاخط فيا، بيقولي يعني انت تقعد في البيت، وفيه 40 تلميذ قاعدين مستنيينك"، منذ ذلك الوقت تعوّد سليمان على ألا يستغل أي إجازة له طالما لم يكن هناك سببًا قهريًا لذلك.
يؤمن سليمان أن أداة المعلم الأساسية هي التطوّر، لا يستقيم المدرس دون الاطلاع على طرق التعليم المُختلفة، أكبر نصيحة يوجهها سليمان هي "مينفعش تفضل على أسلوب تعليمي واحد، لازم التنوع"، الحركة والتفاعل من أهم أدوات سليمان، يُدرك جيدًا أن التلميذ لا يتمكّن من التركيز إذا ظلّ المعلم هو الصوت الأوحد داخل الفصل "لازم يبقى فيه ارسال واستقبال، وأسئلة تنشط ذهن الطالب"، لذا تكون أول ربع ساعة في الحصة أسئلة افتتاحية "المعلومات اللي عايز يقولها المدرس في ربع ساعة والباقي نشاط".

من أدوات سليمان في الشرح هو فناء المدرسة، لم يكن غريبًا بالنسبة له أن يصطحب تلاميذه إلى "الحوش"، ليُعلمهم الدائرة وباقي الأشكال الهندسية، والسالب والموجب، حتى الآن يتذكر طريقته التفاعلية تلك في الشرح، يُفصّلها كأنه لازال يُدرّس لطلبة المرحلة الاعدادية في "حوش المدرسة"، كأنه لم يُغادر مجال التعليم منذ ثلاث سنوات، حتى أن زملائه من المدرسين لازالوا يتصلوا به يستشيروه فيما غفلوا عنه.

رغم خروج سليمان على المعاش، إلا أنه ظل على صلة بأساليب التعليم الحديثة، يبحث على الانترنت، يتبحر في طرق التعليم الأجنبية، يجتهد حتى يجدها مُترجمة، وكذلك لا ينفصل عن الواقع المصري، تراه عالمًا بمنهج الرياضيات الحديث الذي أقرته وزارة التعليم "من يومين اتصلت بيا مدرسة شابة بتقولي إن الطريقة الجديدة شبه اللي كنت بعلمه للولاد".

تدرّج سليمان في سُلم المجال التعليمي، حتى أصبح مدير مدرسة الزيتون التعليمية، مرّ عليه أجيال وأجيال من الطلبة والمُدرسين، شاهد سياسات التعليم المختلفة، ورغم النظرة المجتمعية إلى المدرس التي قللت من قيمته، إلا أن سليمان لازال يرى قُدسية المهنة، لا يرى ضررًا من أن يُعطي الأستاذ دروس خصوصية، لكن تأبى كرامته أن يذهب هو لولي الأمر ليُشير عليه "ولي الأمر يجيله لحد عنده، لما يشوف شغله ويعرف إنه شاطر، غير كدا لا".

لا تستقيم علاقة الأستاذ بالمعلم دون وجود احترام، كما أن سليمان مؤمنًا بالدمج بين صفتي القيادة والصداقة بين المدرس والطالب "مفيهاش مشكلة إن المدرس والتلميذ يبقوا صحاب، لكن دايمًا لازم يبقى المدرس في نظره زي القائد"، يتذكر سليمان المُشكلات الخاصة بطلبته على مر مسيرته التعليمية "ياما طلبة جم يحكولي مشاكلهم الخاصة من نفسهم، هما استأمنوني على أسرارهم ودي مسئولية كبيرة".

حتى الآن مازال طلبة أستاذ سليمان يتصلون به، يفتخر بتلامذته، يتذكر واحدًا منهم، اجتهد ليجعله مُستقيمًا "كان طالب شقي وعامل نفسه زعيم حتى على اللي أكبر منه"، مرة باللين ومرة بالشدّة حتى صار الطالب مُلتزمًا بدراسته، يذكر سليمان بالاسم، يذكر من صار رجل أعمال الآن، ومن وصل لمرتبة الجد، يحكي عنهم كلوحة فخر ستظلّ معلقة فوق صدره.

فيديو قد يعجبك: