إعلان

"الجيران مبقتش لبعضيها".. حكايات من بيوت مصرية تفتقد الدفء

05:28 م الثلاثاء 02 أكتوبر 2018

الجيران مبقتش لبعضيها

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب-محمد زكريا:

تصوير- علاء أحمد وأحمد طرانة وحازم جودة:

40 عامًا مضت، ولا تزال نادية السعيد تتذكر حكايات الجيرة بشبابها، في حي إمبابة الشعبي؛ تبادل الزيارات، الأطعمة والمشاركة بالأفراح والأوجاع.. تقاليد باتت غير موجودة، في حياة السيدة التي تعيش مع زوجها وأولادها بحي الهرم، قل الترابط بينها وجيرانها عما قبل، خفت المودة بينهم، بينما زاد الخوف. الآن، لم تعد الزوجة تعتقد أن "الجيران لبعضيها".

صورة 1

"الجيران لبعضيها" لم تكن فقط مقولة، يُرددها محمد أسامة عبثًا، بل عاش معناها وسط أسرته، بحي المطرية في القاهرة، لوقت يزيد عن عقد ونصف، "أتولدت في بيت فيه خمس شقق، من قوة الجيرة والعشرة، الحاجة اللي كانت تحصل في أي شقة كأنها في شقتي؛ فرح بقى، عزا، مشكلة، غير أكل وشرب طالع نازل في البيت"، لكن اختلف الأمر كليًا مع زواج الشاب، وسكنه وزوجته في منزل بحي مدينة نصر، قبل 4 سنوات.

في زهراء مدينة نصر، بدأ أسامة أولى خطوات استقلاله عن أسرته، لم يكن الأمر في البداية بالسهل، منزل به 24 شقة، لا يعرف الشاب أي من أصحابها أو سكانها، عانى صاحب الـ31 عامًا العزلة مدة 3 سنوات، افتقد فيها لمة العائلة وحنين الجيرة، "مكنتش أعرف أسماء اللي ساكنين معايا في نفس العمارة، ولا كنت بشوفهم، إلا وقت ما نعمل اجتماع مجلس إدارة، ونلم فلوس عشان نصلح حاجة باظت"، وكانت تلك العزلة سببًا في عيش أسامة لأطرف موقف في حياته.

في إحدى الليالي، سمع أسامة صوت لزفة عروس "زغاريط تحت البيت وعربيات"، بينما شاهد رجل وامرأة في لبس الزفاف يصعدون إلى شقة في عمارته. لكن بعد أقل من ساعة، ارتفع صوت العروسين عاليًا، دقائق "ولقيت عربية نص نقل، بتنزل العفش، ومشيوا جميعًا"، خُيل لأسامة أن الخلاف ضرب أواصر العروسين. بينما 3 ساعات، كانت كفيلة، بتعارف كل من يسكن العمارة، بأن ما شاهدوه قبل ساعات، ما هو إلا عملية "مُحترفة" لسرقة الأثاث.

كانت تلك العزلة، وعوامل أخرى اقتصادية، سببًا في هجر أسامة لشقة الزوجية، والانتقال إلى أخرى بمنطقة "العاشر" بنفس الحي "الراقي". لكن لم يختلف الأمر عما قبله. 24 شقة نصفهم مسكونين بالأشخاص. فيما لم يتكون بين الشاب والجيران أي علاقة، رغم إقامته بها لما يزيد عن العام. والأدهى أنه لا يعرف أغلب سكان العمارة. كذا لا يعرف جيرانه بعضهم البعض، درجة اشتراكهم في ضرب جار لهم باعتقاد أنه سارق "شقة مقفولة بقالها شهور، فلما صاحبها جيه يفتحها الكالون عصلج معاه، سألوه عن ملكية الشقة، فقالهم أكيد مش همشي بالعقود، افتكروه حرامي فضربوه".

يُرجع خالد عبد الفتاح، أستاذ مساعد بقسم علم الاجتماع في جامعة حلوان، السبب في انحدار علاقات الأسرة والجيرة والتراحم، إلى ميل المجتمع نحو الحداثة. قائلًا: "كلما كان هناك ميل للحداثة تنحسر العلاقات التقليدية".

ضاربًا المثل: "يحظى الحضر بعلاقات ترابط وجيرة أقل من الريف. وتتمتع المناطق الشعبية بعلاقات اجتماعية أقوى من التي تعرفها المناطق الأكثر تمدنًا". رغم تأكيد أستاذ علم الاجتماع، على انحسار تلك العلاقات في السنوات الأخيرة، من حيث الكم والكيف، وعلى كل المستويات.

صورة 2

كان ارتباط علي حسن، بوسائل التواصل الاجتماعي، سببًا في انحسار علاقاته بجيرانه وأصدقائه. بات الشاب منغلقًا على نفسه. يقول إن الخجل والانطواء إحدى صفاته الموروثة. لكن عززت التكنولوجيا الحديثة من حدتها. لم يعد يهتم بما يدور حوله. كذا لا يتداخل مع مشاكل أسرته الصغيرة. قلل من التواصل مع أقاربه. وانعدم تداخله مع جيرانه. "اكتشفت أن الحياة أكبر وأصعب من البيت الصغير اللي أنا عايش فيه.. دلوقتي يكفيني متطلباتي ومشاكلي"، يقولها الشاب بثقة.

عندما استطلعت المجلة الأمريكية للطب الوقائي، آراء 7000 شخص ممن تتراوح أعمارهم بين 19 و32 عامًا، توصلت في دراسة نشرت بالعام 2017، إلى أن "الأشخاص الذين يقضون وقتًا أكثر على مواقع التواصل الاجتماعي، يصبحون أكثر عرضة مرتين للشكوى من العزلة الاجتماعية".

وقد يؤدي قضاء المزيد من الوقت على مواقع التواصل الاجتماعي، لأن يصبح التواصل عبر الأجهزة الإلكترونية بديلًا للاتصال وجهًا لوجه مع الآخرين، كما نقلت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، عن باحثين، في تقريرًا نشرته مطلع العام الحالي.

تشاماث باليهابيتيا، النائب لرئيس شؤون نمو المستخدمين بفيسبوك في الفترة ما بين عامي 2007 و2011، قال أيضًا في مقابلة أجراها مع كلية الدراسات العليا في جامعة ستانفورد، "اعتقد أننا أنشأنا أدوات تدمر النسيج الاجتماعي".

صورة 3

حسن عبد النبي، لم يختار أن تشهد علاقته بجيرانه شيئًا من التراجع. يعمل عبد النبي في وظيفتين، لادخار ما يُعينه على الزواج. قلل هذا من ارتباطه بما يدور داخل منزله، محيط شارعه وحيه الشعبي، على عكس ما تربى في طفولته.

قبل أيام، فوت صاحب الـ26 عامًا، حضور زفاف صديقه وجاره، فلم يستطع يومها الحصول على إجازة، وكان الغياب عن العمل يُكلفه خصم من الراتب، لذا كان بديله الأوفق الاعتذار عن الفرح، فيما ترك هذا ندبة في قلبه.

ارتباط الأفراد بعلاقات العمل أقوى من ارتباطهم بعلاقات الجيرة والأسرة أكثر من أي وقت مضى، كما يرى أستاذ علم الاجتماع في حديثه لمصراوي.

صورة 4

بينما غير ارتفاع الأسعار في السنوات الأخيرة من عادة "أم محمود" تجاه جيرانها.

أول أمس، طلب محمود من والدته تجهيز وجبته المُفضلة للإفطار، اعتذرت الأم لابنها والسبب عدم توافر أي طماطم بالمنزل، ليسألها الشاب أن تستعير حبتين فقط من جارتها، في تردد رفضت الأم اقتراح الابن، الذي استغرب موقفها هذا، قبل أن توضح له أن "الأوطة بقيت بـ13 جنيه، ومش لازم نتقّل على حد في الظروف الصعبة دي"، ليذهب محمود إلى عمله دون أن يتناول طعامه.

صورة 5

في حي الهرم، لم تعد تتعدى علاقة نادية السعيد بجيرانها حدود إلقاء السلام، وجدت السيدة في ذلك راحة أكبر، رغم حنينها لأيام كانت فيها "الجيران لبعضيها"، فيما تعجز عن تحليل أسباب التغير التي عايشته بنفسها مع مرور السنوات، فقط تعتقد أن الخوف بات حاكمًا لعلاقات البشر وتحركاتهم.

فيديو قد يعجبك: