إعلان

في جنازة عَمّ "مكاوي".. غَرّد بصمتٍ وودعنا

07:13 م السبت 02 ديسمبر 2017

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت - علياء رفعت:

تصوير- محمود بكار:

بين شوارع وسط البلد وحواريها العتيقة، كانت روحه الحُرة تطوف مُحلقة لتودع كل الأماكن دُفعة واحدة لمرة أخيرة، بينما بقى جسده حبيس نعشٍ تطوف به السيارة التي تحمله شوارع تربى وكبُر بين معالمها وأهلها، تحقيقاً لأمنية ووصية كان يُعلنها على الملاء بين مُحبية وأصدقائه حال وفاته "لازم أعدى على البُستان الأول، واخرج بعدها من السيدة نفسية".

بالحُزن، تلونت شوارع وسط البلد وهى تودع ابتسامة روحه الأخيرة ونعشه، ازدحمت بمُحبيه الذين استفاقوا على خبر وفاته في يومٍ خَيّم فيه السواد على مقهى البُستان، مكانه الأثير والمُفضل، كان شِبه خالياً بعد أن ذبُلت زهرة عمّ "مكاوي" –كما لقبه مُحبيه- الذي كان يعطف بحنانه على قططه قبل رواده.

unnamed

*قالّي الوداع.. الوداع قالّي.. حط إيده ف إيدي وقالّي: الوداع.. قالّي*

قبل أيامٍ من ذلك المشهد كان "مكاوي" يجلس في مقهى البُستان كعادته، يستقبل الأصدقاء ببشاشة، ويرُد التحية ممزوجة بابتسامة طيبة إذا ما ألقى أحدهم عليه السلام. طاولته تُرحب دائماً بالأحباب والأغراب، وحديثه عذب يتطرق فيه لكُل النواحي – بثقافة تصل إلى حد الإبهار- إذا ما تجاذب أطرافه مع الجالسين.

في إحدى جلساته تلك، كانت تجاوره "نهلة كرم"، الكاتبة الشابة التى اتخذته أباً روحياً فتباناها أدبياً، لم تكُن تعلم "نهلة" أنه اللقاء الأخير، فمكاوي كعادته يُشرق ويُغدق على من حوله اهتماماً برغم ما يُمكن أن يُصيبه. ساعات مضت على تلك الجلسة، ليلٌ فنهار شعر بعدهم "مكاوي" بألمٍ في معدته، بحسب أخته "فاطمة"، التي هاتفها ليُخبرها فطلبت منه ألا يتأخر ليرتاح بالمنزل بينما هاتفت الطبيب وطلبت منه اسم دواءٍ للمغص كي تُطبب أخيها به، لتطلب منه بعدها أن يلازم الراحة ولا يجهد نفسه حتى تطمئن عليه.

7

*بصيت عليه في الليل ماشي.. والدمعة حايرة مانزلاشي*

أمام مسجد السيدة نفيسة، ومن بين دموعها كانت "فاطمة" تستجير طالبة من الله العون في مصيبة فقد أخيها، ترثيه كأمٍ فقدت وليدها وليس أخيها، وهى تُردد "هعمل ايه من بعدك يا مكاوي.. خليك شوية متمشيش". يُصبرها الأهل، فتتصبر. تمُر الدقائق، ويخرج الرجال النعش من العربة لكي يصلون عليه، فتنهار ثانيةً وهى تناديه بصوتٍ مبحوح "مكاوي.. مكاوي". لتعود وتُتسائل بحزنٍ يُثقل خُطاها "هو رايح وسايبني بجد!".

السؤال ذاته كان يطرحه مُحبي مكاوي -غير مُصدقين- مُنذ انتشر خبر وفاته، حتى أن بعضهم دخل إلى حسابه الشخصي على مواقع التواصل الاجتماعي ليتأكد من صحة الخبر، بينما نعاه البعض الأخر بآخر ما خطت يداه واستمعت أذناه، بكلمات أغنية "قالي الوداع" لشادية التي سبقته بالرحيل منذ يومين، مُطلقاً تغريدته الأخيرة - كـما في روايته "تغريدة البجعة"- بهدوء قبل أن ينعيه المُشيعين في جنازةٍ ضمت كُل مُحبيه. 

4

*شايفاه بيبعد بعيد بالفرحة والمواعيد.. بالذكريات والعيد، مِشي حبيبي مخلاشي"

"عاوزة أشوفه تاني.. مرة أخيرة بس" قالتها "نهلة" وهى تبكيه بحُرقة، مستندة إلى إحدى صديقاتها التي احتضنتها وهى تُهدىء من روعها وتُطمئنها بأنه الآن في مكانٍ أفضل من دُنيانا. تُصبرها وتُعزيها بينما تبقى "نهلة" على حالها تنتفض حُزناً لفراق من كانت ترى فيه الأب والصديق، من أحبته بصدقٍ يوازي صدق بطلة روايته الأخيرة "أن تحبك جيهان". فيما ظل لسانها يُردد كلمة واحدة "عاوزة أشوفه".

10

* أخد النسايم والضِلة.. وقالي الوداع*

خلق "مكاوي" تيهاً بنفوس شخوص رواياته الباحثين عن الحرية، الاستقرار، وحُلمٍ بحياة أفضل، وخَلف تيهًا مُماثِلاً في نفوس مُحبيه بوفاته. لم تسلم أخته "فاطمة" من ذلك التيه هي الأخرى، فقدماها لم تحملاها على الدخول إلى المسجد للصلاة عليه، خرتّ على أحد الكراسي أمامه وهى تُردد "كان كويس وزي الفل.. المغص راح منه وبقى كويس، إزاى فجأة يروح مني كده!". ترتشف بعض قطرات المياه ويجفف عرقها بعض النساء الباكيات، بينما يُصبرها البعض الآخر، فتصمت قليلاً لتعاود الحديث مُرددة "كان أمير بيحب كُل الناس والناس بتحبه.. معرفش هعمل ايه من بعده ولا هيسيبني لمين؟".

هادئاً، مُلتصقاً بالبشر وبحكاياهم عاش، وبالهدوء ذاته ودعنا ورحل، ليترك خلفه إرثاً يدُل عليه، بصمةً راسخة، ورُكناً فارغاً بمقهى البُستان لن يملؤه "سعيداً" غيره أبداً.

فيديو قد يعجبك: