إعلان

بالصور.. كواليس حفلة ''الأمل''.. أثر الفراشة لا يزول

06:17 م الأحد 20 أبريل 2014

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت – دعاء الفولي:

كانوا يغزلن أصواتهن الخاصة بعيدًا عن ضجيج الجانب الثاني من العالم، تسمع إحداهن إلى موسيقى من صنع الخيال، ألحان لم يؤلفها أحدهن قط، أغنية دون كلمات، تشعر بها في القلب، تُعبر عنها بالجسد، تتبع حركات المعلمة في تركيز، تدق قدماهاعلى الأرض بفرحة، تدور كفراشة، تقفز مسافة صغيرة، تفرد ذراعيها إلى الأمام بإتقان، تعود خطوة إلى الوراء، تبتسم تلقائيًا، تمسك أرواحهن بتلابيب الحلم والشغف.

في ذلك الوقت من كل عام، تتجهز بنات مدرسة الأمل للصم والبكم بمنطقة السيدة زينب، لحفل يقدمن فيه استعراضات، يحضره أعضاء وزارة التربية والتعليم، ''هدير محمد'' و''نورا سيد'' تغرق كلٌ منهما بتدريبات يومية، الأعين مشرأبة مع حركات المُعلمة ''كريمة الدسوقي'' التي تصمم الاستعراضات، الأولى أكبر البنات المشاركات سنًا بالثامنة عشر، في الصف الثالث الثانوي، ترقص في الاستعراضات منذ المرحلة الابتدائية ''بحب الرقص''، تعبر بإشارات الصم والبكم، تترجم ''زينب عبد العزيز'' إحدى المُدرسات. تضع ''نورا'' كوعها على كتف زميلتها الأكبر، تتكلم بيدها ''أنا برقص من وأنا عندي 7 سنين''، تسارع ''ماما كريمة'' كما يناديها المدرسات وتعاملها الفتيات بالقول إنها تلعب الجمباز منذ هذه السن، قبل الالتحاق بالرياضة المدرسية.

شهر سبتمبر القادم ستخرج ''الدسوقي'' على المعاش، 25 عاما قضتها في تدريس التربية الرياضية، منها ما يقارب العشرين عاما بمدرسة الأمل، تذكر أول مرة بدأت فيها تعليم الفتيات تأدية الاستعراضات ''بترجملهم الأغنية بالإشارة لحد ما يحفظوها تمامًا ويتفاعلوا معاها''، الخطوة الثانية تأتي عندما تصمم المعلمة الحركات بالأرقام ليسهل عليهن عدها ''كل حركة بتتعمل 3 مرات مثلًا فبيحفظوا لو أنا مأدتش قدامهم هيعرفوا لوحدهم''.

''سارة مختار'' و''هاجر مختار'' توأمتان في الصف السابع الابتدائي ''في مدارس الصم والبكم الإبتدائي 8 سنين لأن المناهج مخففة'' على حد قول معلمتهما، تشاركان في التدريبات على استعراض الحفلة، تتبع إحداهن تعليمات ''يسرية شعبان'' التي تُلقنهما باحترافية، بينما تتجه الأخرى بعينيها إلى الأعلى، تتشتت فلا تفعل مثل بقية البنات، تنهرها ''شعبان'' لتلفت نظرها، تتقدم أفضلهن في الحركة الصفوف ''لما بتبدأ الدراسة بنزل الابتدائي كلهم وأخليهم ينفذوا زيي وبختار منهم 12 طالبة''.

لافتة خشبية لجانب حوش المدرسة الصغير، عليها إشارات تُساعد في التواصل معهن، مديرة المدرسة تمر في حالة من التأهب تطمئن على التدريبات، ''فوزية أحمد'' ذات الستة عشر عامًا، تقترب في تؤدة من زميلاتها، تدخل في صفوف بنات الثانوي الثلاث المتراصة، يتراجعن للخلف، تذهب المدرسة الستينية إلى جهاز كاسيت متهالك قليلًا على جانب الحوش، تضغط زر التشغيل؛ أغنية للفنان محمد حماقي، قطع من الزينة الصفراء تمسكها الفتيات، تتطاير مع حركتهن السريعة، بينما ''فوزية'' في منتصف الاستعراض، على استحياء تؤدي الرقصة، تفضحها سعادة عيناها.

عكس الباقيات، تلك المرة الأولى لـ''فوزية'' للاشتراك في التدريبات، كلمات توضح امتنانها للانضمام لصديقاتها على لسان المدرسة ''بتقول إنها بتحب الرقص من زمان وبتنبسط بالتربية الرياضية''، تظهر همهمة غير واضحة ل''هدير''، تفهمها ''الدسوقي'' وبقية المعلمات، يضحكن جميعًا، تقول إحداهن ''هدير بتقول إنها بتحب ماما كريمة عشان كدة بتحب الاستعراضات''، يحمر وجه السيدة الستينية خجلًا ''أنا كمان بحبهم ومبيقولوليش غير يا ماما''.

''يسرية'' تجلس بين تلميذاتها، أصغرهن ''خلود كمال'' بالصف الأول الابتدائي، نظارات بنفسجية اللون فوق عيناها الزرقاويين، شعرها الذهبي، نحيلة الجسد وسط رفيقاتها تحاول تتبع خطواتهن في الرقص، تقع أرضًا، ثم تسرع بالوقوف، صديقتها الأكبر سنًا وقفت لجانبها تقوم بدور المترجمة رغم أنها لا تسمع ولا تتكلم، تسائلها عن مدى سعادتها باقتراب الحفلة، فتحت الطفلة ذراعيها بأقصى درجة استطاعتها، لم تحتاج الإشارة لمترجم، تتعب المدرسة الخمسينية من الوقوف طيلة النهار لتدريبهن؛ فتجلس على مقعد، ويلتففن حولها.

''انا اشتغلت 8 سنين في مدرسة عادية قبل ما أجي هنا''، اعتقدت مدرسة التربية الرياضية الابتدائية أن التعامل مع الصم والبكم سيكون مُرهقًا ''لكن بالعكس لقيت استجابة جيدة جدًا''، تكمن مواطن قوة البنات في تنفيذهن الحركات كما تفعلها تمامًا ''هما بيعتمدوا على العين فقط وبالتالي مجرد ما عرفوا وشافوا خلاص حتى لما بيطلعوا أجازة وبيرجعوا ما بينسوش''، لا يتوقف تواصلها ومعلمة الثانوي معهن على الاستعراضات فقط ''بييجوا يحكولنا مشاكلهم''، تلجأ لها الأمهات أحيانًا للتواصل مع البنات ''أحنا لغة الإشارات عندنا أفضل، فيه بنات بتجيلي أمهاتهم عشان أعاقبهم وأعرفهم الغلط''.

إذا كان حلم الرقص على موسيقى أغنية غير مسموعة قد تحقق ل''هاجر''؛ فهي لا تستبعد أي شيء آخر، ''نفسي أدخل كلية هندسة''، بلغة الإشارات تمنتها وقالتها ''أصلي بحب الرياضة''، وافقتها ''فوزية''، بينما رفعت ''نورا'' يدها التي زيّنها خاتم ذهبي ''هتتجوز وتقعد في البيت''، أحد المعلمات تتحدث عنها، بينما تسند الفتاة ظهرها إلى الحائط في ثقة. حزن يخالطه ارتياح بنفس ''الدسوقي''، تحب المدرسة والبنات، وتبتغي الراحة في المقابل ''قالولي ممكن نمد لك في المدرسة وتبقى مستشارة رياضية بس مش قادرة''، تنظر لهن نظرة جانبية ''أنا كنت بطلع بيهم رحلات كشافة في محافظات مصر كلها''.

بينما تودع ''يسرية'' صغيراتها، يأتيها أحد أولياء الأمور، تطلب منهم بإلحاح الاهتمام بزي البنات ''هيبقوا لابسين فساتين موحدة والبنات الكبار لهم زي مختلف''، تشير لها إحدى البنات بإشارة الوداع، تحرك المعلمة شفتاها بالكلام ''قولي لماما تحطلك الفستان في الشنطة وتعالي بيه عشان أشوفه''، تهز الفتاة رأسها صعودًا وهبوطًا بالموافقة، بنات الثانوي يجمعن أدوات الزينة اللاتي استخدمنها في التدريب على الاستعراض، فرصة جديدة سنوية ينتظرنها، بين المعلمة، المديرة، ولي الأمر، والطالبات، احتفالية على هامش حياتهن الصماء، سعادة لا تنقطع، لأنها لا ترتبط بالحواس اللاتي فقدنها، بل بأنفسهن التواقة للانطلاق.

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة..للاشتراك...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك: