إعلان

''نعيمة'' في 21 مارس.. ''العيد'' محجوز خلف القضبان

11:09 ص الجمعة 21 مارس 2014

''نعيمة'' في 21 مارس.. ''العيد'' محجوز خلف القضبان

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- إشراق أحمد:

14 يناير تاريخ تحفظه ذاكرتها منذ 36 عامًا، تهم بالصباح مرتدية حلتها، تخطو أقدامها خارج منزلها بالزاوية الحمراء، قاصدة بنك ناصر بمنطقة شبرا، 45 جنيها تنتظرها كل شهر بعد وفاة الزوج ''محمد إبراهيم''، الذي تركها شابة بطرف جلبابها يتشبث أربعة أبناء، سنوات تمر على المنوال ذاته، في ذلك اليوم، تغيرت أحوال ''نعيمة سلامة اسماعيل'' وأبناءها مثل البلاد؛ زاد المعاش المتحصلة عليه بعد الثورة، كبر الأبناء والأحفاد، ولا تزال بمفردها تقضي احتياجاتها.

فور ''قبض'' المعاش تتوجه لزيارة ابنتها القاطنة في فيصل بالجيزة، خططت لهذا اليوم من عام 2014، فإذا بمظاهرات لا تلبث أن تتحول لاشتباكات، تحتمي المُسن المشرفة على عامها الـ64 بمدخل عمارة، تقابلها سيدة تُطمئنها بالمكوث حتى ينتهي الأمر، ثوان يحضر ضابط يصطحب السيدة المنتقبة لتتحول منذ تلك اللحظة لأكبر محتجزة بسجن ''القناطر''.

''التظاهر دون إخطار، تعطيل المرور، الاعتداء على الممتلكات والإخلال بالأمن العام'' التهمة التي بصددها صدر الحكم عليها في 17 مارس الماضي بالسجن عام مع الشغل وفقًا للمادة 21 من قانون التظاهر الجديد حسبما قال ''خالد عبد الرحمن'' محامي الدفاع عن السيدة و10 آخرين ضمن القضية. ارتداء ''نعيمة'' النقاب كان بالنسبة لصاحبة المنزل تأكيد للظن أن السيدة الستينية تنتمي لجماعة الإخوان المسلمين كما قال ''أسامة محمد'' - الابن الأوسط لـ''نعيمة''.

الزوج يعمل بالنجارة، وشريكة حياته لازمت المنزل بشارع السيد يونس في الزاوية الحمراء لتربية الأبناء، ثلاث غرف وصالة تحتضن الأسرة، يصارع رب الأسرة مرض الفشل الكلوي، يتوفى إثره، باتت الزوجة وحيدة وأولادها، يصر والدها على الانتقال لبيت العائلة، لا يبعد عن المنطقة كثيرًا ''من شقة لشقة'' انتقلوا، ظلت صورة الأب تكلل حائط المسكن، الذي كان أكبر أبنائه ''إبراهيم'' في العاشرة من عمره، يصغره ''هناء'' و''أسامة'' بأعوام أربعة مجتمعة لكل منهما، بينما الصغيرة ''نجلاء'' في الرابعة من عمرها لا تدرك مَصاب الأسرة التي تغيرت أحوالها من يسر الحال إلى حفنة جنيهات تعتمد عليها الأم بعد أن صارت رب العائلة.

عفة نفس ''نعيمة'' منعتها من الرضوخ لتعنيف والدها كي تترك العمل الذي لجأت إليه، رغبة في حفظ ماء الوجه عن الحاجة لأحد ولو أقرب الأقربين بعد وفاة زوجها، ''خياطة'' انكفأت تعمل طيلة أيام العام، لا يوقفها سوى أيام الأعياد، بها تتحول لصناعة ''الرقاق''، جنيهات ظلت تسعى لتوفيرها، تغنيها وأبناءها الذين حرصت على تربيتهم واستكمال تعليمهم، فإن لم يكن لديهم رغبة في مستقبل أفضل، هى لا تريد الشعور التقصير والتفرقة بين فلذات كبدها.

على الرغم من أنها ''كانت رايحة تقبض معاشها وتزور بنتها بعد كده''، ولجوئها إلى العقار للاحتماء بعد دوي إطلاق النار نظرًا لسنها الكبير ومرض قدميها الذي منعها من الجري للابتعاد عن المنطقة، ومع كتابة ذلك في محضر النيابة حسبما أكد ''محمد''، غير أن التجديد 15 يوم كان منوال عرضها في كل مرة أمام النيابة بتهم ''الإخلال بالأمن العام، والانتماء لجماعة محظورة، والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، ومواطنين عموميين ومنهم السيد علاء خلف الله ضابط بالقسم والقوة المرافقة له'' في حين أن الحرز كان ''موبايل'' خاص بها، وفقًا للمحامي، وذلك إضافة للاتهامات التي سجلها محضر القسم ''حمل إشارات معادية للدولة، وتعطيل حركة المرور والسيارات وتعطيل الاستفتاء''، إذ وافق يوم نزولها إجراء عملية التصويت على الدستور.

حول ''الوابور'' كان ملتقى العائلة الصغيرة التي همّ صغارها لمساعدة والدتهم، ''الأمانة وعزة النفس ونرفع راسنا ومش عيب الشغل العيب إننا نستنى أو نشحت من حد، أوعوا تطلعوا أسرار الشغل بره'' كلمات بثتها الأم في نفوس أبنائها، وضعتها في حلقات أذنهم، حفظها الصبيان والفتاتان بينما يسعون في حياتهم، تعمل الأم، يذاكر الصغار، تبكي لرؤيتهم يقرأون بالكتب ''كان نفسها تمسك المصحف وتقرأ''، تدق عقارب الساعة المكللة للحائط الخالي إلا منها، تمر الأيام والسنوات والمرأة لم تخلع عنها السواد حزنًا لفراق الزوج، على صبرها تدفع به نفسها تارة وتمنحه للأبناء تارة أخرى.

''التريقة'' كان مصير تجاهلته السيدة الستينية في حياتها، مع إتمام عامها الخمسين قررت ارتداء النقاب فصدمتها الكلمات ''أنت كبرتي خلاص''، وحينما عزمت التعلم لم تعبأ لقول الأقارب والمعارف ''بعد ما شاب ودوه الكتّاب''، لتلقى مرة أخرى أقاويل، شاء القدر أن تتجاهلها عن غير قصد ببقائها خلف القضبان''هي إيه اللي وداها هناك'' كلمات أطلقها أخوات بيت العائلة والأقارب عقب معرفة خبر احتجازها.

الأم المثالية لقب منحته لها الشؤون الاجتماعية، يتذكر ابنها الأوسط ، رغم نسيانه المكان ''فاكر إننا ركبنا عربية لكن فين بالظبط مش متذكر''، كان يبلغ 11 عامًا، حينها أصبح حقًا عيدان، في 11 مارس 1950 ولدت ''نعيمة''، ابنة وسطى تنضم لعائلتها، أيام ليعاود الأبناء الأربعة تهنئة والدتهم مرة أخرى في 21 بمناسبة عيد الأم، مجيء الشهر الثالث يعني سعادة تدخل على قلوب العائلة، لحظات بكاء لا ينساها ''محمد'' رغم تماسك أمه، مر يوم ميلادها خلف القضبان، ''أنا عايزة أخرج تعبت'' قالتها له أثناء زيارته لها بالسجن قبل النطق بالحكم، فالظن كله ذهب للبراءة ''مالناش توجه ولا ننتمي لتنظيم يعني مافيش حد ممشينا''، والمبيت ليلة القبض عليها كان الشاغل الأكبر للأبناء''كنا زعلانين على الليلة اللي هتباتها في القسم''.

التاسعة مساءً توصل الأبناء إلى والدتهم بعد ساعات من البحث في المستشفيات ''ماجاش في بالنا أنها تبقى في القسم يتقبض عليها ليه''، وأكد صحة مسارهم أحد ضباط قسم الساحل الذي توجهوا إليه بعد مسح جميع مشافي منطقة الزاوية الحمراء وشبرا ''مين اللي ماعندوش دم اللي يبقض على واحدة عندها 64 سنة''، تنحى الأبناء عن فكرة احتجاز والدتهم مع كلمات الضابط الذي لم يكن على علم -حسبما قال الابن- لكن إحساس ما تسرب إلى نفس الأخ الأكبر فلجأ إلى حيلة بالمطالبة لإعطاء الدواء لوالدته من آخر، وثبت الأمر بعدها بتواجد السيدة المسنة بالقسم.

من قسم الساحل إلى الأميرية وأخيرًا القناطر، لم تتعرض السيدة الستينية للإساءة'' حتى الضباط كانوا بيطموننا قالوا لنا متخافوش عليها'' على حد تأكيد ''محمد'' لكن ما تصور يومًا الأبناء أن يأتي يوم ميلاد والدتهم وهم يسعون لزيارتها خلف القضبان، وهى لم تعرف الطريق يومًا إلى القسم''أمي لا تقرأ ولا تكتب''، لكن السكينة ظلت رفيقة المُسن حتى بعد الحكم الصادر ضدها في ثاني جلسة للحكم بعد الأولى التي تمت في الثالث في مارس الجاري.

''مش عشان هى أمي لكنها تعبت'' يؤمن الابن الأوسط للسيدة أن والدته كافحت و''صبرت وربنا عوضها'' في أولادها الذين تبوأوا مراحل تعليمية عالية ''أخويا الكبير محاسب وأختى الصغيرة مهندسة والتانية مدرسة'' وكذلك الابن الأوسط يعمل بالتدريس، يتذكر يومًا أن قال لا يريد استكمال تعليمه فأبت أن يقل عن أخوته، ودأبها للتعلم رغم بلوغها الخمسين عامًا، التحقت بفصول محو الأمية وتحققت رغبتها في قراءة القرآن فحفظته كاملًا قبل أعوام بل إنها قررت الدراسة الفقهية في أحد المعاهد، يفتخر ''محمد'' بوالدته، تئن نفسه مع اقتراب يوم 21 مارس ''كان نفسي أمي اللي يكرموها الأم المثالية لكن ربنا إن شاء الله هو اللي يكرمها عنده''.

''طول عمرها مبتلية'' عرفها ابنها الأوسط ''أسامة'' وأخواته الثلاث والمقربين منها، ففي البدء وفاة زوجها، وقبل أيام من احتجازها رحلت أختها ''كانت مقربة منها جدًا وزعلت عليها''، ليأتي السجن استكمالًا لمسيرة صبر الجدة لـ11 حفيد على مصابها الذي تأتي به الأيام وتقابله بالحمد والجلد، حسبما قال ابنها.

لم تعد الأم هي من تتضرع إلى ربها من أجل قرة عينيها، بل هم من يرجون طيلة الأيام الـ67 السابقة في اجتماع شملهم بوالدتهم، يحتسبون أن يرفع ذلك من قدر والدتهم، يتلهفون بالدعاء في 18 يوم المقبلة آملين في الثامن من إبريل أن يتم قبول الاستئناف على الحكم الصادر، لتعود الأم إلى أحضان أولادها تستقبل معهم مولد حفيدة جديدة ينتظرها الابن ''أسامة'' بعد شهر ونصف لينضم إلى العائلة ''نعيمة'' صغيرة

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك: