إعلان

حي مصر الجديدة ..شاهد إثبات على "تدمير التراث"

09:49 ص الأحد 25 أكتوبر 2015

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

تحقيق- علياء أبوشهبة ونور عبدالقادر:

"صعب ترجع مصر الجديدة زي ما كانت، ولا نطالب سوى بتحسين سبل المعيشة والحفاظ على ما تبقى من تراثها، وتقليل الاختناقات المرورية وحل مشكلة الميريلاند والمترو والجراج" ..عبارات بدأ بها الحاج محمد عوض الله، الرجل السبعينى، أحد ساكني حي مصر الجديدة حديثه إلى مصراوي عبر فيها عن الوضع الحالي الذي يشهده حي مصر الجديدة، وهو ما رصده مصراوي.

منذ الإعلان عن تطوير حي مصر الجديدة بدأت عاصفة الغضب من أهالي الحي؛ محافظة القاهرة أعلنت ومازالت عن تطوير الحي، وسبب الغضب هو رؤية الأهالي لما يحدث على أنه يشوه ملامح الحي العريق الذي أحبوه، وأعمال التطوير شملت "حديقة الميريلاند" و جراج "غرناطة" و "مترو مصر الجديدة".

تميز مصر الجديدة

وتحدث محمد عوض، الرجل السبعيني، عاشق حي مصر الجديدة كما بقول عن نفسه، وعاد بذاكرته إلى الوراء متحدثا عن الحي الراقي الذي كان قبلة للفنانين والعظماء والسياسيين في ميدان "ترينمف"، و تحدث عن المدرسة القومية التي درس فيها أبناء الرئيس جمال عبدالناصر، إضافة إلى المعالم الأخرى المميزة لمصر الجديدة ومنها نادي الجلاء، و"لونا بارك"، والمدرسة الإنجليزية وإستاد هليويوبلس وميدان ترينمف وملاعب البولو والجولف وكذلك مضمار سباق الخيل ، "كان المشي في مصر الجديدة يعتبر قمة في الروعة والجمال، والمترو كان نظيفا ًومنتظم، أما حديقة الميريلاند كانت قبلة الأثرياء".

وبنظرة حزن، انتقل للحاضر، واصفا الحي الآن بكثرة الإشغالات وسيارات التوك توك والميكروباص، وتغطيها رائحة العوادم، هذا بالإضافة إلى أزمات توقف المترو وإغلاق عرباته، وتدهور وضع الحدائق وتقلص المساحات الخضراء، وهدم الفلل وبناء الأبراج السكنية بجوار العقارات ذات الطراز المعماري الأثري، وتشويه أغلب شوارع مصر الجديدة، بأيدي المستثمرين لتختفي أغلب تلك المعالم الأثرية تحت شعار التطوير.

وطرح تساؤلا: "أين الدولة مما يحدث في حي مصر الجديدة، ولماذا لا يتم تدشين مباردة للحفاظ على المنشآت التراثية بها، ومنها منطقة "البواكي" في شارع إبراهيم اللقاني، وقصور البارون والسلطان حسين كامل وبوغوص والبرنس إبراهيم حليم والاتحادية، لتصبح من ضمن المناطق السياحية الهامة في مصر، وهو ما يحتاج إلى إرادة سياسية، وليس ضغط شعبي فقط.

مشاكل الحي

تعددت مشاكل حي مصر الجديدة، ويتحدث دكتور محمود عبد الحي، خبير التخطيط العمراني، عن هذه المشاكل قائلا: إن الحى من أقدم أحياء القاهرة، ويرجع تاريخه إلى بداية القرن الماضي، وهو امتداد إلى مدينة القاهرة، وتم تخطيطه من قبل بعض الخبراء الأجانب، وله له طراز معماري مميز وكان يسكنه كبار العائلات.

وأضاف قائلا:" لكن بمرور السنوات تعرض حي مصر الجديدة إلى تشويه وتعديات خطيرة، وتم بناء الأبراج السكنية وأصبح مقرا للمحال التجارية وفريسة للرشاوى والطمع والمحسوبية، وبعدما كانت الارتفاع المصرح به للمباني لا يتجاوز أربعة أو ستة طوابق كحد أقصى، تم هدمها وحل محلها أبراج شاهقة تمثل عبء على الحي".

وقال الخبير المعماري:" كما شهدت مصر الجديدة انتشار المحال والمقاهي وانتشرت في نواصي الشوارع التاريخية، ليتحول الحي الهادي إلى نموذجا لغياب القانون، يمتلئ بأصحاب الفرش والباعة الجائلين ومتعاطي المخدرات وسائقي التوتوك أيضا.

يكمل قائلا:" للأسف لا يوجد مجلس محلي يحاسب ويراقب؛ لدرجة أن الأمن الاجتماعي غاب عن الحي، لذلك بعض ساكني الحي هجروه للتجار وأصحاب المحال التجارية، ورغم تقديم الأهالي شكاوى للمسؤولين، إلا أنهم لم يستجب لهم أحد.

شروط التطوير

وتابع دكتور محمود عبد الحي، خبير التخطيط العمراني، حديثه إلى مصراوي قائلا:" تطوير حي مصر الجديدة لا يمكن أن يترك لموظفي الحي الذين لا يعرفون قيمة تلك المباني والحدائق، لأن الأمر يجب أن تتولاه لجنة مشكلة من جهات متعددة وهي وزارة الإسكان وجهاز التنسيق الحضاري ومعهد التخطيط العمراني وجهاز التفتيش الفني على المباني والمحافظة ومجموعة من الخبراء والاستشاريين في مجال الهندسة المعمارية والتاريخ، بحيث لا يمكن إنشاء أو إقامة أي مشروع يضر بالطبيعة والطراز المعماري والتاريخي للحي".

تاريخ الحي وأزمة المترو

تعتبر "هليوبوليس" أحد أرقى أحياء القاهرة، وأسسها البلجيكي البارون إمبان، وبه قصره الشهير "قصر البارون"، ويقع حاليا في شارع صلاح سالم، وتأسس الحي عام 1906، وشهد عام 2006 الاحتفال بمئوية الحي، وتمير بالمباني الضخمة ذات النمط المعماري المميز، ويوجد بها مطار القاهرة الدولي.

إلا أن سكانه عاشوا صراعات عديدة مع المسؤولين وكان بدايتها ما يتعلق بمترو مصر الجديدة وهو أحد معالم منطقة مصر الجديدة، امتدت قضبانه على الأرض عندما كانت المنطقة عبارة عن عدة عمارات تُعد على أصابع اليد الواحدة، بينما الرمال الصفراء تحيطها من كل جانب، 199 عاماً هو عمر "التروماي" الذي ارتبط به سكان مصر الجديدة كأحد المعالم الشهيرة التي تميز المنطقة، وتم إنشاء خطوط المترو فيها في الستينات من القرن الماضي، وتقوم بخدمة قطاع كبير من الطلبة والموظفين، وخاصة فى مناطق المطرية والزيتون، نظرا لرخص ثمنه، كما أنه وسيلة انتقال آمنة وسريعة بالنسبة للطرق المزدحمة بالسيارات.

لكن كان لمحافظة القاهرة رأى آخر، حيث قررت إزالة القضبان من محطات المطرية وحلمية الزيتون وابن الحكم والتجنيد حتى محطة محكمة مصر الجديدة، بحجة توسعة الطريق للقضاء على الزحام، رعم أنه وسيلة الانتقال الأساسية في مصر الجديدة عند تأسيسها، وهو الوسيلة المفضلة لدى الأهالي ليس فقط لطابعه الخاص المميز، ولكن لأنه يعتبر وسيلة نضيفة غير ملوثة ولا ينتج عنه أي انبعاث حراري، ولا يشوه المظهر الحضاري للحي، مثل الميكروباص والتوكتوك، والأخير عرف طريقه إلى شوارع مصر الجديدة، رغم منع سيره.

وفقا للبوابة الإلكترونية لمحافظة القاهرة فإن مترو مصر الجديدة أنشأ عام 1910 وكان أول خط بين القاهرة وهليوبوليس مؤسسا بواسطة شركة بلجيكية خاصة سميت "شركة سكك حديد مصر الكهربائية وواحات عين شمس"، وكان هذا الخط في البداية بين محطة كوبري الليمون وروكسى بمسافة 7 كم تعمل عليها قطارات تتعاقب كل نصف ساعة، وعدد الركاب لا يزيد عن 4800 راكب في السنة.

بداية تشغيل مترو الأنفاق الخط الثالث كانت في بداية شهر مايو عام 2014 ويضم محطات :"المعرض- الإستاد- كلية البنات- الأهرام"، بطول 8 كيلومترات وبتكلفة 4.3 مليون جنيه، وتقع محطة الأهرام بجوار مخرج نفق الثورة وحتى شارع بغداد "نزيه خليفة". ومنذ الإعلان عن تشغيله وبدأت أعمال الإزالة لبعض خطوط القطارات العاملة بالكهرباء، والتي مازالت مستمرة وفق ما رصده مصراوي. إلا أن المفارقة في تتبع التصريحات الرسمية للمسؤولين التي تؤكد على إطلاق مشروع ترام مصر الجديدة سيتم ربطه بشبكة المترو الحالية وشبكة القطارات المكهربة، لتصبح فى المستقبل شبكة كاملة للنقل الجماعي المتطور داخل القاهرة، للحد من الزحام ومواجهة حوادث الطرق.

في 23 يونيو الماضي أعلن في بيان رسمي أصدرته محافظة القاهرة عن اجتماع الدكتور جلال مصطفى السعيد، محافظ القاهرة، مع اللواء رزق أبو علي، رئيس هيئة النقل العام التابعة للمحافظة، واللواء إسماعيل نجدى رئيس الهيئة القومية للأنفاق، فى ديوان عام المحافظة وذلك لمناقشة تطوير مترو مصر الجديدة، وإعادة تأهيله من جديد ووضع الخطوط النهائية له.

في الوقت نفسه كان رئيس الهيئة القومية للأنفاق أعلن فى تصريحات صحفية عن أن الهيئة بدأت إجراءات نقل الملكية بينها وبين محافظة القاهرة وهيئة النقل العام، لنقل تبعية ترام مصر الجديدة إلى الهيئة القومية للأنفاق تمهيدًا لتطويره.

تضرر من غياب المترو

محمد رأفت، أحد ساكني ميدان المحكمة، عبر عن تضرره من التلف والإهمال الذي أصاب مترو مصر الجديدة، وأكثر ما يؤسفه أن ذلك حدث عمدا، وأصبح البديل المؤسف هو التوكتوك والميكروباص، بكل ما فيهم من ضوضاء وتلويث للبيئة، وقدم إلى مصراوي صورة التقطتها تظهر امتلاء المترو بالمياه الجوفية.

واعتبر أن هذا القرار سوف يزيد من أعباءهم المالية بنسبة 400%، حيث أن ثمن أجرة الميكروباص وأتوبيس النقل العام يصل إلى جنيهين، فى حين أن تذكرة الترام 50 قرشا فقط، واصفا ما يحدث إنه ليس تطوير وإنما تشويه وقضاء على وسيلة الغلابة والتوقيت صعب للغاية.

أزمات جراج "غرناطة"

وكانت الأزمة الثانية لسكان حي مصر الجديدة خلال شهر أكتوبر الماضي، عندما استيقظ سكان شارع غرناظة المتقاطع مع شوارع رمسيس ومحمد نافع والمعهد الاشتراكي، في منطقة روكسي على حقيقة تحويل الحديقة العامة الموجودة أمام مساكنهم إلى جراج تحت الأرض يسع 1500 سيارة من أجل حل مشكلة الضغط المروري بالمنطقة التجارية بمصر الجديدة، وأصبحوا أمام واقع لا مفر منه وهو تحريك سياراتهم من أماكنها، من أجل أعمال الحفر، وتصل المساحة المخصصة لإقامة الجراج إلى 9 ألاف متر مربع.

منذ هذا التاريخ أصبحت ملكية الحديقة العامة تعود إلى شركة "كابيتال العربية للتمويل والاستثمار" المنفذة لأعمال الحفر، ووفقا للموقع الإلكتروني للشركة فهي شركة مساهمة كويتية.

إلا أن أعمال الحفر سبب مشاكل عدة للسكان سببت الفزع للأهالي، وبادر20 منهم بجمع التوقيعات وتقديم شكوى جماعية إلى نقابة المهندسين بتاريخ 15 فبراير الماضي لطلب تشكيل لجنة لدراسة مدى تأثير أعمال بناء الجراج على سلامة المباني المجاورة لموقع الحفر.

وفي بيان رسمي أعلنت نقابة المهندسين، عن تشكيلها لجنة فنية برئاسة الدكتور ممدوح على صبرى أستاذ الهندسة الجيوتقنية والأساسات بجامعة القاهرة، وعضوية أعضاء من مجلس النقابة، لبحث المشكلة، وخاطبت اللجنة حي مصر الجديدة ومدير مديرية الإسكان بمحافظة القاهرة، وتلقت اللجنة دعوة من رئيس حى مصر الجديدة لاجتماع مع المواطنين أصحاب الشكوى والشركة المنفذة للمشروع ونائب محافظ القاهرة للمنطقة الشرقية.

أوصت اللجنة بأن طريقة التنفيذ آمنة ولا تؤثر على سلامة المنشآت المحيطة، ولا تلوث البيئة المحيطة، ولا يوجد ما يدعو فنياً للقلق .

ولكن اوضح ماهر عثمان، أحد ساكني شارع غرناطة، ل"مصراوي" إن الأزمة لا تقتصر على التخوف من تأثر المباني بالحفر، بل هي سلسلة من المشاكل بدأت من صعوبة الوصول إلى منازلهم، مرورا بسياراتهم التي يجدون صعوبة في صفها، هذا بخلاف الضوضاء واستمرار تخوفهم من أعمال البناء، وأخيرا طرح تساؤلا هل يصبح ساكني الشارع مجبرين على دفع اشتراك مقابل صف سياراتهم التي كانوا يتركونها أمام منازلهم بالمجان، فيما سبق.

كذلك تضررت نجوى عبدالقادر، إحدى ساكني شارع غرناطة، من الفوضى والضوضاء في الشارع، ولفتت إلى مشكلة تسرب المياه الناتجة عن تحويل مواسير الصرف نتيجة أعمال الحفر، وهو ما أدى إلى تشويه الشارع، فضلا عن إعاقة الحركة المرورية به والأزمات المستمرة التي تؤدي بدورها إلى المزيد من الضوضاء، مضيفة لذلك التخوف من الزحام من تحوله لمجمع ترفيهي وهدم مقر السينما الصيفية وهو مبنى تاريخي .

كسر فانوس السيارة أو "الإكصدام" يعتبر واقعا مر يتكرر في شارع غرناطة كثيرا، ليتفاجأ صاحب السيارة بالواقع المؤلم وقد يكون داخلها، وفي هذه الحالة لا يجد من يقول له الجملة المعتادة "ربنا يعوض عليك"، أسامة الوكيل، موظف في إحدى البنوك في شارع غرناطة، قال ل"مصراوي" إنها واقعة متكررة نتيجة حركة السيارات الخاصة بموقع الحفر في حيز ضيق، فضلا عن الاضطرار إلى صف السيارات إلى جوار موقع الحفر نظرا لعدم وجود بديل.

منادي سيارات في شارع غرناطة قال لـ"مصراوي" إن مهمته أصبحت أكثر صعوبة منذ بداية أعمال الحفر، بسبب ضيق مساحته فضلا عن تضرر الكثير من السيارات، وهو ما يضطره إلى تحريك السيارات باستمرار محاولا إنقاذها من التعرض للتصادم.

حديقة الميريلاند

وكانت الطامة الكبري لسكان الحى الراقي هي الاستيقاظ على اكبر مجزرة للأشجار النادرة بحديقة الميرلاند تلك الحديقة التى تقع على مساحة 50 فدان، كانت تضم ملاهي للأطفال وبحيرة كبيرة للبط والمراكب الصغيرة وساحات للتزحلق، ومشتل، وعدة كافتيريات، وكانت تحتوي أيضا على أنواع مختلفة من الأشجار النادرة والتي يعود عمرها لأكثر من مائة عام، وتم إنشاء الحديقة عام 1949 وكانت معروفة بأنها "نادى سباق الخيل" وبعد ثورة يوليو عام 1952 تم نقل النادي إلى المقر الحالي لنادي الشمس، وفي عام 1958 أطلق عليها اسم "الميريلاند"، وفي نهاية التسعينات أصبحت تضم بعض المطاعم العالمية، واشتهرت بعروض الدولفين وكلب البحر، اما الان فقد اختفت كل تلك المظاهر وحل محلها الخراب والاهمال، وتحولت لحديقة الاشباح وساءت سمعتها وإنها تحولت لتجمعات لشباب "منافية للآداب "مستغلين غياب الأمن وقلة الاقبال من المواطنين والعائلات عليها.

فما أن تحاول الدخول للحديقة حتى تجدها خاوية على عروشها، فبعد ان كانت قبلة المصريين للتنزه والخروج، أصبحت مكانا مهجورا تسكنه الاتربة والقمامة وتلال من فضلات الهدم، ولا مقعدا للجلوس او الراحة من حرارة الشمس، فلا تجد سوى بقايا مقاعد متهالكة ومتحطمة، وحتى المساحات الخضراء لم تعد خضراء، بل كستها الاتربة والقمامة، والاشجار لم يتم تقليمها مند فترة طويلة والممرات متهالكة والارصفة تم نزعها، ولا وجود لكافتيريا، او دورات مياه فقد امتلأت بالأتربة والقمامة، وتحطمت أسوار الحديقة ولا وجود لعمال النظافة أو الأمن ، ولم يتواجد سوى عشرة أفراد زائرين.

شكوى الأهالي

فايقة أبوالعلا، المقيمة في عقار مواجه للحديقة قالت ل"مصراوي" إنها تشعر بالحسرة كلما أطلت من شرفة منزلها التي كانت في السابق سببا لشعورها بالبهجة، وأضافت :"أنا شفت أجمل أيام حياتي في الميريلاند والمنظر البشع ومذبحة الأشجار قتلوني"، وهو ما أوضحت أنها تعجز عن فهم سبب.

قال رأفت منير، أحد ساكني ميدان المحكمة، إن إفساد وتشويه حي مصر الجديدة وبالأخص حديقة الميريلاند مخطط متعمد من أجل بيع الحديقة إلى مستثمر والقضاء على أخر متنفس أخضر في الحي، وأضاف :"أنا شايفهم بيقطعوا الشجر وبيشيلوه بالليل في عربيات كنت هناك بالصدفة".

وتحدث كمال عبد القادر:" الميريلاند هى رئة مصر الجديدة، ومظاهر الإهمال التي طالت ذكرياتنا، فقد نشأنا على حفلات الحديقة وعروض الدولفين والبط والتنزه داخل المساحات الخضراء، وذكرياتي بها ،ولابد من نزع ملكية حديقة الميريلاند للمنفعة العامة من الشركة الخاصة للإسكان ونقل تبعيتها لوزارة السياحة، بعدما أصبحت مكانا مخيفا وحطام للمطاعم والملاهي".

"وناشد المسئولين: "اتركوا لنا الحديقة متنفسا، ولا داعى للمباني والمشروعات التجارية، اهتموا بالأشجار والنظافة والأمن بها، ولا داعى لتركها للمستثمرين يعبثون بها وعلى وزارة البيئة أن تعلم أن العمال يقومون بقطع الأشجار ليلا فى غفلة من المسئولين ليصبح الأمر واقعا وينفذون مخططهم فى تحويلها لمكان تجاري".

الحفاظ على هليوبوليس

ظهرت عدة مبادرات وصفحات على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك تضم ساكني ومحبي حي مصر الجديدة الذين عبروا ومازالوا عن غضبهم من ما يحدث في الحي، ويقوم بعضهم بوضع صور قديمة للحي، وبعد اشتعال مواقع التواصل الاجتماعي وشجب قطع أشجار حديقة الميريلاند، تحركت محافظة القاهرة ووزارة البيئة وأصدرت قرارا بإيقاف العمل بمشروع تجديد الحديقة إلى حين مراجعة التراخيص، ومطابقة ما يتم من أعمال ومدى إتفاق أعمال قطع الأشجار مع المعايير التي تحددها وزارة البيئة.

ومنذ ذلك الحين بدأت سلسلة من الاجتماعات بين الأطراف المعنية وهم وزارة البيئة ومحافظة القاهرة وشركة مصر الجديدة للإسكان والتعمير والمستثمر ناصر سالم، ورئيس حي مصر الجديدة والإدارة العامة للمرور التابعة لوزارة الداخلية وبعض منظمات المجتمع المدني.

ورغم ان الدكتور خالد فهمي وزير البيئة، كان قد طلب توقف أعمال التطوير فى حديقة الميرلاند ومصر الجديدة، لارتكاب أعمال خاطئة تتعلق بقطع الاشجار، إلا أنه تم الموافقة لشركة مصر الجديدة للإسكان والتعمير باستكمال الاعمال التابعة لها مرة أخرى، شرط ان يتم مراعاة الاشتراطات البيئية والتراثية والحضارية لتلك المناطق.

"مبادرة تراث مصر الجديدة"

شكري أسمر، المتحدث باسم "مبادرة تراث مصر الجديدة"، قال ل"مصراوي" إن ما يحدث غير مفهوم، نظرا لغياب التنسيق بين الجهات المسؤولة، وغيابه داخل الجهة نفسها، مضيفا أنه من ناحية يتم صيانة مترو مصر الجديدة ومن ناحية أخرى يتم وضع أسفلت على مسار المترو.

وأضاف شكري أسمر: "في خطوة غريبة جداً يتم الآن التحضير لنزع مترو مصر الجديدة من ميدان المحكمة الى المطرية لتوسيع الشارع، في الوقت الذي كان فيه خط "ألماظة- مطرية" هو أكثر خط يعمل بكفاءة من شبكة مترو مصر الجديدة، ويستفيد منه كثير من المواطنين كل يوم"، مضيفا أن هذا الخط هو الأهم في دراسة الجدوى القائمة حاليا لتطوير شبكة مترو مصر الجديدة التي تعكف المبادرة بالتعاون مع الوزارات المعنية إلى توفير التمويل الكافي للتطوير الشامل.

وأوضح أيضا أن هذه الخطوة تتنافى مع جميع الاتفاقات السابقة مع المسؤولين، وتنافي المخطط العام للقاهرة الكبرى لدى وزارة التخطيط، ويتم التواصل مع المسؤولين من أجل فهم الوضع، نظرا لوجود تمويل لتطوير المترو.

كما أشار إلى الترحيب بأي أعمال للتطوير للحي لكن بشرط الحفاظ على معالمه وعدم إلغاء طابعه الخاص المميز، وعبر عن أمله في تحويل قصر البارون إلى متحف مصر الجديدة.

كارثة بيئية

ويوضح دكتور أحمد فرغلي، الخبير البيئي، ل"مصراوي" أن ما حدث في حديقة الميريلاند وحي مصر الجديدة من مذبحة للأشجار النادرة يعتبر جريمة، وكان الأولى بالمسؤولين أن يتم حصر تلك الاشجار، وتوجيه الرعاية الكاملة لها من تقليم وتهذيب وعناية.

وشدد الخبير البيئي على ضرورة وجود إدارة تتولى رعاية الأشجار النادرة والأثرية، وتقوم بحصر عدد الأشجار، وتضم في عضويتها خبراء و متخصصين من وزارتي البيئة والزراعة، وذلك بعيدا عن إدارة التشجير؛ بحيث تكون إدارة مستقلة ومشكلة من كافة الجهات المعنية.

وتابع دكتور أحمد فرغلي قائلا :" الأشجار الموجودة في الحديقة تعود إلى عهد الملك فاروق، وتعدت الـ100 عام، إضافة إلى أندر الأشجار في العالم من أنواع "الكاسيان" و"الماهونجي" و"الصنوباريات" و"الكينان"، وبالتالي ما حدث جريمة نظرا لندرة هذه الأشجار.

وانتقد "فرغلي " المحليات لأنهم ليس لديهم دراية بقيمة تلك الأشجار؛ ولهذا يمكن صدور تراخيص للمشاريع دون الرجوع للأشجار المقامة على تلك المساحات، وهو ما حدث مع حديقة الميريلاند ومنطقة جراح غرناطة.

تضارب العقوبات

وأفاد دكتور أحمد فرغلي الخبير البيئي، أن القانون يجرم قطع الأشجار دون وجود مقتضى أو غاية من قطعها، وتم تغليظ العقوبة في قانون الري والصرف رقم 12 لسنة 1984 مؤخراً على قطع الأشجار في حالة عدم الحصول على موافقة من وزارة الري أو الزراعة بغرامة لا تقل عن ألف جنية ولا تزيد عن 5000 جنيه، والتي كانت قديماً قيمة الغرامة 30 جنيها ولا تزيد عن 200 جنيه، والعقوبة تكون على عدم موافقة الجهة المختصة وليس الجريمة في قطع الشجرة قديمة كانت أو جديدة.

وأضاف أن موافقة الجهة المختصة تقتضي دراسة أعمار الأشجار ومن ثم يتم الموافقة على قطعها، وقانون العقوبات جرم في المادة‏(358)‏ والمادة‏(366)‏ تقطيع الأشجار سواء كلها أو جزءا منها، وبقانون البيئة قد نصت المادة‏(27)‏ منه علي تخصيص مساحات خضراء مما يعني معه أن تقطيع الأشجار هو عمل مخالف أيضا لقانون البيئة، ولهذا على مسئولي شركة مصر الجديدة للإسكان والتعمير التوقف فورا عن التقطيع أو التقليم الجائر للأشجار.

تعدد الجهات

وصرح مصدر مسؤول بوزارة الزراعة، رفض ذكر اسمه، أن حديقة الميريلاند تملكها شركة استثمارية ولا يمكن أن تتبع وزارة الزراعة ولا تربط الزراعة بها أى صلة، مضيفا أنه كان من الواجب الاعتناء بالحديقة ودراسة الوضع قبل إقامة أي مشروعات.

"مصراوي" تواصل مع دكتور عاصم الجزار، رئيس هيئة التخطيط العمراني، وأفاد في تصريحات مقتضبة لـ"مصراوي"، أن وزارة البيئة أو محافظة القاهرة لم ترجع للهيئة مطلقا ، وفيما يتعلق بتطوير حي مصر الجديدة سواء في إغلاق المترو أو تطوير حديقة الميريلاند وإقامة الجراج.

"مصراوي" حاول التواصل مع اللواء هشام خشبة، رئيس حي مصر الجديدة، عدة مرات إلا إنه لم يرد.

فيديو قد يعجبك:

لا توجد نتائج