إعلان

''نبني''.. حلم الغلابة في منشأة ناصر يتبخر (فيديو وصور)

12:27 م الخميس 06 مارس 2014

تحقيق – هند بشندي وهبه محسن:

جميلة هي نظرات الأمل والتفاؤل التي تملئ عينيه؛ فرغم صغر سنه إلا أن الأمل في مستقبل جديد يلمع في عينيه، لكن هذا الصغير يخشى الآن على حلمه الجميل من الضياع بسبب قرارات حكومية يشعر بأنها ''ظالمة له ولأقرانه''.

''محمد'' ابن منشأة ناصر الذي لم يتجاوز عمره العشر سنوات تحولت حياته منذ شهور بعد أن التحق بمؤسسة ''نبني''؛ فهو لأول مرة يجيد القراءة والكتابة رغم أنه طالب بمدرسة ''عثمان بن عفان'' وتعلم كذلك فنون الرسم.. السعادة شعر بها ''محمد'' عندما التحق بالمؤسسة تحولت لحزن وبكاء بعدما عرف أن المكان الذي عشقه ''سيغلق'' وأن معلميه وأساتذته سوف يفارقوه.

في 2012 حصلت مؤسسة ''نبني'' المشهرة برقم 3914 لعام 2011 على قرار استضافة في المقر السابق للمحافظ في منشأة ناصر، من محافظ القاهرة الأسبق الدكتور عبد القوى خليفة، ثم تم تجديد قرار الاستضافة من المحافظ السابق المهندس أسامة كمال، لكن رغم قرار الاستضافة فوجئ القائمون على ''نبني'' بصدور تحذير من رئيس الحي يطالبهم فيه بضرورة إخلاء المقر.

''اقفل الحلم على الغلابة.. عشان تفتح مكتب بريد''، شعار رفعه شباب ''نبني'' بعد أن أعلنوا أن رئاسة الحي قررت إخلاء وإزالة مقر المؤسسة من أجل منح المكان لهيئة البريد المصري.

''حلم الغلابة''

على مدخل عزبة بخيت بمنشاة ناصر، وعلى بُعد خطوات من طريق الأوتوستراد، وصلنا لمقر ''مؤسسة نبني'' المكون من دور واحد أرضي يحوي مكان للاستقبال وغرفة صغيرة يجلس فيها عدد من الأطفال في سكون تام يتابعون بشغف أحد أفلام الكارتون التعليمية.
بينما جلس الأطفال في غرفة أكبر حجماً كانت من قبل ''مقلب قمامة'' لتلقي دروسًا تعليمية وأخرى لتحسين سلوكهم وأخلاقهم، وقضاء وقت ترفيهي مع أقرانهم.

استقبلتنا سارة محرم إحدى المتطوعات في المؤسسة، تشارك سارة في عدد من الأنشطة نقوم بها في المكان، وهي تعليم الأطفال وتغيير السلوك باستخدام الرسم.
وتشارك ''سارة'' كذلك بعمل ورشة لتصنيع الاكسسوارات وهذه المنتجات يقوم شباب المؤسسة بتسويقها وبيعها فيما بعد.

عشرات من الشباب من أعضاء ''نبني'' شعروا بالإحباط وضياع حلمهم بسبب قرار الإزالة، إيناس عصام واحدة من هؤلاء التي كتبت على صفحتها الشخصية على فيسبوك فور علمها بقرار الإزالة تقول: ''اللحظة في نبني أهم من اي حاجة تانية في حياتي يمكن أهم من حياتي نفسها...هتاخد ايه من الدنيا أحلى وأجمل من دعوة أم ولا ضحكة طفل ولا صحبة صالحة''.

تنفي إيناس ما يتردد ان المؤسسة كانت مغلقة الأبواب الفترة الماضية ولا تعمل فتقول ''احنا فعلا مكناش شغالين اخر شهرين... مكناش شغالين في العبث والخناقات.. مكناش مشغالين تسلم الأيادي ولا مرسي راجع.. كنا مشغولين بس بشوية تفاهات زي التعليم واننا نفتح ورش للناس ولا والعياذ بالله نعمل معرض هدوم''.

تشعر أيناس بالخوف ''أنا عمري ما خفت اني اخسر حاجة في حياتي ويمكن حياتي ذات نفسها.. لكن المرة دي خايفة.. مش خايفة على نبني لأنها أقوى من أي مقر ومن أي حكومة... أنا خايفة على إيماني.. إيماني بمعاني الجمال والإنسانية، مش عايزة اكره البلد ديه''.

تطوير.. مقابل ''تعنت حكومي''

التقينا رشا بدران، نائب رئيس مجلس إدارة مؤسسة نبني التي قالت ''نتعرض لادعاءات من رئيس الحي غير صحيحة''، وأشارت إلى أن وكيل وزارة التضامن الاجتماعي كان في زيارة تفقدية للمكان واستمع منهم إلى المشكلة وأبعادها – كان هذا قبل زيارتنا لهم ببضع ساعات-.

وتعجبت ''بدران'' من موقف رئيس الحي ''المتعنت'' معهم، لكنها تتوقف قليلاً لتذكر أن هذا الوضع لم يختلف مع رئيس الحي السابق –المحسوب على تيار الإخوان المسلمين- والذي صدرت قرارات الإزالة بحقهم في عهده.

وأكدت أن الحي يتعنت معهم منذ اليوم الأول لوجودهم في المكان حيث تم قطع المياه عنهم لشهور مما اضطرهم لشراء خزانين للمياه لأن المكان به أطفال ويحتاجون للمياه بشكل مستمر ورغم ذلك توجهوا إلى رئيس الحي وحصلوا على أذن منه بتركيب الخزانات.

ولفتت إلى أن المكان كان عبارة عن ''خرابة'' ومكان لتجميع القمامة ولكنهم قاموا بتنظيفه وتحويله إلى هذا المكان الذي يلعب فيه الأطفال ويقضون فيه اوقاتهم في التعلم والمرح، مضيفًة أنهم شاركوا خدمات تطوير المنطقة على نفقاتهم الخاصة ونزل المتطوعون لتنظيف المنطقة وتجميلها على مسمع من رئيس الحي.

عرفتنا ''بدران'' على أنشطة المؤسسة، ومن ضمن أنشطة المؤسسة تعليم الأطفال القراءة والكتابة وأيضاً فنون الرسم وتهذيب سلوكهم، فضلاً عن تقديم قروض حسنة للمحتاجين لعمل مشروعات صغيرة وتوزيع شنط رمضان ولحوم العيد برعاية عدد من الشركات الكبيرة منهم ''إعمار''.

كما قامت المؤسسة بمشروع ''اتبنى طالب'' في شهر سبتمبر 2013 والذي نفذته في المرحلة الأولى مع مؤسسة ''واحد من الناس'' والمرحلة التانية تنفذه المؤسسة بمفردها وبجهود شبابها فقط، مشيرة إلى أن رئيس الحي والذي وصفته بأنه ''عدائي جداً'' معهم كان من ضمن الحضور في حفل تكريم الدفعة الأولى من طلاب مشروع ''اتبنى طالب'' وبعد هذا الحفل طالبهم بالأرض وأصر بشكل غريب على أنه سيخرجهم منها.

وبحسبها، فإن السبب في قرار إزالتهم والذي أعلنه لهم رئيس الحي هو احتياج المحافظة للمقر لإنشاء مقر جديد لهيئة البريد المصري، بينما رفض أشرف جمال الدين رئيس هيئة البريد على صفحته الخاصة على الفيس بوك حصوله على مقر جديد على حساب مكان يتعلم فيه الأطفال.

وتقول نائب رئيس مجلس إدارة المؤسسة أن المشكلة القانونية الوحيدة التي تواجههم هي عدم تواصلهم مع الشئون الاجتماعية بحي منشأة ناصر على اعتبار ان المؤسسة مشهرة في الجيزة وانهم هناك بقرار مد نشاط للحي، مشددةً على انه لا يوجد خلاف بين مؤسساتها والشئون الاجتماعية وتدلل على ذلك بتجديد الشئون لرخصة جمع المال للمؤسسة.

ونفت ما يتردد عن علاقة المؤسسة بالإخوان وقالت ''هذا الأمر غير صحيح لأن المؤسسة غير مسيسة وجميع المتطوعين فيها لا ينتمون لاي تيار سياسي''.

وعن ما قاله نائب محافظ القاهرة بشان مصادر تمويلهم، أوضحت أن مصادرهم معلنة بشفافية كاملة ومنشورة على موقعهم على الإنترنت.

وفندت مصادر تمويلهم إلى ثلاثة مصادر وهي رخصة جمع المال تم تجديدها منذ حوالي أسبوع كما أن جزء من التمويل متعلق بالتبرعات من الأصدقاء والمعارف والمصدر الثالث هو دعم الشركات الكبيرة، وجميع هذه المصادر مراقبة وهناك كشوف بأوجهه الصرف والإنفاق يصدرونها سنوياً.

قاطعت حديثنا ''مريم'' الطفلة ذات الست أعوام لتتحدث مع ''ميس سارة وميس رشا'' سألناها بتيجي هنا ليه يا مريم لترد ''بحب المكان''.

وتعود ''بدران'' لتؤكد أن ''الأهالي والأطفال منذ أن سمعوا بقرار الإزالة وهم يتجمهرون يومياً أمام المقر وهدوا أكثر من مرة بالتظاهر أمام الحي إلا أننا رفضنا هذا خوفاً من تعريضهم لأي مشكلة أما الأطفال فقد بكوا عندما عرفوا اننا قد نرحل ونتركهم''.

وأضافت أنهم استطاعوا طيلة الفترة الماضية كسب ثقة أهالي المنطقة وبنوا معهم علاقة محترمة، مشيرةً إلى أن أهالي المنطقة يحتاجون لمن يتعامل معهم برفق وحب واحترام ولا يتعالى عليهم أما الأطفال فهم أذكياء وموهوبين جداً جداً ويتعلمون بسرعة.

في ختام حديتنا معاها تمنت ''بدران'' استمرار الحلم.. استمرار فتح المكان الذي تقضي فيه وقت أكثر مما تقضيه في منزلها، ورغم أن ما حدث إثر على عملهم في الفترة الماضية إلا أنها تتمنى الاستمرار في العمل، وتأمل زرع المنطقة أمام المقر بالحشائش الخضراء لتصبح منطقة صالحة يلعب الأطفال فيها.

الحي يرد

على بعد دقائق قليلة من مقر المؤسسة يقع مبنى رئاسة حي منشأة ناصر، توجهنا إلى هناك والتقينا برئيس الحي جمال محمد محي، الذي أبدى دهشته في البداية من الاهتمام –المبالغ فيه- بحد تعبيره بهذا الموضوع، متسائلا ''ايه نبني دي اللي عملين عليها كل الضجة دي''.

واتهم القائمين على المؤسسة بالتدليس والتحايل وأوضح أنهم استولوا على مكتب المحافظ بأثاثه واعتدوا على أملاك الدولة وأراضيها وقاموا بالبناء عليها بدون وجه حق وبالمخالفة للقانون.

وأوضح أن المستشار القانوني لمحافظة القاهرة رفض تجديد طلب الاستضافة الذي تقدموا به لأنهم لم ينفذوا ما جاءوا من أجله في المنطقة، وفقا لخطاب من الشئون الاجتماعية بالمنطقة.

توقف للحظات ليأتي بملف كامل وأوراق تخص المؤسسة من ضمنها خطاب الشئون التي تؤكد فيه انهم لم يجدوا أي أعمال للمؤسسة.

وأضاف أنهم حصلوا على استضافة من المحافظة لفترة محددة وهي مدة الانتهاء من تطوير الحي ودهان أوجه 80 عقار.

ليطلعنا على خطاب –رفض حصولنا على نسخة منه- مؤرخ بتاريخ 21 مايو 2013 من رئيس الحي السابق إلى السيد نائب المحافظ يفيد بأن المؤسسة لم تنفذ مهمتها في الحي كاملة وأن العمل فيها توقف منذ 5 أشهر.

وقال عندما سألتهم ''أين شغلكم؟.. ردوا عليا وقالوا ''هنعمل'' سنوات ولسه هنعمل''، وأضاف أن وكيل زارة التضامن الاجتماعي أكد له خلال زيارته أن وضع هذه المؤسسة غير قانوني.

ونفى أن يكون قرار الإخلاء وراءه طلب البريد المصري لمقر الجديد قائلاً ''كلام كدب''، وشدد على ان هذا المكان تملكه المحافظة وليس من شانهم ماذا ستفعل به.

''تمت محاربة نبني من أعضاء الحزب الوطني ثم من الإخوان ثم ممن هم في السلطة الآن.. وكأن هناك ميثاقًا غير مكتوب لقتل أي أمل'' كلمات كتبها الإعلامي باسم يوسف عبر صفحته على تويتر ينفيها تمام رئيس الحي، مؤكداً أن الموضوع قانوني لا دخل له بالسياسة ''لست سياسيا أنا رجل تنفيذي''.

ليختتم حديثه معنا مؤكدًا أن الإخلاء والإزالة سوف يتما في القريب العاجل متوعدًا ''انا مش هسيبهم، انا بطبق قانون''.

''غضب الأهالي''

عدنا إلى عزبة بخيت للقاء الأهالي فهم وحدهم من سيحسمون الأمر، التقينا في البداية بأم لصبي وفتاة يدرسا بالمؤسسة لتصف حالتها النفسية السيئة عقب سماعها خبر الإزالة، لتشير أن اولادها بكوا بحرقة خوفًا من إغلاق المؤسسة.

''دروس وترفيهه وتعليم للأخلاق والسلوكيات وجوائز ورحلات ترفيهية وإصلاحات في المدراس'' كل هذا كان كفيلاً لأن تقرر هذه السيدة أنها ستقف بجسدها أمام اي ''ونش'' سيفكر في إزالة مؤسسة نبني.

وقالت أخرى متعجبة ''رئيس الحي عايز يمنع النعمة ليه؟''، واقترحت على رئيس الحي بدلاً من إزالة المؤسسة إزالة القمامة التي أمرضتهم.

القروض الحسنة هي أحد أبواب الخير التي تقدمها ''نبني'' وفقا لـ''محمود'' الذي اكد أنهم يقدموا قروض بلا فوائد لمن يحتاج من أهالي الحي بالإضافة إلى ترك لهم الخيار للمبلغ الذي يسدد شهريًا لقضاء القرض وفقا لظروف كل حالة.

ونفى الأهالي إغلاق المقر لأبوابه ليقاطعهم أخر قائلاً ''بيتقفل'' لكن أقصاها يومين أو ثلاثة على حد أقصي، ليستكمل ''لكن المكان ده دايما بيساعد الفقراء''، وتابعوا ''كفاية بس بطاطين الشتاء وشنط رمضان ولحم العيد''، كفاية انهم بيراضوا الغلابة.

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

لا توجد نتائج