إعلان

الدم.. أكسير الحياة المنهوب (ملف خاص)

12:39 م الثلاثاء 14 أكتوبر 2014

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

تحقيق- علياء أبو شهبة:

مع بزوغ فجر يوم جديد في بداية شهر سبتمبر الجاري خرج محمد كمال من بلدته في محافظة بني سويف مصطحبا أسرته الصغيرة المكونة من زوجته وابنيه متوجها إلى مستشفى أطفال مصر في السيدة زينب بتوصية عاجلة من مستشفى الدمرداش لإجراء جراحة في قلب صغيره أحمد، الذي لم يتجاوز شهره الرابع، وعلى الرصيف المواجه للمستشفى قضت الأسرة ساعات تصارع مرارة الثلاثي المدمر وهم الفقر والمرض والجهل، لكن الفساد كان رابعهما، لأن الابن الصغير صاحب فصيلة الدم النادرة o- لن يتمكن من إجراء الجراحة إلا بعد توفير ثلاث أكياس دم من نفس فصيلته، وما أدراك بصعوبة هذا الطلب.

نجوى سامى، التي لم تكمل عامها العشرون اختارت طريق التطوع لمساعدة أهالي عزبة خير الله، وضعتها الأقدار في طريق أسرة الرضيع المريض روت الواقعة لمصراوي قائلة إنها بذلت ما في وسعها من أجل توفير أكياس الدم الثلاثة من الفصيلة النادرة ونجحت بالفعل، بعد ما تلقته هي المتبرعين وأسرة الطفل أحمد محمد كمال من معاملة سيئة من إدارة المستشفى وبعد التفاوض على جعلها ثلاث فقط و ليس 15، بينما يحمل أبو أحمد مستندا رسميا مكتوب عليه '' الحالة حرجة مطلوب إجراء الجراحة في أسرع وقت''.

''إلحقيني يا أبله أنا لسه على الرصيف طردوني بعد ما مشيتي وقالوا مفيش عمليات''، عبارة كان لها وقع الصدمة على المتطوعة نجوى سامي التي بالكاد تمكنت من سماع كلمات محمد كمال بسبب بكاء طفله المستمر وقلة حيلة زوجته أمام اسكات الرضيع المريض، والذي لم تجد أسرته مكانا سوى الرصيف للمبيت عليه، وهنا بادرت نجوى بحجز غرفة في فندق متواضع بالقرب من مستشفى أطفال مصر مقابل 40 جنيها للمبيت لمدة ليلة واحدة لم يكن يمتلكها محمد كمال.

في اليوم التالي رفضت إدارة مستشفى أطفال مصر التي تسلمت أكياس الدم من الفصيلة النادرة إجراء الجراحة العاجلة وفق لما جاء في السجلات الطبية للطفل أحمد محمد كمال، ليعود أفراد الأسرة إلى بني سويف حاملين معهم قدر أكبر من الألم، والإحساس بالعجز.

تجارة غير شريفة

حكاية الطفل أحمد محمد كمال ليست فريدة من نوعها لكنها واحدة من ألاف بل ملايين القصص التي تحدث كل يوم، في ظل المشاكل التي تعانيها منظومة التبرع بالدم في مصر، يقولون أن قطرة الدم تساوى حياة، وهي بالفعل كذلك، لكنها في حقيقة الأمر رهن لتجارة غير شريفة تتحكم فيها سوق سوداء تمص دماء المرضى وذويهم، وتتاجر بحياتهم.

الأزمة لها عدة محاور بداية من ضعف ثقافة التبرع بالدم الناتج في المقام الأول عن التخوف من الإصابة بالفيروسات، مرورا بالسلبيات الموجودة في عملية التبرع المتمثلة في عدم إتباع معايير النظافة والسلامة ما يؤدى إلى زيادة تخوف المتبرعين وعدم استمرارهم في التبرع، ثم حلقة فقدان الثقة في عدم وصول أكياس الدم للمستحقين نتيجة مافيا تتلاعب في حصص الدم، ما يؤدى في النهاية إلى دخول أهالى المرضى في متاهة بين البحث عن متبرعين ومبادلة دمائهم بنفس فصيلة المريض، أو اللجوء للشراء من المركز القومي للدم، ''المشروع السويسري''، مقابل من 130 جنيها، هذا إذا كان المريض من سعداء الحظ وعلم بوجود هذا البنك الحكومي الذ يبيع بالسعر المدعم، أما بنك الدم الأكثر شهرة هو المعروف ب''فاكسيرا'' أو بنك الدم الموجود في هيئة المصل واللقاح، على بعد أمتار من البنك الحكومي، الذي لا يحمل اسم البنك، ويصل سعر كيس الدم فيه إلى 360 جنيها، أو السبيل الأخير هو شراء الدم من المستشفيات الخاصة ويترفع سعر الكيس كلما زادت ندرة فصيلة الدم لتصل إلى ألف جنيه.

في عام 1991 أصدر إسماعيل سلام وزير الصحة الأسبق قرارا بمنع دفع نقود مقابل التبرع بالدم بهدف منع مدمني المخدرات من التبرع، ومن أجل تجريم الاتجار في الدم وغلق بنوك الدم المخالفة لتجنب الأساليب الخاطئة في تداوله، إلا الواقع يقول إن هناك نقصا دائما في مخزون الدم في بنوك المستشفيات سواء الحكومية أو الخاصة.

كما صدار القرار الوزاري رقم‏(25‏ لسنة‏1999)‏ الذي ينص علي إلغاء احتراف التبرع بالدم نظير مقابل مادي في جميع بنوك الدم الحكومية والخاصة كخطوة أولي أساسية نحو تشجيع نظام التبرع التطوعي بدون مقابل‏.‏

''مصراوي'' رصد ما تشهده بنوك الدم بالمستشفيات المركزية والوحدات الصحية ببعض محافظات الجمهورية من نقص توفر أكياس الدم ومشتقاته مثل صفائح الدم والبلازما بالإضافة إلي عدم تفعيل دور بنوك المستشفيات المركزية في تلقي التبرعات وعمل التحاليل واستقلالها عن البنك الإقليمي الرئيسي للدم بهذه المحافظات، وذلك لافتقار تلك البنوك للإمكانيات والخبرة البشرية وعجز الأطباء والفنيين المتخصصين عن عمل التحاليل للدم أو القيام بعمل حملات لتلقي تبرعات المواطنين.

في تصريحات صحفية في شهر يونيو 2013، كشفت الدكتورة عفاف أحمد السيد، مدير عام المركز القومي لنقل الدم، عن تراجع معدلات الأمان في أكياس الدم المتداولة في مصر، مؤكدة أنه لا يوجد كيس دم آمن بنسبة 100%.

وأضافت أن مصر تعانى عجزا يقدر بنحو 300 ألف كيس عن المعدل العالمي، الذى يقدر بمليون و 800 ألف، بينما يتم في مصر تجميع مليون و500 ألف كيس سنويا.

في المقابل أكد الدكتور محمد سعيد نائب رئيس هيئة التأمين الصحي في تصريحات صحفية على أن الهيئة لديها تعاقد مع جميع بنوك الدم والمصل واللقاح لشراء الدم للمنتفعين بخدمة التأمين .وقال: ''إن المريض حال شرائه لأكياس الدم من الخارج تقوم الهيئة بدفع ثمنه له ''.

يبقى العثور على متبرعين هو الحل أمام مافيا الإتجار بأكياس الدم، ومن أجل ذلك ظهرت مبادرات مجتمعية غير ربحية هدفها التنسيق بين راغبي التبرع بالدم، وبين أهالي المرضى الباحثين عن فرصة للإبقاء على حياة ذويهم.

أكبر بنوك الدم في مصر

مستشفيات الشبراويشي والزراعيين وطيبة ومصر للطيران هم أكبر تجار الدم في مصر، وذلك كما وصفهم أحمد زغلول، مسؤول صفحة ''بنك الدم المصري'' على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، وتعتبر واحدة من أهم الصفحات التطوعية النشطة في مجال توصيل المتبرعين بالمرضى.

وسبب اختيار اسم الصفحة هو عدم وجود جهة تحمل اسم بنك الدم الحكومي، ولكن يوجد ما يسمى المركز القومي لنقل الدم، ويعتبر المركز الرئيسي لبنك الدم الحكومي، وأضاف أن المستشفيات السابق ذكرها تتوفر بها كل فصائل الدم حتى النادرة منها.

من خلال خبرته قال مسؤول صفحة ''بنك الدم المصري''، إن المركز القومي لنقل الدم مسؤوليته توفير أكياس الدم للمستشفيات الحكومية باستثناء الجامعية بسعر 130 جنيها ليباع في بنوك المستشفيات الخاصة بسعر يتراوح بين 300 إلى 700 جنيها، أما بنك الدم الحكومي الموجود في هيئة المصل واللقاح هو بالفعل بمثابة البنك الخاص تحت لواء الحكومة.

الحديث مازال لأحمد زغلول، مسؤول صفحة بنك الدم المصري الذي دفعته مشاركة صديقه في حيرته للبحث عن أكياس الدم لزوجته المصابة بالسرطان، إلى التطوع لمساعدة أهالي المرضى، وأفاد أن غالبية المرضى لا يعرفون ببنك الدم الحكومي، كما أن المواطن فقد ثقته في حملات التبرع بالدم في الشوارع.

لفت أحمد زغلول، أيضا إلى واقعة فساد مؤسفة وهي خروج حملة تبرع بالدم قامت بها سيارة إسعاف لصالح بنك الدم الموجود في المصل و اللقاح، ليتم بيع الدماء التي تبرع بها الناس بعد خداعهم بأنها ''لوجه الله''، وهي واقعة فساد شارك فيها شخص محترف في مجال التسويق دعا مشاهير لمشاركته الحملة التي أعلن عنها عبر مواقع التواصل الاجتماعي و مرت الواقعة بدون محاسبة المسؤولون عن خداع الناس.

سبب الأزمة والحلول

وأوضح أن الأزمة الدائمة تتمثل في عدم توفر حصة كافية من أكياس الدم في المستشفيات الحكومية، فضلا عن عدم وجود قرار مرن يسمح بتبادل فصائل الدم بين المستشفيات الحكومية لتلبية احتياج المرضى، وكل ما يلزم لحل الأزمة هو قرار سيادي من وزارة الصحة لإصلاح المنظومة والرقابة على صرف مخصصات أكياس الدم للمستشفيات والتي يشوبها الكثير من الفساد، وهو ما يترتب عليه عدم بيع الدم في السوق السوداء.

طرح مسؤولة مبادرة بنك الدم المصري مجموعة من الحلول في حديثه مع مصراوي تتمثل في توحيد تسعيرة كيس الدم، إضافة إلى إتباع المعايير الصحية في عملية التبرع ما يساعد بدوره على تشجيع المتبرعين الذين يتخوفون من الإصابة بالفيروسات الكبدية على وجه الخصوص، إضافة إلى ما خلفته قضية أكياس الدم الملوثة هايدلينا من فزع لدى المتبرعين، والتوعية بفوائد التبرع.

كما أكد على ضرورة إنشاء قاعدة بيانات تربط بنوك الدم ببعضها، إضافة إلى تسهيل التعاون بين الجمعيات والمستشفيات الحكومية.

أزمة إدارة

دكتور علاء جاد،أحد أعضاء جمعية شريان مصر العطاء، التي تساعد على الربط بين المتبرعين والمرضى، قال لمصراوي إن الأزمة في إدارة المنظومة بالمعنى المفهوم للإدارة الطبية من حيث تطبيق إجراءات مكافحة العدوى في بنوك الدم وباقي المنشآت الصحية، لذلك أصبح الهدف هو الحصول على متبرعين وأكبر قدر ممكن من أكياس الدم، بدون مراعاة الكثير من الاعتبارات المهمة.

يقول دكتور علاء:''الدم أسمى ما يمكن أن يتبرع به الإنسان ولا يمكن أن يتم بيعه، لأن كيس الدم من المفترض أن يقدم بالمجان لأي مريض. لكن بنوك الدم بالمستشفيات الخاصة تحصل على مقابل مرتفع بحجة إجراء التحليل للتأكد من خلوه من الأمراض بالرغم من حصولها عليه في أغلب الأوقات من بنوك دم أخرى وخضع بالفعل لإجراء الاختبارات عليه وثبت خلوه من الفيروسات''.

من واقع خبرته العميلة أكد دكتور علاء جاد، على أن مقترح إنشاء وحدات للتبرع بالدم على الطرق السريعة لتوفير الدم في حالة حوادث الطرق مقترحا غير مجديا من الناحية العملية، وهو مقترحا طرحته لجنة الصحة في مجلس الشعب عام 2012، وأوضح أن كيس الدم يمر بمراحل عدة للتأكد من خلوه من الأمراض تستغرق تقريبا يوم وهي إختبارات إلزامية، بالتالي لا يمكن التبرع بالدم ونقله للمريض في نفس اللحظة.

وأشار جاد إلى أن الجمعيات والأنشطة الطلابية بالجامعات من أكثر الداعمين لبنوك الدم عن طريق تنظيم حملات للتبرع بالدم، ودعوتهم إلى التبرع المنتظم الإرادي بدون مقابل والذي يؤدى إلى الحصول على كيس دم أمن.

في انتظار تصريح وزارة الصحة

لعرض رد وزارة الصحة حول ما جاء في تحقيق مصراوي، وفقا للقواعد المهنية التي تقتضى عرض جميع جوانب الأزمة وإتاحة الفرصة للرد، تم التواصل مع المكتب الإعلامي في وزارة الصحة من أجل الحصول على البيانات الرسمية المتعلقة بالاحتياج السنوي من الدم والمخزون الحالي، فضلا عن التصريح بالحوار مع دكتورة عفاف أحمد علي المدير المسؤول للمركز القومي لنقل الدم، وفقا للنظام المعمول به في وزارة الصحة والذي يقتضى الحصول على تصريح من وزير الصحة دكتور عادل عدوى، من أجل السماح لقيادات الوزارة بإجراء أحاديث صحفية، إلا بموافقة الوزير إلا أن هذه الموافقة لم تصدر على مدار أسبوع كامل، مع وعد دائم من مسؤولي المكتب الإعلامي بقرب موافقة الوزير والحصول على تصريح بالحوار والمعلومات اللازمة.

 

رحلة مصراوي للبحث عن كيس دم من فصيلة نادرة

التبرع الأسري لإنقاذ المريض

قانون قديم ومبادرة ''فصيلتي'' المهملة

الخوف من العدوى على رأس المخاوف في استبيان مصراوي

 

 

 

بنك الدم

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

لا توجد نتائج