لغز "الناضورة".. حكاية حارس الصحراء الغامض في الوادي الجديد- صور
كتب : محمد الباريسي
-
عرض 12 صورة
-
عرض 12 صورة
-
عرض 12 صورة
-
عرض 12 صورة
-
عرض 12 صورة
-
عرض 12 صورة
-
عرض 12 صورة
-
عرض 12 صورة
-
عرض 12 صورة
-
عرض 12 صورة
-
عرض 12 صورة
-
عرض 12 صورة
في أعماق الصحراء الغربية، حيث تلتقي رمال الزمن بحكايات الحضارة، يقف معبد الناضورة شامخًا على ربوة عالية يبلغ ارتفاعها 75 مترًا، ليروي قصة استثنائية تمتد لأكثر من 19 قرنًا.
هذا المعبد الذي استخدمه الرومان "كمين مراقبة" لحماية القوافل التجارية، يمثل اليوم واحدًا من أهم الشواهد الأثرية على عبقرية الإنسان المصري في توظيف الجغرافيا لخدمة الأمن والتجارة معًا.
يقع معبد الناضورة في محافظة الوادي الجديد، شمال مدينة الخارجة بنحو كيلومترين فقط، وعلى بعد كيلومتر واحد جنوب شرق معبد هيبس الشهير، ليشكل جزءًا لا يتجزأ من المنظومة الأثرية الفريدة التي تزخر بها الواحات المصرية.
وجرى مؤخرًا، في أكتوبر 2025، الانتهاء من مشروع ترميم شامل لهذا المعلم التاريخي المميز، في إطار جهود الدولة المستمرة للحفاظ على التراث الأثري المصري.
موقع استراتيجي حوّل المعبد إلى "عين الواحات"
كشف محمد إبراهيم، مدير عام الآثار المصرية بالخارجة، في تصريحات لـ مصراوي، أن معبد الناضورة يمثل نموذجًا فريدًا للعمارة الرومانية العسكرية والدينية معًا، موضحًا أن المعبد عبارة عن بقايا مبنى مشيد من الحجر الرملي، تحيط به أسوار ضخمة من الطوب اللبن، وقد جرى بناؤه على ربوة عالية تمنح المراقب رؤية بانورامية شاملة لأراضي الواحة الخارجة بأكملها.
وأضاف إبراهيم أن تسمية "الناضورة" جاءت في العصور العربية، وهي تعني نقطة المراقبة أو "الكمين"، حيث استُخدم الموقع لمراقبة القوافل التجارية التي كانت تمر عبر درب الأربعين الشهير، هذا الدرب التجاري الحيوي الذي ربط مصر عند أسيوط بمنطقة دارفور في السودان، مرورًا بالواحات الخارجة، كان يمثل شريان التجارة الرئيسي في العصور القديمة.
وأشار مدير الآثار إلى أن من يعتلي التل يستطيع كشف مساحة واسعة من الواحة الخارجة، ورؤية أطلال مدينة هيبس القديمة وما تبقى فيها من آثار، بما في ذلك المعبد الذي لا يزال يحمل اسم تلك المدينة العريقة.
عمارة فريدة تجمع بين الفن والوظيفة
يتخذ المعبد محورًا ممتدًا من الشرق إلى الغرب، حيث يبدأ من الناحية الشرقية بحجرة من الطوب اللبن يتساوى سقفها مع أرضية المعبد الحجري.
وأوضح إبراهيم أن المتبقي من المعبد حاليًا هو صالة واحدة تفتح ناحية الشرق، بها بقايا قاعدة لعمودين يُعتقد أنه كانت بينهما ستائر جدارية وتحمل الجدران الثلاثة للصالة - الشمالية والجنوبية والغربية - مناظر مصورة ونقوشًا رائعة تعود للقرن الثاني الميلادي، تحديدًا من العصر الروماني. تظهر هذه النقوش الإمبراطورين هادريان وأنطونيوس بيوس وهما يقدمان القرابين لمجموعة من الآلهة المصرية، من بينهم الإله آمون والإلهة موت والإله خنسو.
وكشف الخبير الأثري بهجت أبو صديرة، مدير الآثار المصرية السابق بالوادي الجيدد، أن الجدارين الجنوبي والشمالي للصالة يحملان مناظر مذهلة لمجموعة من الراقصات يحملن الدفوف، إلى جانب منظر لثلاثة قردة جاثية على ركبها في وضع التعبد، كما يظهر على الجدران منظر لثلاثة رجال يتجهون بوجوههم نحو الغرب، يعلو رؤوسهم الشعر المستعار وتاج على شكل كأس، في صورة تمثل المعبود بس خلال احتفاله بعيد الميلاد.
مركز للعبادة والحماية معًا
قال أبو صديرة، إنه جرى تكريس معبد الناضورة لعبادة المعبود خونسو، إله القمر في المعتقدات المصرية القديمة، وتفتح الصالة الرئيسية من الناحية الغربية على بقايا قدس الأقداس، المتبقي منه الآن ثلاثة مداميك من الحجر الرملي في الجدارين الغربي والجنوبي.
وأشار إلى أن المعبد تحيط به بقايا أسوار ضخمة من الطوب اللبن كانت تُستخدم خلال العصر الروماني كحصن لحماية وهداية القوافل التجارية المارة على درب الأربعين، ويتضح أن المعبد كان له بابان من الحجر الرملي، أحدهما في الناحية الجنوبية والآخر في شمال الجدار الغربي.
بالإضافة إلى ذلك، توجد بقايا معبد آخر أصغر حجمًا، مشيد من الحجر الرملي، يقع في الناحية الشمالية الغربية من المعبد الرئيسي على بعد نحو 500 متر، ويُرجح أنه يعود أيضًا للعصر الروماني. الجزء المتبقي منه حاليًا عبارة عن بقايا بوابة من الحجر الرملي تؤدي إلى صالة توصل إلى قدس الأقداس، لكن لا توجد عليه أي كتابات أو نقوش.
مشروع ترميم طموح يعيد الحياة للمعبد
أنهت الإدارة المركزية لترميم وصيانة الآثار والمتاحف، ممثلة في إدارة ترميم الآثار المصرية بالخارجة، في أكتوبر 2025، أعمال ترميم شاملة لمعبد الناضورة، وذلك في إطار خطة وزارة السياحة والآثار للحفاظ على المواقع الأثرية الفريدة.
شملت أعمال الترميم عدة محاور رئيسية، بدأت باستكمال الأجزاء المفقودة من المعبد، وإزالة أعمال ترميم سابقة غير مناسبة لطبيعة الموقع الأثري واستبدالها بمواد ترميم حديثة متوافقة مع طبيعة الحجر الرملي، كما جرى تدعيم الجدران من الأسفل في المواضع التي تعرضت للتآكل والنحر نتيجة تأثير عوامل الرياح والعوامل الجوية على مدار القرون.
تطوير سياحي يفتح آفاقًا جديدة
تشهد منطقة معبد الناضورة حاليًا تطويرًا سياحيًا كبيرًا، حيث يجري إنشاء طريقين وميدان في هذه المنطقة الأثرية، بهدف ربطها بمنطقة مجمع المصالح الميكنة الذي يجري إنشاؤه شمال مدينة الخارجة، وبباقي أنحاء المدينة.
وكشفت المهندس جهاد المتولي، رئيس مركز الخارجة، أن هذا التطوير يهدف إلى زيادة فرص التسويق السياحي لهذا الأثر الفريد من نوعه، وتسهيل وصول الزوار والسياح إلى الموقع، بما يسهم في تعزيز مكانة محافظة الوادي الجديد على الخريطة السياحية المصرية والعالمية.
وقال جهاد، إن معبد الناضورة يمثل نموذجًا فريدًا يجمع بين الأهمية التاريخية والعسكرية والدينية، فهو ليس مجرد موقع أثري، بل شاهد حي على الاستراتيجيات العسكرية والاقتصادية التي اتبعتها مصر في العصور القديمة لحماية طرق التجارة وتأمين القوافل.