كيف تحول الشرع من مدرج على قوائم العقوبات لرئيس مدعوم دوليًا؟
كتب : مصراوي
أحمد الشرع
مصراوي
من زعيم هيئة تحرير الشام المعروف باسم أبو محمد الجولاني، إلى الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع المعترف به دوليًا، يظهر الشرع اليوم بصورة مختلفة تمامًا عن الماضي، الرجل الذي كان مدرجًا على قوائم العقوبات الدولية، يتجه الآن إلى المحافل العالمية ببدلة رسمية مرتبة ومظهر دبلوماسي، بعدما تغيّر اسمه رسميًا ليصبح الرئيس الشرع.
وصل الشرع إلى واشنطن في زيارة رسمية بعد يومين فقط من رفع الولايات المتحدة تصنيفه كإرهابي عالمي. تشمل الزيارة لقاءً مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض، في خطوة تمثل حضور سوريا رسميًا على الساحة الدولية بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد قبل 11 شهرًا.

منذ توليه السلطة، ركز الشرع على إعادة ترسيخ حضور سوريا في المحافل الدولية، بعد عقود من العزلة في ظل حكم الأسد وحرب أهلية استمرت 13 عامًا، وفي هذا الإطار، زار الولايات المتحدة في سبتمبر لإلقاء خطاب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أكد فيه أن سوريا تسعى لاستعادة مكانتها بين الدول ودعا المجتمع الدولي إلى رفع العقوبات.
استجابة لهذه الخطوات، أيد مجلس الأمن الدولي قرارًا أمريكيا برفع بعض العقوبات، بالتزامن مع جهود واشنطن لتخفيف القيود تدريجيًا على سوريا وقياداتها الجديدة.
التحول في مظهر الشرع يعكس أيضًا استراتيجياته الرمزية؛ فقد تبنى أسلوبًا أكثر غربية في ظهوره العام، لكنه استخدم الزي العسكري خلال الهجوم على نظام الأسد كرمز لدوره كقائد غرفة العمليات، هذه التحولات بعيدة عن الفترة التي كان يعرف فيها باسم أبو محمد الجولاني، وهو اللقب الذي استخدمه أثناء قيادته هيئة تحرير الشام، الجماعة التي كانت مرتبطة بتنظيم القاعدة حتى قطع علاقتها بالتنظيم عام 2016.

وقبل قيادة هيئة تحرير الشام، شارك الشرع في القتال ضمن صفوف القاعدة في العراق، وقضى فترة في السجن تحت يد القوات الأمريكية، ما يعكس خلفيته العسكرية والجهادية قبل التحول إلى مسار سياسي ودبلوماسي.
خلال فترة حكمه، أصبحت هيئة تحرير الشام القوة المهيمنة على محافظة إدلب، أكبر معقل للمعارضة في شمال غرب سوريا، ويعيش فيها نحو أربعة ملايين نسمة، بينهم عدد كبير من النازحين من محافظات سورية أخرى.
ولمواجهة المخاوف بشأن السيطرة المسلحة، أنشأت الهيئة عام 2017 جبهة مدنية باسم حكومة الإنقاذ السورية لتعمل كذراع سياسي وإداري، حيث تضم رئيس وزراء وعددًا من الوزارات والإدارات المحلية التي تشرف على قطاعات رئيسية مثل التعليم والصحة وإعادة الإعمار، إلى جانب مجلس ديني يقدم التوجيهات وفق الشريعة الإسلامية.
في إطار جهوده لتعزيز صورته العامة، شارك الشرع بشكل مباشر مع السكان المحليين، وزار مخيمات النازحين، وحضر فعاليات عامة، وأشرف على جهود الإغاثة خلال أزمات مثل زلزال عام 2023.
كما سلطت هيئة تحرير الشام الضوء على ما اعتبرته إنجازات في مجالي الحوكمة والبنية التحتية، بهدف تعزيز شرعيتها وقدرتها على تقديم الاستقرار والخدمات للسكان المحليين.

وأشارت الهيئة في تصريحات سابقة إلى تجربة طالبان بعد عودتها إلى السلطة في أفغانستان عام 2021، معتبرة إياها نموذجًا للموازنة بين الجهود العسكرية والطموحات السياسية، بما في ذلك تقديم بعض التنازلات لتحقيق أهداف محددة.
وفي إدلب، ركزت الهيئة تحت قيادة الشرع على الاستقرار والخدمات العامة وإعادة الإعمار، لتقديم المحافظة كنموذج لإدارة فعّالة، ما ساهم في تعزيز موقع الهيئة داخليًا وسياسيًا.
استجابة لهذه الإصلاحات، رفعت الولايات المتحدة بعض العقوبات عن هيئة تحرير الشام في وقت سابق من العام الحالي.
ومع ذلك، واجهت الهيئة انتقادات بشأن محاولتها تهميش الفصائل المسلحة الأخرى، سواء الجهادية أو التقليدية، ضمن سعيها لتعزيز سيطرتها على المنطقة.
وشملت الإصلاحات الداخلية إعادة هيكلة قوة أمنية مثيرة للجدل متهمة بانتهاكات حقوق الإنسان، وإنشاء ديوان للمظالم لتلقي شكاوى المواطنين، حيث رأى بعض المنتقدين أن هذه الإجراءات تهدف أساسًا إلى احتواء المعارضة.

يُعد لقاء الشرع بالرئيس الأمريكي ترامب أحدث خطوة في مساره الدبلوماسي، بعد أن التقى ترامب سابقًا في مايو خلال زيارة الرياض، حيث وصفه الرئيس الأمريكي آنذاك بأنه "رجل قوي، ذو ماض قوي".
وعلى الرغم من خلفيته العسكرية والجهادية، حصل الشرع على دعم بعض الحكومات المعارضة لنظام الأسد، بعد تعهده بقيادة حكومة معتدلة تسعى لكسب دعم مختلف الجماعات والفصائل العرقية في سوريا.
وفي مقابلة مع صحيفة الإيكونوميست في مايو، قال الشرع: "لا يمكننا بناء مستقبل على الانتقام. يجب أن تكون سوريا وطناً لجميع أبنائها، وليس فقط للمنتصرين".