إعلان

لم تكن مجرد صحفية.. المقدسية شيرين أبو عاقلة رسول أسرى الحرية

01:55 م الخميس 12 مايو 2022

جثمان الصحفية شيرين أبو عاقلة

كتبت- سارة أبو شادي

"أنا بنت القدس، وأحب أن أراها سعيدة".. شيرين أبو عاقلة، وصفها البعض بأيقونة صوت الحق الصادح في ميادين فلسطين، وآخرون قالوا عنها أستاذة الصحافة والإنسانية. لم تكن مجرد صحفية بل كانت نافذة فلسطين على العالم، ترعرع الملايين على صوتها وطلتها، وتركت في منازل أبناء وطنها بصمة وذكرى لا تُنسى.

على مدار 25 عاما دخلت فيها بيوت أهالي فلسطين جميعًا كصحفية ومناضلة وابنة وصديقة، ساندتهم كثيرًا في مصابهم ورافقتهم في فرحهم، كانت تتنقل بين منازل الأسرى والشهداء وكأنّها ابنة لهم، شكلت بصوتها وطلتها ذكريات أطفال بلدتها القديمة بالقدس بل وأطفال فلسطين جميعًا.

مصراوي تحدث لعدد من أبطال قصص شيرين، أسير مازال في قبضة الاحتلال، وأهالي شهيد روت المراسلة الفلسطينية حكايته للعالم، وجارة لا تعرف كيف يأتي الصباح دون أن تطل في وجه من أمضت طفولتها تنتظر أمام منزلها لرؤيتها.

الصحفية المناضلة

شيرين لم تناضل العدو بالميدان فقط، بل كان نضالها الأكبر بمنازل الأسرى والشهداء في مدن فلسطين المختلفة، ففي سبتمبر الماضي تمكن 6 أسرى من الهروب بينهم مهندس العملية كما أطلقوا عليه "محمود العارضة"، كعادتها تلحق بالحدث أيا كان توجهت الشهيدة إلى منزل أسرة محمود ليكون اللقاء الأول بينهما.

"لم تتعامل معنا شيرين كصحفية بل كانت بمثابة الشقيقة الكبرى" هدى العارضة شقيقة الأسير محمود العارضة، سردت لمصراوي بعضًا من التفاصيل الإنسانية التي جمعت شيرين بأسرتها، في اللقاء الأول بدا الأمر طبيعيّا صحفية جاءت إلى المنزل لإجراء مقابلة مع الأسرة لكنّهم وبعد إلقاء القبض على الأسير محمود تفاجأوا بما فعلته الشهيدة.

1

علمت الراحلة أنّ محمود حينما وقع في الأسر كان يحمل بيده إناء عسل (برطمان)، حاول الوصول إلى أمه لإهدائه إليها، لكنّ الفتى لم يصل وسقط في أيدي العدو مرة ثانية، قررت حينها شيرين أن تُحقق أمنية محمود وجاءت إلى الأسرة تحمل بيدها "كيلو عسل"، وأعطته هدية إلى والدته وكأنّ محمود من أرسله إليها، ومنذ تلك اللحظة لم تُفارق شيرين أبو عاقلة الأسرة.

"استمرت شيرين بجانبنا، واكبت جلسات محاكمة شقيقي، حتى أنّها كانت ترافقنا قبل أيام" وقع خبر استشهاد الصحفية الفلسطينية على أسرة محمود وتحديدًا والدته كالصدمة الشديدة، الأم لم تتحمل الخبر وحتى اللحظة لازالت في ذهول وصدمة وكأنّها فقدت ابنتها للتو، لا تفعل شيئا سوى البكاء والحديث عن اللحظات التي جمعتها بالشهيدة شيرين أبو عاقلة، تلك الذكريات التي ستظل محفورة في أذهان عائلة محمود بأكملها وليس الأم فقط.

2

البكاء على أنقاض منزل شهيد

نضال شيرين لم يكن وليد اللحظة بل خلّدت الفتاة اسمها وسط المناضلين منذ سنوات، ففي عام 2002 وأثناء الانتفاضة الفلسطينية كان اللقاء الأول الذي جميع بين شيرين وأسرة الشهيد محمد أيوب سدر في منطقة الخليل، أثناء محاولة الاحتلال هدم منزل الشهيد كعقاب لأسرته.

اللقاء الذي سرده داود سدر نجل عم الشهيد لمصراوي، بدا في البداية طبيعيّا جاءت شيرين رفقة اثنين من زملائها في قناة الجزيرة لتغطية الحدث، ومع سقوط أول حائط من المنزل صرخت الشهيدة بل وانهارت بالبكاء وكأنّ من هًدم للتو كان منزلها.

3

"وقت متابعة الهدم شاهدنا جميعًا شيرين أبو عاقلة الإنسانة"، وقفت شيرين تبكي على أنقاض المنزل، لكنّها اتخذت على نفسها عهدًا بأّن تكون فردًا من عائلة الشهيد الذين فقدوا نجلهم ومنزلهم في آن واحد، فبدأت الشهيدة الراحلة تتردد على العائلة بين الحين والآخر للاطمئنان عليهم، تشاركهم الأفراح وتواسيهم في الأحزان.

موقف شيرين مع أسرة الشهيد محمد سدر لم يكن الوحيد، بل هناك العديد من المواقف مع عوائل وأسر الشهداء تحديدًا في مدينة الخليل، فسرد لنا نجل عم الشهيد حكايات عدة عن شيرين في مدينته الخليل حتى أنّهم لم يتعاملوا مع الشهيدة باعتبارها صحفية لكنّها بالنسبة لهم مناضلة فلسطينية، يدركون جيدًا أنّه في أي موقف صعب سيتعرضون له ستقف لمساندتهم.

"توقعت دائمًا أنّ رحيل شيرين سيكون مختلفًا وستذهب وهي في الميدان"، يحكي محمد، الرجل الذي التقى شيرين لأول مرة في شبابها، مؤكدا أنه كان يُدرك أنّ تلك الفتاة سيطالها الموت في الميدان، فكانت تذهب إليه حيثما كان دون أن تخاف أو ترهب.

يختتم الرجل بحزم: كما عاشت شرين مناضلة أبية ماتت شامخة في وجه المحتل، شاهدها العالم أجمع لتكون آخر إطلالها أمام الشاشة كما أحبت دائمًا.

4

الرحيل رفقة من تحب

في الخامس من مايو الحالي، نعت شيرين أبو عاقلة على صفحتها الشخصية بفيسبوك والدة الأسير الفلسطيني كريم يونس، البعض يمكن أن يعتقد الأمر طبيعيّا فغالبية الصحفيين في فلسطين تربطهم علاقة ود مع أهالي الأسرى والشهداء، لكنّ الوضع كان مختلفًا مع الراحلة خاصة مع بعض عائلات الأسرى ومن بينهم عائلة كريم يونس.

"كان لشيرين مواقف عدة مع عائلتنا تعاملنا معها وكأنّها أختًا لنا"، يقول تميم يونس شقيق الأسير كريم يونس أحد أقدم الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال. قبل نحو 7 أيام نعت شيرين والدة الأسير كريم، كتبت أنّها توفت بعد نحو 39 عامًا من انتظار عودة ابنها والذي اعتقل عام 1983 ومن المتوقع أن يتم الإفراج عنه بعد نحو 8 أشهر.

5

حزنت شيرين على رحيل الأم وكأنّها أمها، فعلى مدار سنوات رافقتها كثيرًا في الزيارات وساندتها أثناء المحاكمات، كانت تواسيها دائمًا وتزرع الأمل في قلوبها بعودة نجلها الأسير، بين الحين والآخر كانت تُطل عليها للاطمئنان، منزل تميم بأكمله في حالة حداد على رحيل شيرين، في أسبوع واحد فقد أمه وشقيقته الأمر كان صعبًا عليه أمس ودّع والدته وبكى عليها واليوم، خرج يُودع شيرين.

6

مُلهمة الطفولة

"شيرين أبو عاقلة كانت حاضرة في أذهاني أنا وأبناء جيلي"، الجملة رددتها حنين عيسى الفتاة العشرينية ابنة مدينة القدس وإحدى جيران الشهيدة شيرين أبو عاقلة. لم يفارق حنين البكاء أثناء حديثها فشيرين بالنسبة لها لم تكن مجرد صحفية شهيرة تقطن بجوارها لكنّها كانت مُلهمتها، في طفولتها كانت حنين تتعمد أحيانًا الاستيقاظ مؤخرًا للذهاب إلى المدرسة حتى تُصادفها في وقت خروجها.

بإحدى أحياء منطقة شعفاط في القدس عاشت شيرين طفولتها وشبابها قبل أن تنتقل إلى بيت حنينا إحدى المناطق المجاورة لموطنها الأصلي، حنين في حديثها لمصراوي أخبرتنا "أنّه في ذاك الزمن كان يجب أن ندرس ونلعب ونسمع شرين أبو عاقلة" وكأنّها كانت شيئًا أساسيّا اعتادوا عليه في طفولتهم وشبابهم حتى اليوم.

7

"كانت في الطبيعة زي ما بتطل علينا على الشاشة" حنين كانت من أطفال الانتفاضة الفلسطينية هي والكثير من أبناء الحي، جسدّت شيرين في ذاكرتهم النضال رغم رحيلها عن منطقتهم لكنّهم كانوا يمرون على منزلها القديم بالحي ويرددون "كانت معكم شيرين أبو عاقلة الجزيرة القدس فلسطين". ارتدت حنين وأبناء شعفاط السواد حدادًا على شيرين تذكرت تلك الأيام التي كانت تقف خلسة أمام منزلها لمشاهدتها أثناء خروجها للعمل وعلى وجهها ابتسامة نصر بأنّها اليوم شاهدت شيرين أبو عاقلة.

لطالما أحبت شيرين أبوعاقلة مخيم جنين، كانت دائمًا تحمل بيدها رسالة مفادها "أتيت من القدس برسالة تربط الدم والهوية"، قالتها شيرين ذات يوم من جنين وهي التي باتت في مستشفياتها وبيوت أهلها من تعرفهم ومن لا تعرفهم، لم تعلم شيرين أنّها جاءت من القدس مكان ميلادها، لتستشهد على الأرض التي أحبتها كثيرًا "جنين".

فيديو قد يعجبك: