إعلان

"سوق نخاسة" في إيطاليا.. عبودية واغتصاب للعاملات الرومانيات

09:51 م الخميس 16 مارس 2017

سوق نخاسة في إيطالياعبودية واغتصاب للعاملات الروما

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

 

كتب - ممدوح عطا:

قالت صحيفة "الجارديان" البريطانية في تقرير لها عن النساء الرومانيات العاملات في مزارع والصوبات الزراعية في صقلية إيطاليا، إن مقاطعة راجوزا تحولت إلى سوق "نخاسة" للعاملات الرومانيات، مشيرة إلى أنهم يتعرضن لجميع صور الاستغلال في العمل واعتداءات جنسية وسوء المعاملة وتردى الأحوال المعيشية، وأن الحكومة الايطالية تغض بصرها عن هذه الانتهاكات خشية انهيار الاقتصاد الزراعي في جزيرة صقلية.

حكاية نيقوليتا

وروت "الجارديان" حكايات عن العاملات الرومانيات منها حكاية نيقوليتا بولس، أنه كل ليله لما يقرب من ثلاث سنوات، تظل نيقولا بولس مستيقظة في فراشها القذر في كوخ من الخشب، في مقاطعة راجوزا – صقلية، في انتظار مجيء صاحب المزرعة التي تعمل بها.

وأضافت الجارديان أن الشيء الوحيد الذي كانت تخافه نيقوليتا أكثر من خوفها من صوت اقتراب صاحب عملها من مكان نومها، هو تهديدها بفقدان وظيفتها.

وتقول نيقوليتا للصحيفة، "في المرة الأولى أخبرني زوجي بأن عليّ ممارسة الجنس مع صاحب الصوبة الزراعية حيث أعمل أنا وزوجي، وأنه إذا رفضت مضاجعته فأنه سيقوم بطردنا من العمل لديه."

وأضافت "اعتقدت أن زوجي أصابه الجنون، وعندما رفضت، قام بضربي، وقال إنه علينا القيام بكل ما يطلبه منا صاحب العمل. كانت الطريقة الوحيدة التي تمكننا من الاحتفاظ بعملنا، وأنه عندما أتى صاحب العمل لممارسة الجنس معي قام بتهديدي ببندقية نارية، وقال إنه سيفجر رأسي إذا تحركت، وعندما انتهى منى غادر المكان دون أن يقول شيئا".

وفى صباح اليوم التالي ذهبت نيقوليتا إلى عملها، ومنحنية بجوار زوجها في جو الصوبة الزراعية شديد الحرارة لجنى المحصول، الذي جعل من إيطاليا أكبر مصدر لزراعة وتصدير الفواكه والخضروات في أوروبا، ومن مقاطعة راجوزا ثالث أكبر منتج للخضروات في أوروبا.

وتقول "خلال أوقات العمل في المزارع، يعطى العاملين أماكن بالكاد تكون صالحة للسكن، ويعطوا غذاء القطط لوجبة العشاء ويرفض أصحاب المزارع تقديم العلاج الطبي للعاملين لديهم".

وفى الليل، تصبح نيقوليتا وباقي العاملات الرومانيات وسيلة متعة لأصحاب المزارع وأصدقائهم، وأنهن يعترضنا للاغتصاب المتكرر وسوء المعاملة على مدار سنوات عديدة.

وأضافت "عندما أتيت إلى هنا، كنت أعتقد انني أتيت إلى عمل شاق ولكنه عمل لائق في دولة أخرى من دول الاتحاد الأوروبي، لكن أنتهى الحال بنا إلى أن أصبحنا "رقيق".

"فضيحة حقوقية"

تعمل 5000 سيدة رومانية في الزراعة. أصحبت معاملتهن فضيحة حقوق إنسان متنامية، بسبب الانتهاكات مع إفلات أصحاب المزارع من العقاب كليا.

وقدرت منظمة بروكسيما، وهي منظمة إيطالية معنية بحقوق المهاجرين، أن أكثر من نصف العاملات الرومانيات تم اجبارهن على إقامة علاقات جنسية مع أصحاب العمل، وأن الغالبية العظمى منهن تعانين من ظروف العمل القسري والاستغلال الشديد.

ويؤكد رجال الشرطة أنهم يعتقدون أن ما يصل الى 7500 سيدة رومانية تعيشن في عبودية في مزارع المنطقة.

ونقلت الجارديان تصريح جوديو فولب، رئيس درك الشرطة العسكرية في صقلية بأن "راجوزا كانت مركزا للاستغلال على الجزيرة".

وأضاف قائد درك الشرطة العسكرية "تلك النسوة تعملن وتعاملن كعبيد في المزارع ونحن على علم بأنهن تخضعن للابتزاز لممارسة الجنس من جانب أصحاب المزارع أو الصوب الزراعية كما أنهن تتعرضن للقهر النفسي".

وأكد أنه ليس من السهل التحقيق أو إيقاف ما يتعرضن له من اغتصاب واستغلال، لأن السيدات خائفات على الأرجح من التحدث عن الأمر.

"خيارات يائسة"

وأشارت صحيفة الجارديان إلى أن الكثير من السيدات الرومانيات لديهن عائلات تعتمد عليهن اعتمادا كليا في رومانيا ويشعرن بأنهن مضطرات لاتخاذ خيارات يائسة، والتي تركت الحزن خطوطا عميقة على وجه نيقوليتا.

وتقول نيقوليتا "حيثما أتيت من مولدافيا، لا أحد لديه وظيفة هناك... متوسط الأجر نحو 200 يورو، وهنا يمكنك أن تجنى المزيد".

وحكت عشرات السيدات الرومانيات تفاصيل ما تعرضوا له من اعتداء جنسي واستغلال متضمنة العمل 12 ساعة متواصلة في درجة حرارة عالية دون مياه، وعدم دفع للأجور، وإجبارهن على العيش في ظروف مهينة وغير صحية، وغالبا ما تشمل أيام العمل التعرض للعنف الجسدي والتعرض للتهديد بأسلحة نارية، علاوة على تعرضهن للابتزاز وتهديد الأسرة والأطفال.

وتقول الدكتورة الكسندرا سيردرا، من جامعة بالريمو، التي شاركت في كتابة التقرير عام 2015 والذي وثق سوء المعاملة التي تواجه العاملات الرومانيات في صقلية، إن أحوالهن أصبحت أكثر سوءا الآن.

وأضافت سيردرا أن "العاملات الرومانيات أخبروهن بأنهن في حاجة للهجرة في محاولة لتأمين مستقبل لأطفالهم الذين يعيشون في فقر مدقع في رومانيا، لكن يتم إجبارهن على تحمل ظروف قاسية وسوء معاملة نتيجة لذلك."

وقالت "العاملات الرومانيات أخبرونا بأنه لا يوجد عمل اخر، لذلك اضطررن إلى قبول هذه الصفقة من أجل إعالة أسرهن، وما شاهدناه ليس أقل شيئا من العمل القسري والاتجار بالبشر كما عرفت الأمم المتحدة".

وأضافت الكسندرا أن المدعى العام فالنتينا بوتى تلاحق المزارعين بتهم متعددة بالاعتداء الجنسي والاستغلال في العمل، وأن إساءة معاملة النسوة الرومانيات أصبحت "ظاهرة ضخمة".

وأكدت أن "الاختطاف والاعتداء الجنسي وإبقاء الاشخاص في العبودية، ثلاث جرائم كبرى، رصدتها بالتفاصيل في تحقيقاتنا حتى الآن."

وأضافت "نحن نتكلم عن الألاف من النساء الرومانيات المحتملات ضحايا انتهاكات خطيرة، عدد قليل جدا من الرومانيات يخبرونا بقصصهم، أغلبهن يقبل بسوء المعاملة كتضحية شخصية يجب أن يقوموا بها إذا أردنا الاحتفاظ بعملهن، وألا فإن الأثار المترتبة على فقدان وظائفهم على الكثيرين منهن مدمر."

ونقلت الجارديان عن اليزا روانية، التي تبلغ من العمر 45 عاما أنها شعرت بأنه لا خيار أمامها عندما قام صاحب العمل بجذبها الى كوخ في يومها الأول في العمل.

وأضافت اليزا: "حاولت الهروب منه، لكنه أخبرني بوضوح أنه إن لم أمارس الجنس معه، فإنه يتوجب على مغادرة العمل".

وواصلت "ظللت لأشهر بدون عمل، وقتها أدركت إن أردت البقاء في إيطاليا فينبغي القبول بذلك".

ارتفاع في عمليات الإجهاض

وأشارت الجارديان أنه نتيجة للاعتداءات الجنسية على العاملات الرومانيات والخوف من فقدان العمل، فإن هناك ارتفاع كبير في عدد الرومانيات طلبا لأجراء عمليات اجهاض في صقلية، وأن هذا الارتفاع يثير قلق الأخصاء الطبيين وجماعات حقوق الأنسان.

وطبقا لبروكسيما فان النساء الرومانيات تشكلن نحو 4 في المئة فقط من عدد نساء مقاطعة روجوزا، إلا أنهن تسجلن نحو 20 في المئة من عدد عمليات الإجهاض.

وحذرت أوسليا كونسنتينى، منسق مشروع "فاري"، والذي يقدم المساعدة الطبية للنساء الرومانيات، من أن عدد عمليات الإجهاض بين الرومانيات مثير للقلق جدا.

وأضافت أن العديد من الرومانيات اللاتي يطلبن الإجهاض يأتون بصحبة أصحاب العمل أو مع رجال إيطاليين أخرين، وبالرغم من أننا لا نستطيع أن نخلص بوضوح إلى أن حمل العاملات الرومانيات نتيجة للعنف الجنسي أو الخوف من فقدان العمل، إلا أن العدد الضخم لعدد عمليات الإجهاض يجب إن يأخذ على محمل من الجد.

وتواجه الرومانيات في بعض الحالات ظروف عمل عالية المخاطر، فتقول عاملة رومانية "إنها أصيبت بالمرض نتيجة إجبارها على التعامل مع الكيماويات الزراعية دون ملابس وقائية."

وأضافت بأنها كانت حامل في الشهر الخامس عندما شعرت بالمرض وبعدها أنجبت طفلا، وأن الطبيب قال لها أنه من المحتمل أن يعاني الطفل من تلف في المخ بسبب الكيماويات.

وأكدت صحيفة الجارديان أن "العاملات الرومانيات اللاتي يقومن بإبلاغ الشرطة عادة ما يجدن أنفسهن غير قادرات على إيجاد عمل في مكان أخر."

وقالت جلوريا البالغة من العمر 48 عاما من أنها عملت مع زوجها في صوبه زراعية، وأن صاحب الصوبة الزراعية طلب معاشرتها جنسيا، فرفضت طلبه فقام بطردها من العمل، فقامت بإبلاغ الشرطة، وأنه منذ ذلك الوقت وهي لا تستطيع العثور على عمل، وأن أصحاب المزارع الأخرين على علم بما قامت به وهم لا يريدون أن تعمل لديهم.

وأشارت صحيفة الجارديان إلى أن نيقوليتا بولس فرت من زوجها ومن المزرعة التي كانت تعمل بها، ولم تجد عملا وهو ما جعلها غير قادرة على إرسال نقود لأطفالها في رومانيا، وقام أصدقاءها بجمع ثمن تذكرة حافلة من مقاطعة راجوزا إلى رومانيا، وأنها بسبب ما قامت فقدت حضانتها القانونية لطفليها، وهم يعيشون الآن مع عم زوجها السابق ولم يسمح لها منذ ذلك الوقت بالاتصال بهم.

ورغم إساءة المعاملة التي لاقتها في رجوزا، إلا أنها عادت إليها بعد رحلة استغرقت 50 ساعة من رومانيا إلى صقلية للعمل لدى أصحاب الصوبات الزراعية.

وتقول الصحيفة أن فرص العمل العارضة في المزارع متوافرة، وأنه في السنوات الأخيرة، نمت الصادرات الإيطالية من الفواكه الطازجة لتصل قيمتها الآن الى 366 مليون يورو، ينتج الكثير منها في 5000 مزرعة في أنحاء مقاطعة راجوزا.

وقالت الصحيفة أن الزراعة الإيطالية منذ سنوات كثيرة تعتمد بشكل كبير على عمالة المهاجرين. وقدرت مجموعة "كولدرتى"، إحدى المجموعات الزراعية، أن نحو 120 ألف مهاجر يعمل في قطاع الزراعة في الجنوب الإيطالي.

وأشارت الصحيفة أنه نتيجة لسنوات من الادعاءات الضارة من استغلال مزارعي صقلية للمهاجرين واللاجئين العابرين للبحر المتوسط، والحملة التي قامت بها الحكومة الإيطالية، اتجه المزارعون للعمالة المهاجرة من داخل دول الاتحاد الأوربي.

وطبقا لإحصاءات رسمية فقد شهدت أعداد العاملات الرومانيات التي تسافر للعمل في صقلية زيادة كبيرة على مدى العقد الماضي، فمن 36 عاملة رومانية في مقاطعة راجوزا في 2006 إلى ما أكثر من 5000 عاملة هذا العام، متخطين بذلك التونسيين، وليصبحن أكبر مجموعة عاملة في قطاع الزراعة في راجوزا.

"وضع ميؤوس منه"

وأوضح جيسب سيفو، زعيم أكبر نقابة في إيطاليا "يخاف مزارعي راجوزا المحاكمة بتهمة تسهيل الهجرة غير الشرعية من خلال توظيف المهاجرين غير الشرعيين،" مضيفا أن "الهدف الجديد للاستغلال هم من مواطني الاتحاد الاوروبي الذين على استعداد لقبول أجور منخفضة بسبب الوضع الميؤوس منه في بلادهم."

وقال جيافرانكو كانسلو، رئيس "كولدرتى" أنه ليس لديه خيار إلا دفع أجور منخفضة، بسبب سياسات الاتحاد الأوروبي التي تسببت في استغلال العمالة الرومانية.

وأضاف "أنا لا اريد أن أبرر تصرفات المزارعين وأصحاب الصوب الزراعية الذين يدفعون أجور منخفضة للعمالة المهاجرة، لكنهم يشعرون أنه ليس هناك بدائل أخرى في ظل المنافسة الحامية من الأسواق الأوروبية الأخرى".

وبخصوص العنف والاعتداءات الجنسية على العاملات الرومانيات، قال جيافرانكو كانسلو "لا يوجد عذر للقيام بذلك، والأشخاص الذين يقومون بذلك يجب القبض عليهم والزج بهم في السجن، فالعاملات الرومانيات مرحب بهن في راجوزا، ويجب معاملتهن على قدم المساواة، ونحن ندين ذلك إدانة كاملة".

وطبقا للقانون الإيطالي يجب على أصحاب المزارع تقديم عقد رسمي للعمال الموسميين بأجر 65 يورو للثماني ساعات يوميا، وحتى الآن تجد العاملات اللاتي يصلن راجوزا عادة الواقع أكثر وحشية.

ويضيف سيفو "تحصل العاملات الرومانيات على أجر أقل بثلاث أضعاف مما يقرره القانون وأن الأغلبية منهم ليس لديهن عقود قانونية".

وقالت عاملات رومانيات للصحيفة إنهن نادرا ما يدفع لهن أجر يتجاوز 20 يورو يوميا.

وقالت الجارديان "حتى الآن لا يوجد حافز سياسي أو اقتصادي للسلطات في صقلية لإنهاء سوء المعاملة، بالرغم من أن الشرطة تقول إن لديها العشرات من الحالات المفتوحة في محاكمات جارية، وحتى الآن لم يتم إدانة إلا مزارع واحد بإساءة العاملات الرومانيات."

وقال سيفو أن المزارعين ليسوا أغنياء... إن دفع المزارعين أجور كما ينص القانون فإنهم سوف يخسرون الكثير من المال وسوف ينهار الاقتصاد الزراعي للمقاطعة بالكامل. ولهذا السبب تتغاضى السلطات عما يحدث، وأنه من الصعب اتخاذ إجراء لوقف هذه التجاوزات من الحدوث".

"لن نستسلم"

وتعثرت محاولة إثارة الأمر في البرلماني الإيطالي؛ ففي 2015 طالبت ماريسا ناكشى بلجنة تحقيق برلمانيه في النخاسة بين العاملات الرومانيات وطالبت رئيس الحكومة بفتح تحقيق في تلك الانتهاكات.

وقالت ماريسا ناكشى من مكتبها في البرلمان الإيطالي في روما، "مر عامان ولم تتخذ الحكومة الإيطالية أي إجراء حتى الآن... لن نستسلم، هذه الجرائم يجب أن تتوقف".

في راجوزا يقول الساسة المحليون أنه توجد محاولات لتقديم الخدمات للعاملات الرومانيات اللاتي يواجهن سوء المعاملة.

وأشارت الصحيفة إلى أنه بعد رجوع نيقوليتا بولس الى راجوزا، ارتبطت برجل من رومانيا ولها منه طفلين، وأنها قامت بالإبلاغ عن صاحب العمل التي كانت تعمل لديه، وأن الرجل تم إدانته بالاستغلال في العمل، وأن قضيته لم تأتى بعد للمحكمة.

وتقول الجارديان أن نيقوليتا أصابها المرض من سوء المعاملة وأنها قررت أن تروى قصتها علنا في محاولة للحصول على حقها وحق العاملات الرومانيات الأخريات اللاتي وقعن في شبكة من الاستغلال والإفلات من العقاب.

وأشارت الجارديان الى أنها قامت بتغير بعض الأسماء لحماية أصحابها.

 

فيديو قد يعجبك: