إعلان

الضمير المهني وحماية الكرامة الإنسانية.. الفنان والصورة بين الحق والاحترام

مصطفى صلاح

الضمير المهني وحماية الكرامة الإنسانية.. الفنان والصورة بين الحق والاحترام

مصطفى صلاح
07:00 م الخميس 25 ديسمبر 2025

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تابعنا على

تتدفق اللحظات بلا توقف، ويصبح الإنسان هشًا أمام عدسة السوشيال ميديا، وكأن العالم كله صار مراقبًا بلا هوادة. ما حدث مع الفنانة ريهام عبد الغفور ليس مجرد حادث جلل يمكن تجاوزه باللامبالاة، بل انعكاس لعالم يختلط فيه الواقع بالافتراض، والكرامة الإنسانية بالترفيه الرقمي، حيث تتحول صورة عابرة إلى حكم مسبق على حياة إنسان كاملة. هذه الواقعة تكشف الحاجة الملحة لضمير مهني واضح، وإطار أخلاقي يحمي الإنسان والفنان على حد سواء.

ريهام، مثل كل الفنانين، تعرف أن الأماكن العامة تحمل كاميرات لا تتوقف عن الرصد، لكنها لا تعرف أن لحظة من ضحكة أو حركة طبيعية ستُستغل لتشويه صورتها أمام آلاف العيون. هنا يتقاطع الشعور الشخصي بالحرج مع سرعة المجتمع في إصدار الأحكام، ويظهر الخلل في فهم قيمة الإنسان، وغياب المسؤولية الأخلاقية تجاهه. الإنسان، حتى حين يقف وسط الناس، يظل محتفظًا بحقّه في الاحترام، والحرية في التصرف لا تلغي مسؤولية الآخرين عن مراعاة هذا الحق.

الصورة، حين تُفقد سياقها، تتحول إلى أداة لإعادة صياغة الحقيقة في ذهن الناس. اللحظة العفوية تصبح حدثًا معنويًا يترك أثره على النفس والفكر، وتتقاطع معها أحكام مسبقة وسخرية رقمية مشروعة، في مجتمع يستعجل الحكم على كل شيء قبل أن يفهمه. هذا الخلل مزدوج: خلل في إدراك قيمة الإنسان، وخلل في فهم الصورة كأداة اجتماعية، لا كسلاح للتدمير. هنا يظهر بوضوح أن احترام الكرامة الإنسانية يبدأ بالضمير المهني لكل من يتعامل مع الصورة: المصور، الإعلامي، والمستخدم.

في هذا الإطار، يظهر دور أشرف زكي كنقيب للمهن التمثيلية، ليس كرمز فقط، بل كفاعل مسؤول يحمي الحقوق ويؤكد أن النقابة ليست هيئة شكلية، بل صمام أمان يحفظ الكرامة الإنسانية. التدخل النقابي لا يمنع التصوير، ولا يقيد التعبير، لكنه يضع حدودًا واضحة للتعامل مع الفنانين، ويعيد للصورة قيمتها الأصلية: أن تكون مرآة للواقع، لا أداة للسخرية أو التحامل. فالفن والمجتمع لا يمكن أن يظلوا منفصلين عن الأخلاق، والكرامة جزء أصيل من العمل المهني.

لكن المسؤولية لا تقع على النقابة وحدها. على المصورين، محترفين كانوا أو هواة، أن يفهموا أثر كل لقطة على حياة الآخرين، وأن يضعوا الضمير الإنساني فوق أي اعتبار آخر. فالضمير هنا ليس خيارًا، بل شرط لاستمرار علاقة متوازنة بين الفنان والمجتمع، وبين الفرد والجمهور، وبين الحق في التعبير وحق الاحترام. غياب الضمير يحوّل اللحظة العفوية إلى سلاح مدمر، ويحرف الصورة عن حقيقتها الإنسانية. احترام الصورة هو احترام للإنسان، وأخلاقيات التعامل معها هي جزء من الضمير المهني.

يمكن النظر إلى إجراءات عملية تقلل من التجاوزات، دون المساس بحرية التعبير: توعية الفنانين بكيفية التعامل مع الأماكن العامة والكاميرات، إعداد ميثاق شرف للمصورين يلتزمون فيه بعدم استغلال الصور بطريقة مسيئة، التعاون مع المنصات الرقمية للحد من تداول الصور المعدلة أو المستغلة ضارًا، وإنشاء آلية متابعة داخلية بالنقابة لتقديم المشورة للفنانين فور وقوع أي موقف حساس. كل هذه الإجراءات لا تقيد الحرية، بل تؤكد أن الأخلاق المهنية والضمير هما معيار التعامل مع الإنسان، وأن الكرامة لا تقل أهمية عن الفن أو الشهرة.

ما يحدث مع ريهام عبد الغفور ليس مجرد حادثة فردية، بل درس اجتماعي وثقافي وأخلاقي. إنه تذكير بأن الإنسان والفنان كيان واحد يحتاج إلى حماية، وأن أي استهانة بالكرامة تكشف أزمة أعمق في إدراك المجتمع للقيم الإنسانية. الصورة ليست مجرد لقطة، بل فعل اجتماعي يمتد أثره إلى وعي الناس وسلوكهم، ويؤثر على احترام الإنسان في كل مكان.

الرسالة واضحة: الفنان إنسان، والصورة أمانة، والضمير معيار أخلاقي ومهني. التدخل النقابي والتعاون بين المؤسسات والمصورين يحمي الفنانين ويعيد التوازن للمشهد الاجتماعي والفني. التحدي الحقيقي هو تحويل الوعي لدى الناس إلى رادع يحمي الإنسان ويوازن بين الحق في التعبير وحق الاحترام، لتصبح الصورة أداة بناء وحفظ للكرامة الإنسانية، لا وسيلة للهدم أو الاستهلاك السريع. وفي النهاية، يبقى الإنسان قلب المشهد، والضمير الأخلاقي والمهني مرجع لا يضاهيه شيء.

إعلان

إعلان