إعلان

جيلي وأفتخر.. الثائر الذي لم يترك الميدان بعد "2"

د طارق عباس

جيلي وأفتخر.. الثائر الذي لم يترك الميدان بعد "2"

د. طارق عباس
07:00 م الخميس 15 يوليه 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

في مجلة " الكواكب " بدأ محمد الشافعي مشواره الحقيقي في بلاط صاحبة الجلالة، عندما كلفت رئيسة التحرير "حُـسن شاه" أحد نائبيها "غنيم عبده" برعاية الشاب الموهوب وتدريبه. وبحسب ما أكده الشافعي مرارًا وتكرارًا، فإن غنيم عبده لم يكن شخصًا عاديًا، بل نقطة تحول مهمة بالنسبة له. لقد كان "غنيم عبده" ذكيًا لماحًا، غزير العلم، واسع الثقافة، مميزًا بحس صحفي فريد. آمن بالشافعي وبقدراته إيمانًا عظيمًا؛ لذلك منحه كامل الحرية في اقتراح الموضوعات التي يفضلها، ويراها تبرز جانبًا مهمًا يريد التعبير عنه. إن أول الموضوعات التي اقترحها الشافعي، كان حوارًا أجراه مع الأديب الكبير "يوسف عزالدين عيسى"، ومن شدة إعجاب "غنيم عبده" بالموضوع وافق على أن يفرد له 4 صفحات كاملة في المجلة؛ الأمر الذي أكسب الشافعي ثقة في نفسه وأفكاره، ودفعه لأن يبذل قصارى جهده بحثا عن التميز والتفرد.

ولأن الشافعي بطبيعته شاعر وأديب، وجد نفسه غير مكتفٍ بما يقدّم من موضوعات، خاصة أن في داخله إنسانًا شاعرًا وأديبًا ومثقفًا لم يخرج للنور بعد، ولا بد أن يبحث عن ذاته في موضوعاتٍ أكثر عمقًا يسبر أغوارها، بالأسلوب الأدبي الذي أتيح للشافعي استعماله بتوسع، خاصة بعد أن أصبح "رجاء النقاش" رئيسًا لتحرير الكواكب، الذي أدرك أن كاتبنا ليس كواكبي الهوى؛ لذلك سمح له أن يصبح كأنه المحرر الثقافي للمجلة، فيصوغ حوارات جادة مع شخصيات لها وزنها الأدبي والثقافي، مثل: "عطاء الله مهاجراني" وزير ثقافة إيران، "محيي الدين عاميمور" وزير ثقافة الجزائر، "فاروق حسني" وزير الثقافة المصري، "نجيب محفوظ"، "إبراهيم عبدالمجيد"، "يوسف قاعود ".

طالت فترة تدريب الشافعي في الكواكب أكثر من 7 سنوات، من 1986 إلى 1993، ومع ذلك لم يكل ولم يملّ، إلى أن تم تعيينه في نهاية الأمر. والحقيقة أن من أهم الروافد التي ساعدت محمد الشافعي على أن يكون له بصمات وقناعات، حرصه، مثل أبناء جيله، على متابعة العروض المسرحية والاهتمام بحضورها كلما أتيحت له الفرصة. في أحد هذه العروض، التي كانت تابعة للمسرح القومي في العريش، وكان بعنوان " كان يوم صعب جدا"، تأليف هشام السلموني، وإخراج حسن الوزير، وبحكم موضوع المسرحية الذي كان يتناول أبطال المقاومة في 24 أكتوبر 1973، لم يتمالك الشافعي نفسه من فرط تأثره، بل راح يبكي ثلاث ساعات، طوال مدة العرض؛ لأن الرسالة التي فهمها أن دعاة الانفتاح الاقتصادي هم من سرقوا دماء شهداء حرب أكتوبر.

من هنا تبنى الشافعي فكرة الكتابة عن المقاومة ودورها الوطني وتاريخها وأهم أبطالها، فكانت له كتب عديدة في هذا المجال الذي يؤجج الحماسة في النفوس، من أهمها: السويس مدينة الأبطال، الإسماعيلية أرض الفرسان، شموس في سماء الوطن، أنغام المدافع السمسمية سلاح المقاومة الشعبية، وغيرها.

كان من الطبيعي أن تقوده المقاومة إلى الغوص في البطولات العسكرية للقوات المسلحة المصرية، والتضحيات التي بذلتها، والمخاطر التي واجهتها في سبيل حماية أمن البلاد والعباد؛ فوضع العديد من الكتب التي تتناول تلك البطولات، منها: "عبدالمنعم رياض فارس الرحلة المستحيلة، المجموعة 39 مدد يا رفاعي مدد، بطولات تتحدى الزمن، ملاحم الكوماندوز، وصائدو الدبابات".

هذا إضافة إلى قيام محمد الشافعي بتأليف مجموعة كتب في السيرة الذاتية لشخصيات، اعتادت البذل والعطاء في ميدان الأعمال التي مارستها، والمناصب التي تقلدتها، والمبادئ التي دافعت عنها، ومن أهم هذه الكتب: "الناصر صلاح الدين، الاتحاد قبل الجهاد، عبدالناصر حقائق وأباطيل، طلعت حرب قصيدة في حب الوطن، الطهطاوي فارس التنوير، وموال العشق والثورة".

كما وضع الشافعي كتبًا تجمع بين الدين والتاريخ، مزج فيها بين اللغة الأدبية واللغة الصحفية، منها: "وجوه وأقنعة، ثوار ومشاغبون، قلوب مبصرة وعقول ثائرة، ومخابرات دولة الرسول".

ناهيك عن المقالات المتنوعة التي نشرها الشافعي في الكثير من الصحف والمجلات المصرية والعربية، اليومية والأسبوعية والشهرية، مثل: "الأخبار، الأهرام، المصور، الأسبوع، الأيام، الشرق الأوسط، نهضة مصر، المصري اليوم، إبداع، والعربي".

إن هناك الكثير والكثير مما يمكن أن يقال عن "محمد الشافعي" لكن المقام هنا قد لا يتسع، فرغم تعدد المحطات والمواقف التي مر بها في حياته، فإننا لم نجده في أي منها تنازل عن ثوابته أو هادن؛ لتحقيق مصالح شخصية، ولم نره يأكل على كل الموائد مثلما يفعل أنصار "السبوبة" من المنتسبين للإعلام، فنحن لم نعرفه إلا هكذا "مؤمنا بمصريته محترمًا لنفسه، ثائرًا مُصِرًّا على ألا يترك الميدان".

إعلان