إعلان

قنبلة حكومية جديدة.. قانون الأحوال الشخصية

أسامة شرشر

قنبلة حكومية جديدة.. قانون الأحوال الشخصية

أسامة شرشر
07:00 م الثلاثاء 09 مارس 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

لا شك أن مشروع قانون الأحوال الشخصية سيفجر أزمة جديدة داخل المجتمع المصري، لأنه قنبلة متعددة الانفجارات في كل الاتجاهات، وخاصة للمرأة المصرية التي تُحَارَب منذ زمن طويل وعلى مر الأجيال والعصور، بالرغم من أننا كنا نحتفل بالأمس باليوم العالمي للمرأة، الذي يوافق 8 مارس.

هذا القانون جاء ليصنع خلافات واختلافات فقهية وشرعية واجتماعية ستتسبب في انقسام حاد في المجتمع وخلق فجوة جدلية بين كل الأطراف في المجتمع، وهو ما يطرح السؤال المهم: أين الحوار المجتمعي في كل تشريعاتنا وقوانيننا وقضايانا؟ ولماذا نتجاهل الحوار المجتمعي، وهو يمثل قوة ناعمة وضاغطة للمجتمع بكل أطيافه ولا نلجأ إليه إلا بعد فوات الأوان؟

أعتقد أن الحل هو في الحوار المجتمعي مع لجان الاختصاص بعد مراجعة القانون من الأزهر الشريف، وأن تقوم «حكومة الشهر العقاري» بالاستجابة للاعتراضات وإرسال هذا التشريع للأزهر الشريف المختص دون غيره، طبقًا للدستور في المادة 7 فيما يتعلق بالعلوم الدينية والشئون الشرعية.

وأرى بعد الاستماع إلى هيئة علمية مستقلة بالأزهر الشريف أن يتم إرسال هذا المشروع بقانون إلى البرلمان، لأن بعض مواده الـ194 بها ألغام وأكمنة شرعية ودينية وستخلق حالة من الجدل غير المنتهي، وخاصة المادة 58 والمادة 191 التي تقضي بـ(حبس الزوج) حال زواجه بأخرى دون علم الزوجة الأولى، وهذا مربط الفرس في اعتراض البعض على فرض عقوبة سالبة للحرية على أمر مشروع، فالشرع لا يشترط إبلاغ الزوجة عند الزواج بأخرى.

إذًا فالمادة في مجملها معيبة من حيث الشرع والقانون من ناحية، وبالتالي من الناحية الدستورية التي جعلت الشريعة مصدر التشريع في مثل هذه الحالات الاجتماعية.

ونحن هنا لا نعادي المرأة، بل إننا نحلل ونكشف ألغام بعض المواد في القانون، فالمرأة أكبر بكثير من قانون معيب، فهي الأم والزوجة والابنة والأخت، بل هي المجتمع، إلا أنه يجب ألا يفتي أحد في وجود الأزهر الشريف، الجهة الوحيدة التي لديها من العلم ما تحدد به ما هو شرعي وما هو مخالف للشرع.

والمادة التي استفزتني على المستوى المهني والبرلماني في القانون هي المادة 6 التي تطرقت لموضوع ولاية المرأة، وعجبًا وتعجّبًا أن المشرِّع عندما وضع هذا القانون للأحوال الشخصية عام 1925م، لم يتطرق لمسألة الولاية أصلًا وترك تنظيمها للقانون المدني حفاظًا على حق المرأة في الاختيار.

ولكن الحكومة تركت كل هذه النوافذ المفتوحة لاستقلالية المرأة واعتمدت، للأسف الشديد، على مذهب واحد، وكأنه مذهب الحكومة، فألغت الشخصية القانونية للمرأة، وهذا عارٌ وجريمة ضد المرأة المصرية التي شهدت ميادين التحرير في كل محافظات مصر صرختها، عندما قالت (يسقط يسقط حكم المرشد).

والكارثة في قنبلة مشروع الحكومة أنها أباحت لأي ذكر في عائلة المرأة عقد زواجها مهما كانت سنها ونضجها ومكانتها العلمية، وأرى أن ذلك إهانة للمرأة ونوع من التطرف الذكوري ضدها.. (فاقد الشيء لا يعطيه).

أما المادة 55 فتعطي مؤشرًا خطيرًا لتعمد الحكومة هدم القيم والأخلاقيات والثوابت الأسرية في المجتمع المصري، وتعطي حقًّا للزوجة في تطليق زوجها بسبب فقره، وهذه كارثة اجتماعية وتشرنوبل حكومي يعطي البدء في تفكيك وانقسام الأسرة المصرية.

المادة السادسة فيها تناقض غريب، حيث إنها تعطي للولي الحق في المطالبة بفسخ عقد الزواج دون أن يكون له مسئولية على المرأة، فهذا التعارض يخلق مشاكل بلا حدود.

وفي المادة 89 المتعلقة بالحضانة أرى أنه من الأفضل أن تكون الحضانة ابتداءً بين الأم والأب، وبعد ذلك تنتقل الحضانة بين أم هذا وأم تلك، حتى لا يُعذب الأطفال بسبب التشتت النفسي.

ولذلك أطالب بسحب مشروع قانون الأحوال الشخصية من البرلمان وأن تقوم الحكومة بإرساله إلى الأزهر الشريف لبيان وتبيان المشاكل الخلافية الشرعية، ليعيد الأزهر بعدها إرسال القانون للبرلمان، ويخرج قانون يؤكد على الترابط والتراحم الأسري، ويراعي مصلحة الأطفال الذين يدفعون فاتورة الخلافات الأسرية.

يجب أن تراعي الحكومة أن المواطن ما زال يعاني من آثار الانحراف التشريعي في قوانين صدرت من المجلس التشريعي السابق وأحدثت هزة وزلزالًا في المجتمع، وآخرها الشهر العقاري، فالمشرِّع يجب أن ينحاز للمصلحة العامة ويحمي روابط المجتمع حتى لا تصدر تشريعات غير قابلة للتنفيذ على أرض الواقع أو تحدث فتنة في وقت أصبح المواطن المصري مستهلكًا، ماديًّا وتشريعيًّا واجتماعيًّا.

إعلان