إعلان

السعادة لمن وجد أستاذه.. "في محبة الدكتور أحمد الجزار"

د. أحمد عمر

السعادة لمن وجد أستاذه.. "في محبة الدكتور أحمد الجزار"

د. أحمد عبدالعال عمر
07:00 م الثلاثاء 16 فبراير 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

"سعداء أولئك الشبان الذين كان لهم أساتذة!

سعداء أولئك الصغار الذين ذهبوا مضطرين، فقرعوا الأبواب، وتلقوا بوجوه متوردة الكلمة المشجعة من الرجل الذي يحظى بإعجابهم".

هكذا تحدث الكاتب المسرحي الفرنسي جان أنوي، موضحًا أهمية الأستاذ في حياة تلميذه. وكيف يصبح وجود هذا الأستاذ المعادل الموضوعي للأرض التي تُلقى فيها بذرة أصيلة وخصبة، فتجد الهواء ودفء الشمس والماء، وتطرح، وتزدهر، وتُعطي أفضل ما لديها.

وبهذا المعنى، فكم كنت سعيدًا بأساتذتي الذين قدموا لي يد المساعدة، والذين رأيتهم دائمًا أشجارًا شامخة في حياتنا الجامعية والأكاديمية، ونجومًا يُقتدى بهم في متاهة حياتنا المضطربة.

وقد كانوا في عيني هكذا بعلمهم بداية، ثم بما تحلوا به من خلق ومبادئ وجمال ونبل في الروح والعقل والسلوك. وبما امتلكوه من كرم مادي ومعنوي، وبتعففهم عن الصغائر وعن كل ما يمكن أن يجرح صورتهم وقيمتهم في عيون وعقول وقلوب تلاميذهم.

في هذا الصدد، أتذكر بكل الخير أساتذتي الراحلين الدكتور عبدالحي قابيل، أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة أسيوط، الإنسان النبيل والكبير قامة وقيمة، الأصيل ابن قرية الجلاوية، مركز ساقلته، محافظة سوهاج، وتلميذ الأساتذة الكبار الدكتور أحمد فؤاد الأهواني، والدكتور إبراهيم مدكور.

والراحل الدكتور محمد فتحي عبدالله، أستاذ الفلسفة اليونانية بكلية الآداب جامعة طنطا، والسكندري البصير المستنير رغم فقده لبصره، والنموذج الكامل للأبوة المعرفية والكرم الإنساني، وتبني طلابه، ومساعدتهم معنويًا وماديًا، وكأنهم أبناؤه.

والراحل الدكتور رمضان الصباغ، الشرقاوي السكندري، أستاذ علم الجمال وفلسفة الفن بجامعة سوهاج، والمثقف الوطني المستنير، وأكثر مَن عرفتهم في حياتي كرمًا، وبساطة، وتواضعًا، ومحبة ومنفعة لطلابه.

أما أقرب الأساتذة إلى قلبي وعقلي، فهو أستاذي المباشر في مرحلتي الليسانس والدراسات العلا، الذي صار أبي الروحي وصديقي، الدكتور أحمد الجزار، أستاذ الفلسفة الإسلامية والتصوف، بكلية الآداب جامعة المنيا.

ومرجع تلك المكانة أنه أول مَن جسد في عيني نموذج الأستاذ الجامعي المتخصص في الفلسفة، المنفتح على الحياة والناس؛ فعندما تعرفت عليه في بداية حياتي الجامعية، كان أستاذًا مساعدًا شابًا يمتلئ بالحياة والنشاط والمعرفة، ونجمًا متألقًا في فضاء الكلية.

وفي محاضراته حلقت في رحاب الفلسفة الإسلامية عامة، والتصوف الإسلامي خاصة، وسمعت لأول مرة أسماء ابن عربي والحلاج والغزالي والسهرواردي وسعيد بن أبي الخير وعبدالقادر الجزائري وابن باديس، وغيرهم من الفلاسفة والمتصوفة.

وبالإضافة إلى تلك الجوانب العلمية، كان دائمًا الإنسان والأستاذ البسيط القريب من طلابه، المُحب للجميع، الذي لا يُغلق بينهم وبينه بابًا، الحريص على خدمتهم، القادر على الدخول معهم في حوارات متواصلة لا تنقطع، بهدف تسهيل الأمور لهم، وإنضاجهم معرفيًا وإنسانيًا.

أما أجمل ما تركه فينا الدكتور أحمد الجزار من أثر، فإن حضوره صار في حياتنا وذكرياتنا غير قابل للمحو. وإن صورته دائمًا في قلوبنا قبل عيوننا لا تشيخ ولا تكبر؛ فاسمه يعود بنا بمجرد استحضاره لأحلى سنوات العمر، ولزمن فتوة أرواحنا وأحلامنا، ولزمن فتوة صورته وحضوره ودوره؛ فنحن معه لا نكبر، وهو معنا يظل دائمًا ذلك الشاب الممتلئ بالمعرفة والحياة والحب للجميع.

ولهذا أدعو الله أن يبارك لنا في حضوره ودوره ووجوده بيننا. وأن يمتعه دائمًا بالصحة والعافية؛ فهو الإنسان النبيل النادر، والأستاذ الأكاديمي بحق، والقدوة والمثل الأعلى في زمن قل فيه الأساتذة، وتشوهت العلاقة بين الطلاب وأساتذتهم، وسقطت القدوة والمثل الأعلى.

إعلان