إعلان

استراتيجية ترامب الانسحابية.. الفرص والتحديات! (7)

عصام شيحة

استراتيجية ترامب الانسحابية.. الفرص والتحديات! (7)

عصام شيحة
07:11 م الثلاثاء 01 سبتمبر 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

للسياسي الجمهوري الداهية هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، 1973 ـ 1977، والمُلقب في بلاده بالثعلب العجوز، 97 عاماً- رؤية تضع العلاقات "الأمريكية ـ الصينية" في موضعها الصحيح؛ إذ يرى أن التنين الصيني هو المنافس الطبيعي لبلاده، وليس الدب الروسي. ومن هنا كانت نصيحته لدونالد ترامب عنما كان مُرشحاً رئاسياً عام 2016 بأن يقترب من روسيا في محاولة لاحتوائها بغرض الحد من قوة الصين! ولعدم ثقة كيسنجر في قدرة ترامب على تحقيق ذلك، لطالما أعلن حينئذ أمنيته في فوز شخص آخر بترشيح الحزب الجمهوري في السباق الرئاسي!

لكن ترامب ترشح، وفاز، ودخل البيت الأبيض، وها هو يحاول البقاء مدة رئاسية أخرى، دون أن يحقق نصيحة الثعلب العجوز؛ إذ تصاعدت التوترات بين واشنطن وموسكو، والتهبت العلاقات "الأمريكية ـ الصينية"، وقاربت بلوغ حد الحرب الباردة المُعلنة، وبينما تراجع الدور الأمريكي على الساحة الدولية، برغبة ترامب وبغير رغبته، تمدد النفوذ الصيني كثيراً، وبلغ حد التطلع إلى إحياء مشروع طريق الحرير الكفيل بتعزيز علاقات الصين الخارجية مع كل القوى الدولية تقريباً.

على هذه الخلفية، يجد المرشح الرئاسي الديمقراطي جو بايدن في العلاقات "الأمريكية ـ الصينية" مُتسعاً للتفوق على منافسه الرئيس الحالي ترامب. حتى قيل إن الصين ستحتل مكانة متقدمة في السجال بين الرجلين في إطار السباق الرئاسي المنتظر في الثالث من نوفمبر المُقبل، والذي لم تنجح محاولات ترامب لتأجيله بدعوى الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد في ظل جائحة كورونا!

وبداية، فإن بايدن لا يملك إضفاء مسحة كبيرة من الصداقة على العلاقات "الأمريكية ـ الصينية"، والتنافس بين البلدين لا يخفى عن أحد، ولا يخفى كذلك تفوق الصين في الميزان التجاري مع الولايات المتحدة، ولا يمكن الطعن في مشروعية ووطنية محاولات ترامب إصلاح هذا العجز، كما أن الخلفية التاريخية لدور الصين في دعم وتعزيز المعسكر الشرقي في مواجهة المعسكر الغربي وقت الحرب الباردة لا يمكن نسيانه، والتحالف التاريخي بين الصين وروسيا لا يصح إهماله.

على هذا النحو تكاد العلاقات "الأمريكية ـ الصينية" تحفل بالكثير من الثوابت غير القابلة للتنافس حول أهميتها والموقف منها. وهو الأمر الذي ترسخه الاستراتيجية الأمريكية المُلزمة لأي رئيس جمهوريا كان أو ديمقراطيا، فتلك حدود تحميها بكفاءة مؤسسية الدولة الأمريكية، وهي بالفعل مؤسسية عريقة لا يمكن الطعن في مصداقيتها، وقدرتها على حماية قيمها الراسخة.

ماذا يبقى، إذن، في العلاقات "الأمريكية ـ الصينية" ليحتل نقاشاً ساخناً بين المتنافسين في السباق الرئاسي المُقبل؟

رداً على هذا السؤال، تبدو أهمية ما أفرزته جائحة كورونا؛ فترامب يتهم الصين صراحة بالتسبب في الوباء الذي أصاب العالم كله، واحتلت فيه بلاده مركز الصدارة، ولقيت اتهامات ترامب تأييداً واسعاً بين الجمهوريين، وحتى بين قسم من المستقلين، لكن الديمقراطيين لا يوافقون على تحميل الصين مسؤولية أخطاء ترامب في مواجهة الجائحة والاستهانة بها، ولا يعني ذلك تبرئتهم الصين من مسؤوليتها في ظهور وانتشار الوباء، لأن في ذلك مغامرة كبيرة غير مضمونة الجانب لدى الرأي العام، الذي تعبأ، بضغط تداعيات الجائحة، بمشاعر سلبية تجاه الصين، لا يمكن تجاوزها.

من هنا، فحديث ترامب عن مسؤولية الصين سيتحول تلقائياً في السجالات الانتخابية إلى ضعف وتراخي إدارة ترامب في مواجهة الجائحة، مع تذكير الناخب الأمريكي بتصريحات ترامب في بدايات الجائحة، يناير وفبراير من العام الحالي، والتي أكد فيها أن الصين تقوم بجهود كبيرة في محاربة الوباء!

لا ينفي ذلك جملة من السلبيات الأخرى التي تُكيل لترامب الاتهامات بإشعال جذور الحرب الباردة مرة أخرى، بسبب حربه التجارية مع الصين، والتي طالت الحلفاء في أوروبا، حتى بات تشكيل موقف غربي موحد من الصين بسبب جائحة كورونا أمرًا بعيد المنال، ويحتاج الكثير من الجهود التي سينهض بها بايدن، لو فاز، ودخل البيت الأبيض في العشرين من يناير المُقبل.

والحال أن الخطاب الديمقراطي في السباق الرئاسي سيهتم باتهام ترامب بالإهمال في مواجهة الوباء حتى تصدرت بلاده قائمة المتضررين من الوباء، مع طرح تخبط رؤى ترامب، ما بين تصريحاته الإيجابية عن الصين في البدايات، ثم اتهاماته للصين، بعد فشله أمام فيروس "كوفيد- 19".

كل ذلك لا يعني أن الديمقراطيين يبرئون ساحة الصين أبداً؛ حتى إن بايدن يتهم ترامب بالفشل في معاقبة الصين على تسببها في الجائحة، لكن هذه غير تلك.

عصام شيحة

Eshiha@yahoo.com

إعلان