إعلان

مصير الدولة المصرية بين ثورتي 25 يناير و30 يونيو

د. أحمد عمر

مصير الدولة المصرية بين ثورتي 25 يناير و30 يونيو

د. أحمد عبدالعال عمر
07:41 م الأربعاء 01 يوليو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

يتناول كتاب "بردة النبي.. الدين والسياسة في إيران" لمؤلفه الأكاديمي الإيراني "روي متحدة"، الأستاذ بجامعة هارفارد، موضوع الدين والسياسة في إيران قبل ثورة الخميني وبعدها. ويوضح كيف استطاع السياسيون الإسلاميون الذين وصلوا إلى السلطة بعد نجاح ثورة الخميني عام 1979 في تطويع الدين؛ لخدمة أغراضهم السياسية، بعد خداعهم لرفاق الثورة من التيارات الأخرى. ويعرض بعد ذلك للآثار السياسية والثقافية المأساوية التي خلفها حكم ولاية الفقيه ورجال الدين على تاريخ وتراث وثقافة وهوية إيران.

ولهذا فالكتاب وثيق الصلة بمسار وتطور الأحداث في مصر منذ ثورة يناير 2011 حتى قيام ثورة 30 يونيو. ويُظهر لنا المصير الذي نجونا منه بنجاحنا في ثورة 30 يونيو 2013 في إسقاط حكم الإخوان المسلمين وحلفائهم في الداخل والخارج.

وبالتالي إفشال كافة المخططات التي كانت تُدبر لإضعاف وتفكيك الدولة المصرية، وهدم ثوابتها، ومسخ ثقافتها وهويتها.

وعلى صعيد آخر، فإن أبرز ما يجب علينا التوقف عنده في هذا الكتاب، هو رصده لعلاقة المثقفين الإيرانيين الليبراليين واليساريين من أبناء الطبقة الوسطى بثورة الإمام الخميني، وكذلك علاقة الثورة بأبناء الطبقة الدنيا والبسطاء وأشباه المتعلمين وخائبي الآمال.

فالكتاب يوضح لنا أن قطاعًا عريضًا من المثقفين الإيرانيين من أصحاب التعليم الراقي، أيدوا ثورة الخميني، وشاركوا فيها، وحلموا من خلالها بتحقيق طموحاتهم الإصلاحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

ولكن مع مرور الوقت اتضح لهم حجم الخديعة التي وقعوا فيها، ونسج خيوطها ببراعة رفاق الثورة الإسلاميون، بعد أن شرعوا في تأسيس نظام حكم ديني متشدد يديره الفقهاء ورجال الدين؛ فتبين لهم أنهم شاركوا في هدم نظام كانت تناقضاتهم معه ثانوية، ليقوم على أنقاضه نظام جديد تناقضاتهم معه جوهرية.

وحينما أظهر هؤلاء المثقفون من أبناء الطبقة الوسطى الإيرانية معارضتهم للنظام الجديد، تعرضوا لبطشه، وتم قتل وتصفية بعضهم، والبعض الآخر اضطر للهرب من إيران والإقامة في المنفى.

وبعد إسكات وتصفية تلك النخبة الثقافية والسياسية التقليدية بالترهيب والترغيب، شرع نظام حكم الفقيه في صنع نخبته السياسية والثقافية الجديدة، التي تدين له بالولاء الكامل. ولتحقيق ذلك الغرض، غازل النظام أبناء الطبقة الدنيا والبسطاء وأشباه المتعلمين وخائبي الآمال، ولعب على عواطفهم الدينية وطموحهم المادي والاجتماعي، واستمالتهم إليه، وجعلهم أعضاءً في منظمات حراسة الثورة، وشكل منهم نخبة جديدة مرتبطة بالنظام الجديد عضويًا وأيديولوجيًا واقتصاديًا.

وهذا مصير مأساوي آخر نجت منه الطبقة الوسطى والنخبة المثقفة المصرية، بإسقاط حكم الإخوان، الذين رأوا في تلك النخبة صاحبة مشروع الدولة الوطنية المدنية الحديثة عدوهم الأساسي؛ لأن التناقضات بين مشروع الجماعة وبين مشروعهم تناقضات جوهرية، ولهذا عملوا على إقصائهم وتهميش دورهم، ومحاولة تكوين نخبة جديدة تدين لهم بالولاء الكامل.

ولهذا وجهوا خطابهم الديني والسياسي إلى أبناء الطبقة الدنيا الفقيرة من البسطاء والحرفيين، وأبناء الطبقة الوسطى شبه المتعلمين، بهدف اللعب على عواطفهم الدينية وطموحهم الطبقي والوظيفي، وكسب تأييدهم المطلق لكي يجعلوا منهم أنصارهم المخلصين وحائط صدهم في مواجهة خصومهم المتوقعين.

ولكي نتأكد من ذلك علينا أن نستعيد تفاصيل مشهدين سياسيين حدثا في سنة حكم الإخوان، والوقوف على مضمون خطاب السلطة فيهما، وشكل وهيئة الحضور ومضمون شعاراتهم.

المشهد الأول: هو مشهد الاحتفال بذكرى العاشر من رمضان في ستاد القاهرة بحضور قتلة الرئيس السادات.

والمشهد الثاني: هو مشهد مؤتمر نصرة سوريا في منتصف شهر يوليو 2013.

ومن خلال التأمل في تفاصيل المشهدين، ندرك أنهما كانا إعلانا صارخا عن هدم ثوابت الأمن القومي المصري، ومسخ وتشويه ثقافة وهوية الدولة المصرية الحديثة، وبداية صنع نخبة سياسية واجتماعية "مُغيبة" تدين بالولاء الكامل للنظام الجديد.

وهنا يجب أن نتوقف للقول إن خائبي الآمال من أبناء الطبقة الفقيرة والطبقة الوسطى الدنيا، الذين امتلأ بهم ستاد القاهرة في المشهدين السابقين، لم يكونوا في معظمهم ينتمون تنظيميًا إلى جماعة الإخوان، ولكن كانوا من المخدوعين بخطابهم السياسي والاجتماعي والديني.

وهؤلاء أيضًا هم الذين اجتمعوا بعدد كبير في ميداني رابعة العدوية والنهضة في أعقاب 30 يونيو، نصرًا في الظاهر للدين، ورفضًا لسقوط محمد مرسي وحكم جماعة الإخوان، ورفضًا في الباطن لسقوط أحلامهم الشخصية في الترقي الطبقي والوظيفي التي نسجوها في ظل حكم النظام الجديد.

ومن هؤلاء أيضًا خرج عدد كبير من الموتورين الكارهين للدولة المصرية ونظام الحكم الحالي كراهية التحريم، لينضموا إلى الجماعات الدينية المتطرفة التي ترفع السلاح اليوم في وجه الدولة، وتقوم بأعمال إرهابية ضد الجيش والشرطة.

كما خرج منهم خائبو الآمال من أشباه المثقفين والإعلاميين الذين يعملون الآن في الفضائيات والصحف الإخوانية في قطر وتركيا، ولا غاية لهم فيما يقولون أو يكتبون إلا الهجوم على الدولة المصرية، والتشكيك في إنجازاتها، والسخرية من قياداتها، وإشاعة مشاعر الإحباط والغضب في نفوس المصريين.

وفصل المقال، إن كتاب "بردة النبي" بما قدمه من قراءة في الثورة الإيرانية وتحولاتها، وآثارها السلبية على ثقافة وهوية إيران. وكيف خدع الإسلاميون في إيران رفقاء الثورة من المثقفين وأبناء الطبقة الوسطى، ثم أقصوهم ونكلوا بهم؛ ليشكلوا بعد ذلك منهم نخبة جديدة من أشباه المتعلمين، تدين لهم بالولاء الكامل، قد كشف لنا المصير المأساوي الذي نجونا منه في مصر على أكثر من صعيد، بفضل ثورة 30 يونيو.

والآن رغم كل الصعوبات الاقتصادية التي نمر بها، يكفينا أننا نجحنا في استعادة الدولة المصرية وإعادتها إلى منطلقاتها وثوابتها، وثقافتها وهويتها.

كما نجحنا في إعادة بناء دورها وحضورها في المنطقة والعالم بفضل سياسة خارجية في قمة الاتزان والعقلانية. ويتبقى لنا أن نواصل العمل من أجل استكمال بنائها وتحديثها وإصلاح مؤسساتها واقتصادها، وتوفير حياة كريمة لشعبها، حتى لا نقع في "فخ الثورة الشعبية"، وتعريض وجود الدولة ومؤسساتها للخطر مرة أخرى.

إعلان