إعلان

 ساعات العمل وأيام العمل "٦"

د. غادة موسى

ساعات العمل وأيام العمل "٦"

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

08:51 م السبت 02 مايو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

في معرض حديثنا عن ساعات العمل وأيام العمل، يُصادف تناول تلك القضية حلول عيد العمال. وتعتبر ساعات العمل وأيام العمل، بل ظروف العمل من أهم الموضوعات التي حظيت باهتمام كافة القطاعات والمؤسسات المحلية والدولية. بل كان ذلك موضوعا للكثير من النزاعات والأزمات التي تطورت إلى صراعات بسبب عدم التوافق على ظروف عمل تحقق مطالب صاحب العمل والعامل. ولا أدل على ذلك من تلك الأزمات التي تنشب في أروقة منظمة العمل الدولية بين ممثلي العمال من جهة وأصحاب العمل من جهة على مدى عقود. وهي أزمات يجب ألا تدعونا للقول بأن أحدهما يستطيع الاستغناء عن الآخر. فحتى مع التطور التقني لا يزال العامل يحصل من الرأسمالي (مالك رأس المال) على أجر يمكنه من العيش والعمل وتجديد إنتاجه الاجتماعي، كما يحصل صاحب العمل من العامل على القيمة الزائدة في صورة أرباح يجدد بها دورة إنتاجه.

وعلى الرغم من تلك العلاقة التعاقدية التي وافق عليها صاحب العمل والعامل، يُثار تساؤل حول إذا ما كانت الأزمات تولد وترسخ ترتيبات عمل جديدة، وتحولها من مجرد حالة استثنائية إلى نظام ثابت!

بعبارة أخرى، ما تأثير الأزمات السياسية والاقتصادية على العرض والطلب في سوق العمل في ظل وجود تطور تقني متسارع؟

في هذا الصدد تشير إحدى الدراسات التي أجريت في جامعة "بيركلي- كاليفورنيا" إلى أن زيادة التقنية وتراجع المواليد من شأنهما تراجع المعروض من الأيدي العاملة من جهة، وأيضاً تراجع الطلب على الأيدي العاملة بسبب الاعتماد المتزايد على التقنية الحديثة وزيادة الابتكارات.

وبالتالي سيتراجع مؤشرا العرض والطلب على العمالة بفعل متغيري التقنية الحديثة وتراجع المواليد - خاصة في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية - كما ستتراجع الأجور بدورها.

كما تشير دراسة أخرى إلى كيفية تعامل الاقتصاد الأمريكي في الفترة من ١٩٢٠-٢٠١٠ مع التغيرات في العرض والطلب على الأيدي العاملة بفعل الانكماش الاقتصادي وارتفاع عدد المواليد في فترات الركود. حيث خلصت الدراسة إلى أنه عقب كل فترة ركود اقتصادي زادت معدلات المواليد، خاصة في الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية ١٩٤٦-١٩٦٤.

وهي الفترات التي شهدت دخول أعداد كبيرة لسوق العمل معدلات نمو مرتفعة.

إذن، نحن إزاء تناقضين يدفعان بعضهما البعض في قضية العرض والطلب على الأيدي العاملة، وهما التداعيات الإيجابية للركود على زيادة الطلب على الأيدي العاملة في أعقاب تلك الأزمات وتأثير تلك الأزمات على ارتفاع معدلات المواليد من جهة، ومن جهة أخرى تسارع وتيرة الابتكارات والتقنية الحديثة، ومن ثم التفكير في إحلال المنظومات الحديثة محل الأيدي العاملة والتحرر من التبعات القانونية التي تشكلها العلاقات التعاقدية بين صاحب العمل والعامل.

وفي هذا الصدد، نحن بحاجة للمزيد من الدراسات والبحوث حول الأثر "الصافي" للميكنة الكاملة والمنظومات التقنية الحديثة على الطلب على الأيدي العاملة.

ومازالت الدراسات في بدايتها. كما أن نتائجها مرتبكة ومتداخلة: حيث يرى بعضها أنه لا يوجد أثر كبير، بينما ترى دراسات أخرى أن هناك مراحلَ أو مهامَّ تم ميكنتها بالكامل لتحل الآلة محل العامل. كما خلص العديد منها إلى استمرار وجود صعوبة في قياس الميكنة!

وكان من بين مقترحات مؤشرات القياس استخدام الحاسب الآلي في مكان العمل، أو حجم الاستثمارات في "الروبوتات"، كما تم اقتراح قياس حصة الوظائف التي تتضمن أعمالا أو مهامَّ روتينية ومتكررة. واقترحت دراسات أخرى قياس المنتوج التقني الناجم عن العمليات الابتكارية من خلال دراسة براءات الاختراعات التي حصلت على موافقات، سواء أكانت اختراعات مادية "روبوتات"، أم اختراعات تتعلق بمنظومات تقنية. ثم يتم ربط تلك الابتكارات بالصناعات التي يمكن أن تستفيد منها لقياس "معدلات الإحلال". وقد كشفت تلك الدراسات وجود ٢ مليون براءة اختراع تتعلق بالتقنية الرقمية من بين ٥ ملايين براءة اختراع. حيث زادت من ٧٠ ألفا في عام ١٩٦٧ إلى ٨٠٠ ألف في عام ٢٠١٤! كما خلصت إلى نتيجة أولية بأن زيادة استخدام التقنية الحديثة أدت إلى تقليص الوظائف مع زيادة فرص العمل.

وفي رأيي أن هذه الدراسات ما زالت أسيرة أحوال وظروف مجتمعاتها. حيث طبقت على براءات الاختراع في الولايات المتحدة الأمريكية وتأثيرها على الصناعات المحلية، وقد تفتقر إلى الشمولية؛ نظرا لأنها لا تبحث في أبعد من محيطها الغربي أو الشمالي. ومما لا شك فيه أن تداعيات نتائجها على دول الجنوب وتلك الآخذة في النمو ستكون متباينة.

في الجزء السابع سيتم استكمال تداعيات تلك التقنيات على ساعات وأيام العمل إيجاباً وسلباً.

إعلان